تسييم شماسا جديدا في مطرانية القدس الأنچليكانية الأسقفية    وزير التعليم يتابع انتظام الدراسة خلال جولة ب6 مدارس بحدائق القبة    إنطلاق فعاليات مبادرة «بداية» للأنشطة الطلابية بكليات جامعة الزقازيق    وزير الاستثمار: 7 مليارات يورو استثمارات فرنسية في مصر    وكيل شعبة الكهرباء يحذر: 5 أجهزة في بيتك الأكثر استهلاكا    الدعم النقدي.. موقف الحوار الوطني النهائي وأول تعليق من النواب (خاص)    محافظ قنا: استلام 2 طن لحوم من صكوك الأضاحي    الاثنين 30 سبتمبر 2023.. ارتفاع طفيف للبورصة    أول تعليق من حزب الله بعد اغتيال نصر الله    أعداد الشهداء في ارتفاع مستمر بقطاع غزة.. فيديو    رسميا.. ريال مدريد يعلن حجم إصابة كورتوا    القنوات الناقلة لمباراة النصر والريان في دوري أبطال آسيا 2024-2025 اليوم    إنبي يُطالب الزمالك ب 150 ألف دولار بعد تحقيق لقب السوبر الإفريقي    اضطراب في حركة الملاحة على شواطئ مدن البحر المتوسط    إصابة شخصين في حادث تصادم بالمنيا    غدا.. افتتاح الدورة السابعة لأيام القاهرة الدولي للمونودراما    الثقافة تختتم الملتقى 18 لشباب المحافظات الحدودية بأسوان ضمن مشروع "أهل مصر"    «زوج يساوم زوجته» في أغرب دعوي خلع ترويها طبيبة أمام محكمة الأسرة (تفاصيل)    معهد البحوث: الإكزيما تصيب من 15 إلى 20% من الأطفال عالميا    وكيل فهد المولد يكشف تطورات أزمة اللاعب الصحية    وكيل تعليم دمياط يتفقد سير اليوم الدراسي بعدة مدارس    محافظ بني سويف يشارك في افتتاح معرض منتجات النباتات الطبية والعطرية    ضبط 40 كيلو حشيش بقيمة 3 مليون جنيه في الإسكندرية    النيابة تواجه متهمى واقعة السحر لمؤمن زكريا بالمقاطع المتداولة    ندوات توعوية لطلاب مدارس أسيوط حول ترشيد استهلاك المياه    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمحطة تنقية مياه الشرب بمدينة أسوان الجديدة    ريفر بليت يسقط على أرضه أمام تاليريس كوردوبا    يحتل المركز الأول.. تعرف على إيرادات فيلم "عاشق" لأحمد حاتم أمس في السينمات    جالانت: الجيش سيستخدم كل قدراته العسكرية في مناورة برية وهدفنا إعادة سكان شمال غزة لمنازلهم    جريزمان يلاحق ميسي بإنجاز تاريخي في الليجا    الصحة اللبنانية: ارتفاع حصيلة الاعتداء الإسرائيلي على عين الدلب إلى 45 قتيلا و70 جريحا    السعودية تُسلم فلسطين الدعم المالي الشهري لمعالجة الوضع الإنساني بغزة    المؤتمر: تحويل الدعم العيني لنقدي نقلة نوعية لتخفيف العبء عن المواطن    ضبط 1100 كرتونة تمور منتهية الصلاحية بأسواق البحيرة    شخص يتهم اللاعب أحمد فتحى بالتعدى عليه بسبب ركن سيارة فى التجمع    ضبط شخص متهم بالترويج لممارسة السحر على الفيسبوك بالإسكندرية    فؤاد السنيورة: التصعيد العسكرى فى لبنان ليس حلا وإسرائيل فى مأزق    الاحتلال الإسرائيلى يعتقل 41 فلسطينيا من الضفة الغربية    «وزير التعليم» يتابع انتظام سير العمل ب 6 مدارس في حدائق القبة | صور    انطلاق أولى جلسات دور الانعقاد الخامس لمجلس النواب.. غداً    «المالية»: إطلاق مبادرات لدعم النشاط الاقتصادي وتيسيرات لتحفيز الاستثمار    نبيل علي ماهر ل "الفجر الفني": رفضت عمل عشان كنت هتضرب فيه بالقلم.. وإيمان العاصي تستحق بطولة "برغم القانون"    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    بعد واقعة مؤمن زكريا.. داعية: لا تجعلوا السحر شماعة.. ولا أحد يستطيع معرفة المتسبب فيه    أوكرانيا: تسجيل 153 اشتباكا على طول خط المواجهة مع الجيش الروسي خلال 24 ساعة    مصرع شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق بمدينة نصر    أبو ليمون يتابع تطوير كورنيش شبين الكوم والممشى الجديد    أطباء ينصحون المصريين: الحفاظ على مستوى الكولسترول ضرورة لصحة القلب    توقيع الكشف الطبى على 1584 حالة بالمجان خلال قافلة بقرية 8    نائب الأمين العام لحزب الله يعزي المرشد الإيراني برحيل "نصر الله"    السياحة والآثار تنظم عددًا من الأنشطة التوعوية للمواطنين    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 30-9-2024 في محافظة قنا    أمين الفتوى: كل قطرة ماء نسرف فيها سنحاسب عليها    بعد خسارة السوبر الأفريقي.. الأهلي يُعيد فتح ملف الصفقات الجديدة قبل غلق باب القيد المحلي    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبوزيد.. المفكر المحلاوى الذى راوغ السلطات والمصائر
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 07 - 2010

«نحن أمة تقتل مبدعيها».. هذه آخر كلمات نطق بها المفكر الراحل نصر حامد أبوزيد، فى آخر حديث تليفزيونى له، قبل شهر واحد من رحيله صباح الاثنين الماضى، من مستشفى الشيخ زايد ب6 أكتوبر، إثر إصابته بفيروس مجهول خلال زيارته الأخيرة لإندونيسيا قبل بضعة أسابيع.
