إذا كان عليك أن تختار ما بين أن تأخذ 20 رغيفا من الخبز المدعوم أو أن تعطيك الحكومة بدلا منها جنيها واحدا، فأيهما تختار؟، كان هذا واحدا من الأسئلة المطروحة فى دراسة تحت المراجعة فى البنك الدولى، وجاءت الإجابة عنه بأن الجنيه الذى ستعطيه الحكومة للمواطن قد لا يُمكّنه بالضرورة من شراء نفس عدد أرغفة الخبز التى كان سيستفيد بها إذا ما أعطتها له الحكومة مباشرة، ولذلك فإن «الدعم السلعى يُعطى المواطن المصرى درجة من الرضا والسعادة أعلى منه فى حالة الدعم النقدى». وعليه فإذا قررت الحكومة إعادة هيكلة الدعم واستبدال السلعى بنقدى، فلا يمكنها أن تعطى الفرد نقدية مساوية تماما لقيمة السلع المدعومة، بل يجب أن تكون أكبر، بحسب التوصية الواردة فى الدراسة، التى توصلت أيضا إلى أن الهدر فى إنتاج وتوزيع الخبز فى مصر تراجع خلال الفترة الأخيرة بنسبة 7%. وتفاضل هانية شلقامى، الخبيرة فى برنامج الدعم النقدى المشروط، الذى تقوم من خلاله وزارة التضامن بتقديم مساعدات مالية مشروطة للأسر الفقيرة، بين أشكال الدعم بناء على الطرف الذى سيحصل عليه، فإذا تم استبدال الدعم السلعى بالنقدى وتم إعطاء المبالغ للأب، من الممكن أن «يأخذ مبالغ الدعم ويصرفها على شراء سجائر أو يجلس بها على القهوة»، بحسب تعبيرها. لذلك فمن الأفضل فى حالة أن يكون الدعم فى يد الأب أن تأخذه الأسرة فى صورة سلع. أما فى حالة ما إذا كانت الأم هى التى ستتسلم مبالغ الدعم، فسيكون وقتها الدعم النقدى أفضل من السلعى، باعتبار أن الأم «المسئولة والمتابعة لشئون أطفالها، وهى أكثر من يعرف احتياجات الأسرة، وبالتالى ستكون قادرة على تكييف هذه المبالغ بحسب متطلبات أسرتها، بما يحقق أقصى استفادة من الدعم»، من وجهة نظر شلقامى. ولعل هذا الاعتقاد هو ما جعل برنامج الدعم النقدى المشروط، المطبق حاليا فى عين الصيرة، وسيطبق على 32 قرية فى أسيوط وسوهاج فى سبتمبر المقبل، يشترط إعطاء مبالغ الدعم المخصصة له للأم وليس للأب. وبحسب هذا البرنامج، الذى يعتبر نموذجا جديدا للدعم تبنته الحكومة تحت اسم «منحة الأسرة»، تأخذ كل أسرة مُدرجة فيه مبلغا من المال (200 جنيه فى حالة عين الصيرة، و244 جنيها فى حالة الصعيد)، وإذا تم الاعتراف بهذه الأسر على أنها ضمانية (تأخذ معاشا من وزارة التضامن). سيكون من حق كل طفل من أطفال الأسرة الحصول على مبلغ 40 جنيها كمنحة دراسية، وهو المبلغ المقرر فى قانون الطفل المصرى. ويستمر هذا الدعم المالى لمدة عامين، وهى مدة تعاقد البرنامج، قد يتجدد بعدها الدعم لمدة عامين آخرين. وفى المقابل فإن الأسرة تتعهد بتنفيذ عدد من الالتزامات، والمتمثلة فى حضور اجتماعات البرنامج التى يتم فيها تبادل خبرات الأسر، والالتزام بعمل كشف طبى كامل للأسرة مرتين سنويا فى مستشفيات التأمين الصحى، وأن يحضر أطفال الأسرة على الأقل 85% من الساعات الدراسية المقررة لهم، بالإضافة إلى حضورهم برنامج ما بعد المدرسة الذى تنظمه الوزارة 3 أيام أسبوعيا. 