تستقبل القاهرة كل يوم، عددا متزايدا من المهاجرين الأفارقة واللاجئين، لكن معظمهم لا يرغبون في الاستقرار بمصر بشكل نهائي، يقول يحيى محمد إدريس، لاجيء من إقليم دارفور غرب السودان ومقيم حاليا بمصر، إنه غامر بكل شيء في سبيل الهجرة إلى إسرائيل، لأن من سبقوه إلى هناك يؤكدون أن الأوضاع في إسرائيل أفضل. وصرح إدريس أنه لا يجد الأمان في بلده، لكنه أيضا يجد صعوبات كثيرة في مصر، فهو لا يستطيع العثور على وظيفة، كما أن هناك بعض الناس الذين يرشقونه بالحجارة والطماطم ويسبونه لأنه على حد قوله "أسود"!واعترف إدريس (31 عاما) أنه مثل المئات من أبناء القارة الأفريقية، دفع لبعض المهربين من البدو مبالغ مالية تصل إلى 600 دولار لتهريبه إلى الحدود المصرية الإسرائيلية. في البداية ركب إدريس حافلة وبعدها اختبأ في سيارة نقل ثم وجد نفسه وحيدا في سيناء في منتصف الليل، لكن السلطات المصرية على الحدود اكتشفته سريعا وفتحت النار عليه أثناء محاولته ومن معه التسلل إلى الجانب الإسرائيلي.وقال إدريس إنه عقب إلقاء القبض عليه هو ومن كانوا معه، قامت قوات الأمن بالاعتداء بالضرب عليهم وتم حبس إدريس لمدة عام في السجون المصرية، ومنذ إطلاق سراحه، لا يستطيع إدريس أن يجد زوجته وأطفاله الذين فقدهم يوم حاول التسلل إلى إسرائيل. وحالة إدريس ليست هي الأسوأ، فقد ذكر موقع الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن حوالي 16 لاجئا أفريقيا لقوا حتفهم بعد أن قامت السلطات المصرية بإطلاق النار عليهم أثناء محاولتهم التسلل لإسرائيل عن طريق سيناء، بينما يعاني آخرون من إصابات بليغة لنفس السبب. يقول عبد الله حنظل الذي يعمل مع مجموعة مختصة بمساعدة اللاجئين، إن المشكلة الأساسية هي أن الأفارقة اللاجئين المتسللين من الحدود يتجاهلون كل إنذارات الأمن، لهذا لا تجد السلطات مفرا من إطلاق النار عليهم وبالتالي يلقى الكثير منهم حتفه، أما إذا نجوا من طلقات الرصاص، فيتم إلقاء القبض عليهم وترحيلهم أو اعتقالهم في السجون. من جانبها، تصر السلطات المصرية على أنها تطلق النار فقط على هؤلاء الذين يتجاهلون الإنذارات والتحذيرات المتكررة ويستكملون طريقهم نحو إسرائيل، وهناك بعض عصابات المهربين الذين يحترفون الاتجار بالبشر، وغالبا ما يكونوا مسلحين، وبالتالي لا مفر من مواجهتهم والاشتباك معهم. مؤخرا، ظهرت انتقادات كثيرة لمصر، منها مطالبة الأممالمتحدة والمنظمات الحقوقية بعدم استخدام قوات الأمن المصرية القوة المفرطة في التعامل مع المتسللين الأفارقة، كما تمنى محمد دايري رئيس هيئة شؤون اللاجئين بالأممالمتحدة، أن تسن مصر قوانين جديدة في هذا الصدد، تحمي كلا من اللاجئين والسيادة المصرية دون قتلى أو خسائر. من ناحية أخرى، تتفاقم مشكلة المهاجرين الأفارقة يوميا بسبب اتفاق ليبي- إيطالي عام 2009 يقضي بقطع الطريق البحري المباشر إلى أوروبا أمام المهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة، مما ساعد على تدفقهم إلى إسرائيل بدلا من أوروبا، لوجود فرص عمل وظروف حياة تشبه الغرب. وأغلب المهاجرين الأفارقة هم من السودان وإثيوبيا وإريتريا، وغالبا ما يسافرون إلى إسرائيل مباشرة عقب وصولهم إلى مصر. أما إسرائيل، فأعلنت استقبالها لأكثر من 15 ألف لاجئ إفريقي، ما أدى إلى ازدياد الضغوط على الأمن القومي الإسرائيلي ونظام الحياة هناك. ولم تكن إسرائيل مرحبة باستقبال كل هؤلاء المهاجرين بدورها، فقد بدأت في تطبيق سياسة مثيرة للجدل اسمها "العودة فورا"، تقوم عن طريقها بترحيل المهاجرين الأفارقة من إسرائيل فور وصولهم، عبر نفس الحدود التي جاءوا منها! ويعتقد عماد جاد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن إسرائيل تطالب مصر دائما بلعب دور أقوى في وقف التهريب وتسلل المهاجرين عبر الحدود، لكن هذا صعب. لأنه بموجب اتفاقية السلام 1979، لا يمكن لمصر نشر قواتها في المنطقة إلا بواقع 450 جنديا فقط، زادوا في عام 2007 إلى 750 جنديا. ومن الصعب جدا أن يسيطر هؤلاء فقط على مساحة أكبر من 240 كيلو مترا بطول الشريط الحدودي.