ويبدو أن هذا كان رثاء استباقيا لذاته، ف«ابن أبوزيد» كما كان يناديه رفيق شلة المحلة الشاعر محمد صالح، قطع للأبد منفاه الجبرى فى هولندا، ليعود للقاهرة متهيئا لموته المؤجل وهاهو قد مل ورحل.
ولو صبر جلادوه، 15 عاما فقط كان نصر سيموت.. سيموت، فهو القائل: «عندما أفكر فى المجتمع العربى تصيبنى حالة من العجز وأشعر بعدم جدوى الكتابة». فها هو قد رحل.. لكن بعدما راوغ كل السلطات.. وراوغته المصائر.
فداخل الجامعة راوغ أبوزيد السلطة السلفية التى لاحقته ورأت فى إبعاده تنكيلا بالعلمانية، وخارج الجامعة راوغ رافعى رايات الحسبة الذين حكموا بالتفريق بينه وبين زوجته ورفيقة عمره د. ابتهال يونس إثر اتهامه بالكفر، وعندما اتجه قسرا ناحية الشمال إلى هولندا، ليعمل أستاذا بإحدى الجامعات هناك، راوغ مضيفيه الذين كانوا ينتظرون منه أن يكون شعارا جديدا فى حربهم على الإسلام، ففاجأهم واستهل أول محاضرة له هناك بالبسملة ونطق الشهادتين، حتى لا يمعنوا فى حسن استقباله ظنا منهم أنه أحدث المتمردين على الإسلام، وليس باحثا من داخل دائرة الحضارة العربية الإسلامية كما أراد لنفسه.
ومثلما راوغ أبوزيد السلطات راوغ أيضا المصائر أو راوغته، فهو الذى كان مهيأ ليصير شيخا أزهريّا، اضطره مرض والده، وحاجة أسرته إلى عائل لأن يلتحق بالأزهر، وبعدما تخرّج من معهد فنّى اللاسلكى كان يمكن أن يصير حرفيا ماهرا وكفى، لكن خطوط الرحلة كانت تشير إلى مصير آخر، فالتحق أبوزيد بالمدارس الليلية ليكمل دراسته الثانوية ثم الجامعية، التى تفوق فيها وكان أول دفعته، وعين أستاذا، لكنه رفض أن يكون ببغاء مضافا إلى كثيرين يعملون فى هذا الحقل، واختار أن يكون أستاذا على طريقة ظل يدفع ثمنها حتى وفاته.
ففى خضم أزمته التى اشتعلت إثر تقديمه بحثا بهدف الترقى فى كلية آداب القاهرة عام 1993، لم يكتف رموز اليمين داخل الجامعة وعلى رأسهم د. عبدالصبور شاهين، برفض الترقية والبحث، بل اتهم طالبهما بالكفر، لتمتد فتواه لخارج الجامعة، يحملها وكلاء الحسبة الذين طالبوا بتفريقه عن زوجته.
وقتها كان يكفى نصر أبوزيد أن يردد الشهادتين أمام القاضى الذى حكم بإبعاده عن زوجته لأنه برأيه «كافر»، لينال غفرانا أبديا من الجميع، لكنه اختار أن يرحل، حاملا حقائبه وعقله باتجاه هولندا، استجابة لدعوة من جامعة ليدن، رافضا أكثر الحلول أمنا وهو التراجع عن بحثه ونيل رضا وحماية المؤسسة الدينية، أو الارتماء فى أحضان المؤسسة السياسية ليكون مجرد عصا فى معركتها ضد تيارات التأسلم..!