200 جنيه شهريا لا تعول أسرة «لا يمكن أن يكون برنامج الدعم النقدى المشروط بديلا عن الدعم السلعى، فلا يوجد أى احتمال أن تلجأ الحكومة لهذه الخطوة»، على حد تأكيد الخبيرة فى البرنامج، «فال200 أو ال244 جنيها لا تستطيع إعالة أسرة، لكنها تساعد، بجانب الدخل الأساسى وأشكال الدعم الأخرى المقدمة من الحكومة». ولعل هذا الأمر كان النقطة الإشكالية الأساسية مع البنك الدولى الذى كان يريد بشدة تمويل المشروع، إلا أنه كان يرى أن هذا البرنامج يجب أن يكون بديلا عن أشكال الدعم الأخرى التى تقدمها الحكومة، وأنه يمكن توجيه أموال هذا الدعم إلى مشروعات إنتاجية، فأفضل طريقة لخفض معدلات الفقر، من وجهة نظرهم، تتمثل فى رفع معدلات النمو الاقتصادى. إلا أنه بخلاف أن مبالغ البرنامج تغطى فقط جزءا من احتياجات الأسرة، فإنه يخدم الأسر التى تعيش فى فقر مدقع فقط، وبالتالى إذا قامت الحكومة برفع الدعم، واستبداله بهذا البرنامج، فهناك العديد من الأسر المتوسطة القريبة من خط الفقر سوف تضر بشكل كبير، كما قالت شلقامى، وعليه يجب أن «تبقى البرامج متوازية»، على حد تعبيرها. وتبعا للخبيرة، حتى تستطيع الحكومة إلغاء الدعم السلعى، فإنها يجب أن تتبنى فى المقابل عدة برامج بديلة فى نفس الوقت، منها زيادة الأجور، وإعطاء كوبونات للحصول على السلع على سبيل المثال أو تقديم دعم نقدى، «وهو ما يصعب تحقيقه». وتوضح شلقامى أن هناك نوعين من نظم الحماية الاجتماعية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، أولهما «المعاشات الضمانية» التى تتراوح ما بين 70 120 جنيها شهريا كحد أقصى، الذى ترى الخبيرة أنه «قليل جدا ولا يضمن حدا أدنى من مستوى المعيشة المقبول»، وهذا النوع من المعاشات له قواعد صارمة من حيث تحديد مستحقيه، وهو يستهدف الفرد وليس الأسرة، مثل الأرملة أو العاجز أو زوجة المسجون أو كبار السن، وغيرهم. والنوع الثانى يتمثل فى مساعدات غير دورية تقدمها الوزارة، يمكن أن تكون قرضا أو مساعدة مالية تعطيها دفعة واحدة، أو موتوسكيل، أو جاموسة للفلاحين، أو مشروع. وتختلف أسس استحقاق هذه المساعدات عن المعاشات الضمانية، فهى تقوم على أساس تدنى الدخل أو الحاجة الشديدة، «وبالرغم من أنها تتسم بمرونة أكبر، إلا أنها غير منضبطة وغير مستقرة، كما أنها أقل شفافية، فقواعد استحقاقها غير واضحة»، تبعا لشلقامى. ومن هنا جاءت فكرة برنامج الدعم النقدى المشروط «الذى يعتبر وسيلة لتنظيم هذا النوع من المساعدات وجعله أكثر فاعلية»، خصوصا أن «نظم الحماية الاجتماعية فى مصر تحتاج إلى دفعة قوية، فهى لا تصل إلى معظم الناس، وحتى إذا وصلت فلا تؤثر فى مستوى معيشتهم كما يجب أن يكون»، على حد قول شلقامى. المواطن المصرى يستحل أموال الحكومة ترى شلقامى أن المشكلة الأكبر ليست أن الدعم يصل لغير مستحقيه، ولكن أنه لا يكفى مستحقيه، معتبرة أن جزءا كبيرا من قضية تسرب الدعم تنبع من أن «نسبة كبيرة من المواطنين تستحل أموال الحكومة وتأخذها دون احتياج»، ومعطية مثالا بال63 مليون مواطن الذين يستفيدون من البطاقات التموينية، «هل من المعقول أن كل هؤلاء المواطنين فى حاجة إلى السلع المدعومة المتضمنة فى البطاقة، بالطبع لا، لكنهم يأخذونها لأنهم يعتقدون أن فلوس الحكومة حلال لأى شخص». وعدم وجود قياس أو متابعة لأثر إنفاق مبالغ الدعم عامل ساهم من تفاقم هذه المشكلة، «فالمواطن يأخذ الدعم ويستفيد به، ولا يدرى أى أحد بمدى استحقاق هذا المواطن له أو أثر ذلك على مستوى معيشته»، بحسب قول الخبيرة. وهذا ما دفع القائمين على برنامج الدعم النقدى المشروط ربط المساعدات المالية المتضمنة فيه بشروط محددة تلتزم بها الأسرة، «علشان الموضوع ما يبقاش فلوس بتتصرف كده وخلاص وماحدش عارف عنها حاجة»، على حد تبرير شلقامى.