بسبب الفراغ الأمني الذي تشهده الساحة العراقية وكذلك الانسحاب الأمريكي، تهيأت فرصة ذهبية لتنظيم القاعدة للانقضاض على خصومها لأخذ الثأر خاصة في ظل العقلية الثأرية العشائرية التي تسيطر على القاعدة وتتحكم فيها إلى جانب العقدة الدينية. وتفسر قيادات أمنية رفيعة المستوى بأن ظهور القاعدة في هذا التوقيت، له ارتباط وثيق بضعف الأداء الحكومي عامة . وقد أثبتت التجربة في الأنبار على مدى سبع سنوات بأن العنف وتنظيم القاعدة حالة واحدة لا يمكن الفصل بينهما . وقال العميد محمود فياض قائد شرطة الفلوجة كبرى مدن الأنبار ومعقل القاعدة حتى نهاية 2007 "القاعدة تتحين الفرص لأخذ ثأرها من خصومها وسبيلها الحرب دون غيرها" وأضاف "كلما حصل التراخي من القوى الأمنية فإن ذلك يعطي الفرصة الذهبية للقاعدة لكي تثأر بقسوة كما نلحظ الآن ". كانت القاعدة التي هزمت في الأنبار بعد خسارتها الحصانة الجماهيرية مطلع 2007 عاودت نشاطها في المحافظة المضطربة، خلال فترة انشغال أجهزة الدولة السياسية والأمنية بالانتخابات ونتائجها، وكذلك بتشكيل الحكومة. وما يميز الأنبار عن باقي محافظات العراق في ما يتعلق بنشاط القاعدة، أن هذه المحافظة التي تقع غرب العراق، تشكل 34% من مساحة العراق الكلية. حيث تفصل ما بين مدينة وأخرى مسافة صحراوية تتراوح ما بين 50 إلى 350 كلم. وتعد هذه الصفة التي تتميز بها الأنبار والتي تطغى على سكانها العقلية العشائرية الدينية مثار جذب حيوي لجماعات القاعدة، حيث تسهل المناطق الصحراوية الشاسعة فرصة التدريب وجمع الأسلحة وتخزينها بعيدا عن أنظار قوى الأمن والجيش وحتى السكان العاديين. ويرجع قائد أمني رفيع المستوى لجوء عناصر القاعدة للمناطق الصحراوية كملاذ آمن لهم، ل "فقدانهم الحاضنة الجماهيرية وانكشاف نواياهم التخريبية". وقال اللواء طارق العسل قائد شرطة الأنبار السابق "الفرصة الذهبية للقاعدة الآن موجودة بسبب الانسحاب الأمريكي كما هو واضح وضعف دور الصحوات بعد حجب تمويل الحكومة عنها". وأضاف "كنا سابقا نعتمد على أجهزة المراقبة والكشف لدى الجيش الأمريكي.. ومن جانب آخر فإن مشروع إضعاف الصحوة تعدى لاستهداف قياداتها بالقتل والاعتقال". كانت الصحوات العشائرية تشكلت في الأنبار بدعم أمريكي كبير، في الرابع عشر من سبتمبر عام 2006 بزعامة عبد الستار أبو ريشة، ولكن عناصر القاعدة قامت بقتله في الذكرى الأولى لإعلان الصحوة. وعن أسباب لجوء القاعدة إلى توجيه ضربات موجعة لعناصر الشرطة العراقية وأسرهم، أشار اللواء العسل الذي يعمل الآن مساعدا لوزير الداخلية إلى أن عقلية القاعدة "ضد الحياة" وأسلوبها الأخير نفسره بأنه "رسالة شديدة اللهجة لمن يقف في طريقها". واستدرك قائلا "الحل الوحيد للعبور لضفة الأمن والسلام (يكمن في) وقوف الجميع بوجه هذا الإرهاب وعدم منحه فرصة الانقضاض الوحشي". وأقيل اللواء العسل من منصبه كقائد لشرطة الأنبار مطلع العام الجاري، بسبب الهجوم الانتحاري المزدوج الذي استهدف مبنى محافظة الأنبار وأسفر عن إصابة المحافظ قاسم محمد بجروح خطيرة، فضلا عن مقتل وإصابة العشرات بينهم مساعدون بارزون للمحافظ. ويقر أبناء الأنبار بأنهم ضحية النزاعات السياسية المحلية والإقليمية والدولية . وقال عضو مجلس المحافظة فارس الفارس "عندما تحصل مهاترات أو نزاعات بين أحزاب سياسية عراقية.. فإن النار تنشب بالأنبار لكونها عامل التوازن الاجتماعي والسياسي للعراق". وأضاف "وعندما يحصل ضغط دولي على إيران تلجأ بتحريك جماعاتها الإرهابية لشن هجمات عنيفة ضد الشخصيات الأمنية والسياسية والدينية". وألقى فارس باللائمة على الدولة لعدم اختيار القادة الأمنيين الذين يمكنهم وضع "الخطط اللازمة لإحكام السيطرة على تحركات القاعدة الإجرامية" بحسب تعبيره. ويرى مراقبون أن القاعدة عادت من جديد تضرب بيد من حديد. ويقول المحلل السياسي الدكتور محمد الدليمي "القاعدة هي نتاج فعل الاحتلال الأمريكي إن لم نجزم بأنها إحدى مخالبه التخريبية". وأضاف "الانسحاب الأمريكي وضعف الصحوة التي هي أيضا من نتاج الاحتلال وإحدى أدواته في مرحلة معينة (إضافة إلى) حالة التراخي على صعيد الدولة جراء توجه الأنظار إلى موضوع تشكيل الحكومة كلها عوامل منحت القاعدة المكان والوقت اللازمين للعودة بخطط جهنمية جديدة تستهدف العراق من زاوية الأنبار".