وطوال منفاه الذى لم تقطعه سوى زيارات قصيرة للقاهرة، لم يطرح اسم أبوزيد ضمن مرشحين لأى جائزة أهلية أو رسمية، كما لم يطلب لأى منصب جامعى أو ثقافى داخل مؤسسات الدولة، التى توارب شعار الإصلاح فوق كل مؤسساتها، كما حرم القراء من رؤية مؤلفاته الجدلية.. رغم اختناق المطابع الحكومية بمجلدات عن الطبخ وطوابع البريد.. وغيرها..
ورغم أن أبوزيد ليس أول ولا آخر كثيرين ممن عادتهم المؤسسة الدينية أو الأصوليون واحتضنتهم المؤسسة الرسمية، وكان آخرهم الباحث المثير للجدل سيد القمنى، فإن هذا الرضا لم يشمل المفكر الراحل الذى «أراح واستراح»، حسب تعقيب الكاتب جار النبى الحلو على موقف الدولة والمؤسسة الثقافية الرسمية من نصر، موضحا أن غيابه كان مريحا بالنسبة لهذه المؤسسة رغم أنه لم يكن مشاغبا حقيقيا، وإنما باحث مستنير كان يريد فقط مناخا مواتيا.
هذه النقطة الأخيرة طرحناها على بقية أصدقاء المفكر الراحل نصر حامد أبوزيد، فتباينت ردودهم على النحو التالى...
«لأنها دولة فاقدة عقلها، فكيف تهتم بعقول مفكريها» ؟!، هكذا عقب الكاتب الكبير محمد المنسى قنديل، مؤكدا أن الدولة لا تدرك قيمة هؤلاء المفكرين، وأنهم الوجه المدنى الذى أهملته لتهتم بالوجه الأمنى.
وقال قنديل إنه يتحدى أن يكون هناك مسئول يعرف من هو نصر أبوزيد، وما هى قيمته باستثناء أن حياته مهددة.
«للأسف مصر كانت سعيدة بالتخلى عن نصر، وكأنه كان عبئا عليها».
يروى قنديل: «فى قصر ثقافة المحلة، عندما كان نصر موظفا بسيطا كنا كصغار ندرك قيمته الفكرية، ونجلّه كأستاذ، وعندما دخل السلك الأكاديمى وبدأ ينظم أفكاره، كان ينظم أفكارنا نحن أيضا، ويعلمنا التفكير فى الدين والدنيا، فى آن».
عن لقاءاته الأخيرة بنصر يقول قنديل: «كنا نلتقى خارج الحدود، وآخر مرة التقيته، كنا فى معرض فرانكفورت للكتاب، أنا أغطى فاعليات المعرض لمجلة العربى الكويتية، وهو كان أحد المحاضرين العرب المقيمين فى أوروبا، فقط كان أمل كل منا أن تهدأ الأمور ونعود لمصر كلنا سويا، «ونعمل قعدة المحلاوية من جديد»، ولكن للأسف مصر استقبلت نصر جثة، وكنا نريده أن يعود إليها صاحيا، لنستفيد من طاقته الذهنية، تلك التى جعلت منه مفكرا وارتقت به من الصفوف الخلفية إلى أول الصفوف فى العالم».
أما القاص الكبير سعيد الكفراوى فوصف نصر أبوزيد بأنه كان عصيا على أن تحتويه أية مؤسسة، أو توظفه لخدمة أغراض سياسية، لأنه كان صاحب مشروع فكرى يسعى للانتقال بالأمة من حالة التخلف إلى حالة جديدة يحكمها العقل وسؤال التنويرى،
وأضاف: كانوا فى المؤسسة يعرفون موقفه، وهو الرفض، فلم يقدموا على ترشيحه لأية جائزة أو إدارة مؤسسة أو رئاسة لجنة، فإذا كانت الجامعة، مكان عمله ونشاطه، قد كفت يدها عنه، فما بالك بمؤسسة الثقافة؟!، فضلا عن أنهم كانوا يخشون من التعامل معه بسبب موقف الإسلام السياسى منه وما أثاروه ضده..
وأكمل قائلا: لقد جاءت النهاية كنكتة رديئة، بأن يصاب نصر أبوزيد بفيروس مجهول فى مدينة غريبة، ثم يعود إلى وطنه ليتعذب ويسلم الروح إلى بارئها، فلا يسير فى جنازته سوى عدد من الأفراد هم أنفسهم من تعرف عليهم فى أول العمر، فقط يضاف إليهم د. حسن حنفى ود. أحمد المرسى وآخرون قلائل تعرَّف عليهم فى منتصف الرحلة.
هذا وعلى الرغم من أن الناقد الكبير د. جابر عصفور كان الأقدر على الإجابة عن السؤال السابق، لقربه الشديد من طرفى المعادلة وهما: صديق عمره د. نصر أبوزيد والمؤسسة الثقافية التى تربع على عرشها عصفور لسنوات طويلة، إلا أن حالته النفسية السيئة التى أثارتها خبر رحيل أبوزيد، منعته من الإدلاء بأى تصريحات ل«الشروق» موضحا أن الراحل كان «توأم عمره».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.