فى الوقت الذى يستعد فيه معظم تلاميذ الإعدادية للسير فى القدر المرسوم لطريق الثانوية العامة، يقف محمود على باب المحافظ، فى انتظار تأشيرة استثنائية، تجبر ناظر أقرب مدرسة ثانوية على قبوله مع زملائه.محمود الحاصل على مجموع 90%، قد لا يستطيع إكمال دراسته الثانوية والسبب أنه «من عشر سنين وزارة الزراعة مش موافقة تدينا قطعة أرض، ندفع ثمنها ونبنى عليها المدرسة»، كما يقول المهندس محمد حلمى والد محمود. محمود من قرية برشوم الكبرى، تتشابه مشكلته مع كل طلاب القرية ومع طلاب سبع قرى أخرى تابعة لمركز طوخ، حيث لا توجد مدرسة ثانوية عامة. حلم محمود فى الدخول الاستثنائى تحفه المخاطر، فالمدرسة التى يعلق عليها الآمال تبعد عن قريته 7 كيلو مترات، «وما فيش غير طريق بعيد وسط الزراعات للوصول إليها». عدم وجود مواصلات مباشرة، بالإضافة إلى أن أوقات الدراسة فى المدرسة مقسمة على فترتين يزيد من صعوبة الأمر، «يإما وسط الزراعات الصبح بدرى أو متأخر، ودا مكان مقطوع».لأنه ولد، يحظى محمود بفرصة أكبر للمجازفة من أجل التعليم، «لكن المشكلة فى البنات»منذ عشر سنوات قرر عمد ومشايخ القرى الثمانى الخروج عن الصمت، والكلام فى المحظور من وجهة نظرهم. اجتماع عاجل ومذكرة تم بعثها لأكثر من جهة حكومية تطالب بإنشاء مدرسة ثانوية عامة، «بسبب تكرر حالات التحرش و الاعتداء على فتيات القرية وسط الزراعات». أكثر من نصف أهالى القرى كما يوضح محمد حلمى المهندس المدنى، تكتفى بتعليم الفتيات حتى المرحلة الإعدادية، «والنصف التانى يإما يدخل دبلوم أو أزهر».يوجد بالقرية مدارس للتعليم الفنى الصناعى بالإضافة إلى ستة معاهد دينية لمختلف المراحل أنشأها الأهالى بالتبرعات الذاتية. «مافيش فلوس نبنى عندكم مدرسة ثانوى»، كان رد الهيئة العامة للأبنية على الطلب المقدم من عشر سنوات.قطعة أرض تبلغ مساحتها 1700 متر، غير محيزة زراعيا لم تتم زراعتها سابقا، وأحد المتبرعين من أبناء القرية طلب التبرع بثمن الأرض للجنة العليا للأبنية التعليمية، «وقلنا المشكلة اتحلت». يقلب حلمى فى مجموعة من الأوراق الرسمية أمامه: موافقات المحافظة، ومباركات وزير التعليم السابق، توافر الأرض فى مكان متميز، واستعداد المتبرع للدفع النقدى.ينفخ حلمى غضبا قبل أن يواصل إحصاء الموافقات التى استغرقت سنوات، موافقة الأبنية التعليمية والرى والطرق وتوفير تكاليف إنشاء أساسات المدرسة، «كل ده حبر على ورق، بعد ما وزارة الزراعة رفضت البيع». فى 12 أغسطس 2008 أصدرت لجنة الفتوى والتشريع بوزارة الزراعة، قرارا بمنع بيع الأرض الفضاء، وأصدرت قرارا بتأجيرها سنويا بواقع 35 جنيها للمتر الواحد، قابلة للزيادة بعد ثلاث سنوات. وهذا القرار يسجل عليه حلمى وأهالى القرى مجموعة من الاعتراضات، أولها ارتفاع قيمة الإيجار بما يعادل ثمن البيع فى تلك القرى، يحكى أن شهورا مضت أجبرت الحكومة بعض الأهالى للتنازل عن الأراضى الزراعية نهائيا بواقع 35 جنيها للمتر، «الحكومة تأخذ ثمن بخس لكن تبيع لينا غالى». الاعتراض الثانى أن القرى الصغيرة لن تستطيع أن تجد متبرعا سنويا يتكفل بقيمة الإيجار، مما يهدد بفشل المشروع.«ماسكتناش». يصمت حلمى قبل أن يخرج ورقته التى يحتفظ بها بعيدا عن باقى الأوراق. مناشدة من محافظ القليوبية لوزير الزراعة باستثناء الأرض التى سوف تقام عليها المدرسة من قوانين لجنة الفتوى، على أن يتم البيع مباشرة لهيئة الأبنية. ويذيل الورقة توقيع من أمين أباظة بالموافقة على البيع بتاريخ 9 نوفمبر 2008.«كنا فاكرين إننا أنهينا الموضوع، بس ولا كأن الوزير وافق»، حتى الآن لم توافق لجنة الفتوى على بيع الأرض التى سوف يتم تخصيصها للصالح العام فى رأى حلمى. مطالب حلمى وأهالى القرى تتعلق بتلك الورقة التى كان الحصول عليها «زى ما يكون بنسرق»، وهى أن يتم تنفيذ قرار الوزير بالبيع المباشر، «إحنا بناخد أرض من الدولة، ندفع ثمنها ونديها للدولة ليه مش راضيين؟».سؤال يحمله طلبات الأهالى فى أوراقهم الموجودة فى دهاليز وزارة الزراعة ومازال محمود فى طابور الانتظار ومواجهة المجهول سواء فى إمضاء المحافظ أو فى الطريق المقطوع الذى يجعل ما يزيد على 100 ألف نسمة هم عدد أهالى القرى فى حالة قلق دائم على الأبناء.