قال الرئيس باراك أوباما إن القوات الأمريكية سوف تبدأ الانسحاب من أفغانستان خلال عام من الآن، وفى نهاية الأمر سوف تغادر قوات الناتو، وعند مرحلة معينة سوف يبدأ نوع من الحوار مع طالبان. ومن ثم، فالناتو الآن يعد لإنهاء اللعبة، ساعيا لإضعاف طالبان من خلال طردهم من قندهار أولا قبل أن تبدأ المفاوضات. ولكن ليس من الواضح ما سيتكشف عنه الأمر مع نهاية اللعبة. فمع القلق المتزايد بشأن ضعف مستوى تأييد المدنيين الأفغان، ربما لا تبدأ عملية قندهار قبل الخريف، على الرغم من نفاد الصبر بصورة متزايدة فى عواصم الناتو. فى عام 2001، دخلت قوات التحالف أفغانستان لمهاجمة القاعدة وتدمير ملاذها الآمن، والحيلولة دون وقوع المزيد من الهجمات الإرهابية. ومازال هذا هو الهدف المعلن للحملة على الرغم من أن القاعدة لم تعد موجودة فى أفغانستان؛ ومن شتى النواحى، لم تعد لديها قدرة على تنظيم حادى عشر من سبتمبر آخر؛ وقال رعاة طالبان، عرابوهم الطالبانيون، مرارا أنهم لن يتدخلوا فى شئون أية دولة أخرى بعد عودتهم للسلطة، ولن يسمحوا لأى طرف آخر أن يفعل ذلك من الأراضى الأفغانية. ولكن كيف سيكون شكل «الانتصار» بعد تسع سنوات من القتال؟ طبقا لما قاله مسئول روسى، لن يكون الانتصار فى أفغانستان على غرار غرس علم على قمة الرايخستاج. وسوف يكون النجاح مسألة متصورة أكثر منها واقع. ويقدر مسئولو أمن أفغانيون أن لدى طالبان 170 من القادة الرئيسيين، بالإضافة إلى 2200 من القادة الإقليميين، أما بقية مقاتليها البالغ عددهم ما بين 30 ألفا و40 ألف مقاتل، فهم جنود مشاة، يستطيعون حمل البندقية بالسهولة نفسها التى يعملون بها فى الحقول. وفى مواجهة هذه الأعداد، تقف قوات التحالف عند نحو 160 ألف مقاتل، وهو بالمصادفة ما يساوى عدد القوات التى نشرها الاتحاد السوفييتى فى حملته الفاشلة للسيطرة على أفغانستان فى الثمانينيات، وقد زاد عدد الجيش الأفغانى ليصل إلى نحو 125 ألفا. ولكن على الرغم من التفاوت فى المعدات والتدريب والعدد، لا يمكن تحديد الطرف الذى سيفوز. على نحو واسع النطاق، يعتبر الجنرال ستانلى ماكريستال، قائد قوات الناتو فى أفغانستان، أبرع العسكريين فى محيطه، ومع ذلك فقد واجه هو نفسه مشكلات. فلن تنهزم الطالبان عسكريا، ويبدو أن إمداداتها من المقاتلين الجدد لا تنفد، كما أن خسائرها لا تردعها؛ ولكن فى حين يعلم الجنرال ماكريستال أن تقويض التأييد الذى تتمتع به طالبان سوف يحتاج إلى عمل سياسى فعال طويل الأمد، فالموارد الموضوعة تحت تصرفه عسكرية، والإطار الزمنى المتاح له تحده رغبة الولاياتالمتحدة فى الانسحاب من المعركة، وتراجع ثقة الرئيس الأفغانى حامد قرضاى فى قدرة الناتو على الفوز فى الحرب. ويرغب الجنرال ماكريستال فى أن يوجه لطمة حاسمة إلى طالبان قبل أن تنسحب قوات الناتو، وقد حدد قندهار باعتبارها هدفا حاسما، بسبب أهميتها الرمزية والاستراتيجية لطالبان. ومع ذلك أصر قرضاى على الحصول على تأييد المواطنين كبار السن قبل أى تحرك. فهو يريد تحركا متوازنا للتحول من العمل العسكرى إلى السياسى، ومن الاعتماد على حلفائه إلى الاعتماد على الأفغان أنفسهم. وترغب الولاياتالمتحدة وحلفاؤها فى رؤية هذا التحول فى التركيز، حتى يستطيعوا ادعاء الانتصار، ويبدأوا فى الرحيل، غير أن الحكومة الأفغانية أمامها الكثير كى تكون مستعدة لتولى القيادة. وبعد 30 عاما من الحرب، تعانى أفغانستان من ندرة فى الإداريين الأكفاء وليس فقط فى قطاع الأمن. ويعترف المسئولون الأفغان أنفسهم بأن طالبان أفضل من الحكومة فى توفير الأمن والعدل وجهاز إدارى غير فاسد، فى المناطق التى تسيطر عليها. وسيكون من الصعب طرد طالبان من قندهار ودفع مقاتليهم خارج الإقليم، نظرا لأنه لا يمكن تمييزهم عن بقية السكان. ولكن من دون مشاركة ومتابعة فعالتين من الجانب الأفغانى، سوف يكون أى نجاح قصير الأمد. وإذا اعتبرت عملية قندهار فاشلة، فسوف تعزز موقف طالبان فى أى مفاوضات بشأن تقاسم السلطة. يجب أن تتركز الخطة الآن على تفادى القيام بأى شىء يجعل من الصعب استيعاب حركة التمرد داخل عملية سياسية، وعلى عزل المتشددين من خلال التحدث إلى الطالبانيين الأكثر اعتدالا. فقد أدى التحرك العسكرى إلى طرد القاعدة، وعادة ما يخسر طالبان المعارك الحربية، لكن سلاحهم المفضل الآن هو العبوات الناسفة بدائية الصنع، حيث يخسر جنود الناتو حياتهم مقابل مكسب ضئيل للغاية. وعندما ترجح بشكل حاسم كفة العمل السياسى، سيكون من الأسهل على الناتو ادعاء النصر والتغطية على النكسات. كما أن العملية السياسية سوف تسمح للأفغان بتحمل مسئولية بلدهم فى وقت أقل مما يستغرقه إعداد جيشهم وقوات أمنهم لتولى الحملة العسكرية الحالية. ولن تؤدى سياسة قرضاى للمصالحة إلى إنهاء مبكر للعنف، بل قد تخفف منه، ومن ثم تسمح لقوات التحالف بالرجوع إلى الخلف. وربما تكون مليارات الدولارات التى تدفقت على أفغانستان فى السنوات القليلة الماضية قد قضت على القاعدة، لكنها أدت إلى إفساد البلاد على نحو حاد. ولابد للأفغان من استرداد عافيتهم بطريقتهم الخاصة المعقدة.