صدور حكمين نهائيين من المحكمة الإدارية العليا، قبل أيام، بإلزام البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بإصدار تصاريح زواج للمطلقين من الأقباط، أعاد الجدل من جديد لقضية الزواج والطلاق عند الكنيسة، حيث تمنع الدولة المواطن القبطى من إشهار عقد زواجه فى وزارة العدل دون موافقة كاهن من حاملى دفاتر الزواج الرسمية، خلافا لما منحه المشرع للمواطن المسلم، حال رغبته فى الزواج مدنيا، حيث يسمح القانون بإنابة محام لتوثيق عقد الزواج مدنيا، مثلما يقبل بإنابة المأذون الشرعى فى ذلك. والحكمان الصادران عن القضاء الإدارى قبل أيام، لا يمثلان سابقة من نوعهما، فهناك عدة أحكام مماثلة صدرت خلال السنوات الخمس الماضية، ولم تنفذها الكنيسة، قد يكون أشهرها الحكم الصادر للمواطن عاطف كيرلس فى نهاية مارس 2008 بأحقيته فى الحصول على تصريح زواج ثان، وإلزام الكنيسة باستصدار التصريح. لكن تصريحات البابا، التى طالب خلالها الدولة بالنظر إلى الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وما تبعها من مطالبة القس الدكتور إكرام لمعى المتحدث باسم الكنيسة الإنجيلية للقضاء بإتاحة الزواج المدنى للأقباط بدلا من محاولة إلزام البابا بتزويج الأقباط رغما عنه، أضافت جميعها بعدا جديدا للقضية يتعلق بدور الدولة المدنية فى حماية الحرية الشخصية لمواطنيها. من جهته طالب كمال زاخر، مؤسس التيار العلمانى القبطى، الدولة باعتماد آليات تسمح بالزواج المدنى بين الزوجين متحدى الملة والجنسية، دون أن يكون مسئول التوثيق عنهما كاهنا، كما هو معمول به الآن قانونا، على أن تعترف الكنيسة بأبناء الزواج فى حالة قبولهما للإيمان القبطى الأرثوذكسى. وأضاف: «لا يسمح القانون الآن للزوجين للمسيحيين المصريين، بتوثيق عقود زواجهما من خلال المحامى، كما هو الحال للمصريين المسلمين، ويشترط أن يكون الموثق القانونى لعقود زواج المسيحيين المصريين كاهن من حاملى دفاتر وزارة العدل، وعليه فإن الحل الوحيد لراغبى الزواج المدنى من المسيحيين، إما أن يحصل أحدهما على جنسية أخرى، وبالتالى يحق له قانونا أن يوثق عقد زواجه بوصفه مواطنا أجنبيا، أو أن يغير أحدهما ملته، وفى هذه الحالة يمكن أن يقوم أى محامى بدور الموثق، حيث يعتمد القانون المصرى قواعد الزواج العامة فى حالة عدم تطابق ملة الطرفين طالبى الزواج». وحول اعتراف الكنيسة بديانة الأبناء فى حالة الزواج المدنى، أكد زاخر أن الكنيسة ملزمة عقائديا بالاعتراف بديانة الأبناء وانضمامهم إليها بمجرد حصولهم على سر العماد (طقس دينى يعلن به الشخص قبوله للمسيحية). أما القس رفعت فكرى، سكرتير سنودس النيل الإنجيلى، فحذر من الانقياد وراء التفسير النصى للإنجيل، وقال: «نحن نحتاج إلى أن نفسر النص الدينى فى ضوء سياقه التاريخى لنعرف مع من كان يتكلم وماذا كان يقصد، فالسيد المسيح لم يكن مشرعا ولكنه وضع مبادئ عامة». وأضاف: «كلمة زنى فى اليونانية لها مصطلحان يفرقان بين زنى المتزوجة وزنى الفتاة، وفقا للغة اليونانية، والقضية ليست بهذه المباشرة، فالانقياد وراء التفسير النصى، دون النظر لمتغيرات الزمان والمكان قد يقودنا فى النهاية لما هو منصوص عليه فى لائحة السريان الأرثوذكس للطلاق من اعتبار زنى المرأة فقط هو المسبب للطلاق، نحن فى حاجة لإتاحة الزواج المدنى، حتى يعود الجدل حول الطلاق إلى داخل الكنيسة بوصفه قضية فقهية تحتاج إلى بحث مدقق». وتعتمد المحاكم المصرية اللائحة التى وضعها المجلس الملى العام فى 1938، واعتمدها المجمع المقدس فى ذلك الوقت، وتقر بتسعة أسباب للطلاق فى المسيحية، هى: خروج أحد الزوجين عن الدين المسيحى، وغياب أحد الزوجين خمس سنوات متوالية بحيث لا يعلم مقره، والحكم على احد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر، وإصابة أحد الزوجين بجنون مطبق أو بمرض معد يخشى منه على سلامة الآخر كما يجوز للزوجة أن تطلب الطلاق لإصابة زوجها بمرض العنة إذا مضى على إصابته به ثلاث سنوات وثبت أنه غير قابل للشفاء، وإذا اعتدى احد الزوجين على حياة الآخر أو اعتاد إيذاءه إيذاء جسيما يعرض صحته للخطر، وإذا ساء سلوك أحد الزوجين وفسدت أخلاقه وانغمس فى حياة الرذيلة ولم يجد معه لإصلاحه توبيخ الرئيس الدينى، وإذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر أو أخل بواجباته نحوه إخلالا جسيما مما أدى إلى استحكام النفور بينهما، أما السبب الأخير فهو تاريخى، فإذا ترهبن الزوجان أو ترهبن أحدهما برضاء الآخر. لكن الكنيسة تطالب باعتماد تعديل أجراه المجلس الملى، قبل توقفه، على اللائحة، ونشره كإعلان مدفوع الأجر فى الملحق اليومى الإعلانى للجريدة الرسمية، وهو قصر أسباب الطلاق على الزنى أو تغيير الديانة، وهى ذاتها الشروط التى اعتمدها البابا فى القرار رقم 7 لسنة واحد. كان الأنبا أرميا سكرتير البابا قد قال فى تصريحات صحفية مؤخرا: «نحن نحترم القضاء المصرى، لكن لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تجبر الكنيسة على مخالفة تعاليم الكتاب المقدس والقوانين الكنسية»، مشددا على أن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان»، فى إشارة إلى آية الكتاب المقدس التى تشير إلى الزواج بوصفه رباطا مقدسا يقيمه الله بين الزوج والزوجة. وهو ما أكده البابا فى عظته الأخيرة بالإسكندرية.