يعد رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوجان رجلا ذا سلوك حاد الطباع يقترب من الفظاظة، وهو لا يُلطف كلماته، حيث يقول: «يجب أن تُمثَل حماس على طاولة المفاوضات. وآنذاك يمكن فقط التوصل إلى حل». وعندما كنا جالسين فى الجناح المخصص له فى فندق دورتشستر فى لندن، حيث تم إحضار العلم التركى على عجل تعبيرا عن التمثيل الرسمى لتركيا، وتحدث أردوجان عن محمود عباس رئيس فتح والسلطة الفلسطينية المحاصر، قائلا: «لن تحققوا أى شىء إذا تحدثت فقط إلى عباس. هذا ما أقوله لأصدقائنا الغربيين». وفى حديث أدلى به أردوجان عشية زيارة الرئيس باراك أوباما إلى تركيا، التى تعد أول بلد إسلامى يزوره منذ تقلده مهام منصبه، شدد على ما سماه «توازنا جديدا» فى النهج الأمريكى تجاه الشرق الأوسط. وقال إنه «من المؤكد أنه يجب تغيير السياسة الأمريكية، إذا كنا بصدد التوصل إلى حل عادل وشامل». وكان مفاد الرسالة الحاسمة التى وجهتها تركيا، الصديق الأفضل لإسرائيل فى الشرق الأوسط، أن الوضع الراهن لا يمكن الدفاع عنه. وتمثل طريقة النظر إلى حماس قضية حيوية فى المراجعة الراهنة للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط؛ ذلك أن تلك المنطقة بأسرها تعتبر حماس التى فازت فى الانتخابات البرلمانية الفلسطينية فى 2006، حركة مقاومة مشروعة. وقد عزز من هذه الوضعية القصف الأخير الذى تعرضت له الحركة، خلال العملية المفجعة فى غزة التى سمتها إسرائيل «الرصاص المصبوب». ويعتبر الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة حماس منظمة إرهابية، لذلك لن يتحدثا إليها إلا إذا قامت بتلبية عدد من الشروط، بينها الاعتراف بإسرائيل. ولم يؤد تهميش الحركة سوى إلى طريق مسدود، لأن حماس حركة اجتماعية وسياسية راسخة، لن تختفى ولا يمكن الالتفاف عليها. وقد أعرب جورج ميتشل، السيناتور السابق ومبعوث الرئيس أوباما للشرق الأوسط، عن دعمه للمصالحة بين حماس وفتح. وأعتقد أن هذا يجب أن يمثل أولوية للدبلوماسية الأمريكية، لأنه يعد الأساس الصلب الوحيد لإجراء محادثات سلام مجدية. وقد قال أردوجان عن ميتشل إنه «واعٍ تماما، ولديه معرفة كاملة، وهو شخص إيجابى للغاية، كان تعيينه خطوة جيدة جدا». وقد حظى رئيس الوزراء التركى— الذى يترأس حزب العدالة والتنمية ذا الروح الإسلامية والنهج البراجماتى— بمكانة البطل فى العالم العربى، عندما انسحب خلال نقاش مع الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز فى مؤتمر دافوس فى وقت سابق من هذا العام. فهل ندم على ذلك؟ قال أردوجان « لو لم أفعل ذلك، لشعرت بعدم الاحترام تجاه نفسى، وتجاه آلاف الضحايا الذين مورست ضدهم القوة المفرطة. وأشار إلى الأطفال الذين قتلوا فى غزة –وعددهم 288 وفقا للمقرر الخاص للأمم المتحدة، وتساءل: «ماذا يمكننى أن أقول أكثر من ذلك؟». وحث أردوجان أوباما على أن يصبح «صوت الملايين من الصامتين وحامى ملايين الضعفاء، فهذا ما ينتظره الشرق الأوسط». ومضى قائلا: «أنا شخصيا أعتقد أن انتخاب باراك حسين أوباما له معنى رمزى عظيم. فهو اسم مسلم ومسيحى—ومن ثم فهو اسم مركب، على الرغم من أن الناس يرغبون فى تجاهل ذلك من وقت إلى آخر، وهو ما يتعمدونه». وأرى أن هذا التركيب كان جيدا للغاية. لكن فى ظل تشكيل حكومة إسرائيلية من اليمين، تضم وزير خارجية قوميا يعلن أنه «لو أردت السلام يجب أن تستعد للحرب» أصبحت احتمالات مد جسور جديدة للتواصل بين الغرب والعالم الإسلامى أبعد منالا. ويقول أردوجان: «يمكنك تحقيق أهدافك فقط على أساس من الأحلام. إذا أصبح باستطاعة كل إنسان أن ينظر لأوباما ويقول هذا واحد منا، أفلا يلائم ذلك الدولة التى تقود العالم؟». وإذا ما نحينا الأحلام جانبا، أعتقد أن أوباما يتوجه بشكل منهجى نحو تفكيك النموذج المانوى الذى كان يتبناه بوش—إما أنك معنا أو ضدنا فى الحرب الكونية للخير ضد الشر التى سُميت الحرب على الإرهاب—لأجل واقعية جديدة تركز على تطوير العلاقات مع العالم الإسلامى. وفى هذا السياق، جاءت الزيارة المبكرة إلى تركيا، والإيماءات الإيجابية تجاه إيران، وأشكال التقارب الأخرى. وسوف يؤدى ذلك إلى توترات فى العلاقة مع إسرائيل –التى تعمدت الخلط بين صراعها التاريخى مع الفلسطينيين وبين الحرب على الإرهاب—لكن تلك تعد نتيجة حتمية إذا ما قيمنا المصالح الأمريكية بطريقة عقلانية. وسألت أردوجان إذا ما كان هناك توافق بين الإسلام والحداثة. فأجاب «الإسلام ديانة. إنه ليس أيديولوجية. وبالنسبة للإنسان المسلم، لا يوجد شيء يجعله ضد الحداثة. لماذا لا يكون المسلم إنسانا محدثا؟ أنا كمسلم، أؤدى كل فروض ديانتى، وأعيش فى دولة ديمقراطية اجتماعية. هل يمكن أن توجد صعوبات؟ نعم. لكنها سوف تُحل فى النهاية مادامت هناك ثقة متبادلة». وبالطبع تتمثل المشكلة فى أن الإسلام قد انتشر كأيديولوجية فى ظل الحملة التى تشنها منظمة القاعدة، القائمة على القتل ومعاداة الحداثة، والداعية إلى الموت للغرب. لكن أردوجان على حق؛ ذلك أن الإسلام هو دين من أعظم الديانات فى العالم. ويتوجه أوباما نحو تأكيد هذه الحقيقة، ومن ثم يرأب صدع أخطر الانقسامات فى العالم، والتى تحتل أهمية استراتيجية كبرى. إن التركيب يبدأ بالتفاهم، وهو الأمر الذى لم يهتم به أبدا سلف أوباما.