منذ أصبح الإنترنت أحد أفضل الطرق لتواصل البشر وسد العديد من احتياجاتهم النفسية والإجتماعية والمعرفية ، ومنذ اكتشف أصحاب الأموال فيه مكاناً رائعاً للاستثمار حيث ملايين الناس يشغلونه جيئة وذهاباً في كل لحظة ، كان الدين أحد الموضوعات الأكثر أهمية التي أخذت مكانها مبكراً على الشبكة. وبعد الجيل الأول من المواقع ذات الطابع الديني ، سواء المواقع الرسمية للأشخاص والمؤسسات التي لها نشاط ديني ، أو المواقع الدعوية للديانات والمذاهب المختلفة ، ظهر منذ سنوات الجيل الثاني من تلك المواقع والتي تعتمد على نشاط مستخدميها بشكل رئيسي ، لتأخذ الشكل الإجتماعي تمشياً مع الطابع السائد الآن للإنترنت والذي أثبت المزيد من الفاعلية كمصدر للأموال من ناحية وكشكل أكثر جاذبية للناس من ناحية أخرى. فلو تكلمنا تحديداً عن الشبكات والمواقع الإجتماعية ، سنجد أن الشبكات الإجتماعية الأكبر مثل فيس بوك وماي سبيس تضم بالفعل نشاط ديني لا بأس به بين مستخدميها بأشكال عديدة ، حيث ينتمي مستخدمي تلك الشبكات إلى أكثر من 100 ألف ديانة وطائفة وعقيدة حسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ، ويتبادلون يومياً ملايين المجموعات والنقاشات والمواد الدينية. ولكن يوجد أكثر من سبب يجعل تلك المواقع الإجتماعية العملاقة غير كافية أو مناسبة تماماً لمن يشكل الدين حيزاً أساسياً من تفكيرهم. الإعلانات مثلاً التي قد تحتوي صوراً وعبارات لا تتفق مع بعض الديانات مثل الإسلام والمسيحية تشكل عامل طرد حقيقي لعشرات الآلاف من (المتدينين) من مواقع كتلك ، كذلك المضايقات والتجاوزات الجنسية من بعض المستخدمين ، والتي جعلت مواقع مثل فيس بوك وماي سبيس تلغي اشتراكات آلاف المستخدمين ممن قاموا بتلك الأفعال من خلالها.. أما الشبكات الإجتماعية والمواقع والمنتديات ذات الطابع الديني فهي تمنح أعضائها الكثير من الخصوصية والشعور بالإنتماء أكثر من غيرها لوجود عامل مشترك في قوة الدين بين أعضائها ، كما تعطي انطباعاً بالالتزام والأمان عن طريق المنع المسبق لكل ما يتعارض مع الدين وكذلك بالرقابة المستمرة سواء من إدارات تلك المواقع أو من المستخدمين أنفسهم. نظرة سريعة على هذه النوعية من المواقع الإجتماعية ذات الطابع الديني ترينا أنها تتنوع بين مواقع مغلقة تماماً على أتباع ديانة بعينها ويكون همها الرئيسي هو المواضيع المتعلقة بهذا الدين أو ذاك ، مثل الصلوات وتبادل المشورة والمواد الدينية المختلفة سمعية وبصرية ومكتوبة ، وبين مواقع أخرى أكثر انفتاحاً تضم أقساماً لديانات مختلفة ، أو أن يكون للموقع دين معين ولكنه يرحب بأتباع ديانات أخرى ويفتح المجال لتناول ما هو أكثر من الدين ولكن بما يتناسب مع القيم الدينية المعلنة للموقع ، ولكل تلك الأشكال علاقة لا ريب فيها بالطريقة التي ينوي كل موقع استخدامها لجني الأموال وهو ما يعرف في صناعة الإنترنت بال monetization. فالبعض يعتمد على الإعلانات أو تلقي الدعم من جهات متحمسة ، والبعض الآخر يركز على التجارة الإلكترونية وبيع بضائع تهم كثيراً أتباع هذه الديانة أو تلك. فالعديد من المواقع الإسلامية وبالذات في أوروبا والولايات المتحدة تركز على بيع الملابس الإسلامية أو الكتب وأجهزة تلاوة القرآن والطعام الحلال وغيرها ، وهو ما يلقى رواجاً حقيقياً بالنسبة لأقليات مسلمة لا تجد مثل تلك البضائع بسهولة في البلاد التي تعيش فيها ، ناهيك عن ربط تلك الجاليات ببعضها عن طريق الإنترنت. كذلك ازدهرت مواقع التعارف والزواج ذات الطابع الديني باعتبارها أكثر موثوقية خاصة الإسلامية منها مثل naseeb.com و Qiran.com وغيرها. في بلد مثل مصر قد لا يكون لموضوع المواقع الإجتماعية الدينية شأن كبير في الوقت الحالي ، فأتباع الديانات المختلفة في مصر لا يشعرون بالغربة كثيراً حيث الدين موجود في كل مكان ، كما أننا مجتمع وسطي بطبيعته والمجموعات الأكثر تشدداً مثل السلفيين أو الأقليات مثل البهائيين والشيعة وغيرهم يسلكون طرقاً يرونها أكثر فاعلية من الإنترنت في التواصل ولا تجد في مواقعهم هذا الطابع الإجتماعي بقدر الطابع المعرفي الموجود فيها ، وربما أيضاً لأن أحداً لم يدلهم على كيفية جني الأموال من مواقع كتلك كما يحدث في دول أخرى. شخصياً لا أجد بأساً في هذا النوع من المواقع وأراه يناسب ملايين الناس ويرضي احتياجهم للتواصل مع آخرين لهم نفس الاعتقاد والتفكير والثوابت ، وقد يساعد هذا على المزيد من التفهم والاستنارة بخصوص الدين وعلاقته بالحياة بين أبناء الدين الواحد أو حتى بين أبناء الديانات المختلفة ، ولكنها في الوقت نفسه قد تكون أداة فعالة لأصحاب المذاهب المتشددة للترويج لأفكارهم من ناحية وللمزيد من التقوقع والبعد عن المجتمع من ناحية أخرى. وأنتم ما رأيكم؟