غارات إسرائيلية جديدة تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت    الدوري الإيطالي، هاتريك تورام يقود إنتر ميلان للفوز على تورينو    مسلسل تيتا زوزو الحلقة 11، ريم تكشف لخالد أنها حبيبته الأولى وال AI يشعر زوزو بالونس    وزير الإسكان يتفقد أعمال تشطيب وحدات الأبراج الشاطئية ووحدات كمبوند "مزارين" بمدينة العلمين الجديدة    احمد حجازي غادر مصابا ... نيوم يفض شراكة الحزم على الصدارة في دوري يلو    بسبب ثمن هاتف.. عامل يطلق النار على آخر في الدقي    مصرع أمين شرطة سقط من قطار خلال سيره فى الدقهلية    أمين صندوق الأطباء للمحافظين: ما فائدة التصالح لعيادات وضعها مقنن من الأساس؟    المصري يستضيف احتفالية الجمعية المصرية للإعلام المرئي والمسموع احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر    مصرع شخص إثر حريق بشقة سكنية في الدقهلية    المصل واللقاح: موسم الخريف شهير بالعدوى التنفسية وأسوأ من فصل الشتاء    أسعار تذاكر القطارات القاهرة إسكندرية.. روسي وتالجو و VIP    5 أبراج تشبه شخصية «المفتش كرومبو».. هل أنت منهم؟    «سابع سما» أول فيلم يسرد حكاية «Top Gun المصري»    رمضان عبدالمعز: الاحتفال بنصر أكتوبر مهم لأنه أمر إلهي    «القاهرة الإخبارية»: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف مجموعة من المواطنين شمال غزة    القوات المسلحة تنظم المعرض ال17 للثقافات العسكرية "ذاكرة أكتوبر 2024"    أوكرانيا: روسيا أسطقت إحدى مقاتلاتها بطريق الخطأ    الأكثر ضراوة منذ حرب 1948.. كيف وثقت صحافة العالم حرب 6 أكتوبر قبل 51 عاماً؟    بسبب سيارات ذوي الهمم.. أكثر من 44 ألف بطاقة تكافل وكرامة مهددة بالسحب    الضحية جنوى.. هاتريك ريتيجي يعيد أتالانتا إلى طريق الانتصارات في الدوري الإيطالي    حدث في 8 ساعات| السيسي يترأس اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وفتح المتاحف العسكرية مجانًا    بطولات لا تُنسى.. "الأمير" يروي تفاصيل عملية التبة وإسقاط طائرات الفانتوم في أكتوبر 73 -صور    النائب العام يأمر بالتحقيق في واقعة نشر ديوان شعري يتضمن ازدراءً للأديان    حقيقة تحديث فيسبوك الجديد.. هل يرسل إشعارات لمن يزور حسابك؟    طبيب الزمالك يكشف موعد عودة الونش للتدريبات الجماعية    قبل إحيائه ب12 يومًا.. ريهام عبدالحكيم تشارك جمهورها اختيار أغاني حفل «الموسيقى العربية»    دعم غير مشروط لفلسطين ولبنان فى افتتاح مهرجان وهران للفيلم العربى ال 12    باحث سياسي: إسرائيل تُضرب في مقتل لأول مرة (فيديو)    بالأسماء.. حركة تنقلات رؤساء الوحدات المحلية ب الدقهلية    تأجيل محاكمة المتهم في قضية الهجوم الإرهابي على فندق الأهرامات    محافظ الغربية ووزير الرياضة يفتتحان الملعب المنجل بمركز شباب الفرستق    11.7 تريليون جنيه ودائع مصريين وزيادة 181% في حساباتهم بالبنوك مقارنةً بعام 2016.. «البنك المركزي» يفحص 3210 شكاوى وطلبات    إصابة 13 شخصًا فى حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    قبرص: وصول أول رحلة تُقِل مواطنين أستراليين من لبنان    رواتب تبدأ من 6500 جنيه.. رابط التقديم على فرص عمل في القاهرة والتخصصات المطلوبة    «الإفتاء» تنظم البرنامج التدريبي «التأهيل الفقهي» لمجموعة من علماء ماليزيا    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    إسرائيل تشن 5 غارات على ضاحية بيروت الجنوبية خلال الساعة الأخيرة    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 103 ملايين خدمة مجانية خلال 65 يوما    صندوق مصر السيادي على طاولة "النواب" الأثنين المقبل    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    رئيس الضرائب توضح تفاصيل جديدة بشأن إصدار فواتير إلكترونية    تناول الطعام في الوقت المناسب يقلل من الإصابة بمرض السكري    «ترامب» و«هاريس» يتنافسان لكسب أصوات العمال في الانتخابات الأمريكية    السد يعلن تفاصيل إصابة يوسف عطال.. ومدة غيابه    وزير البترول يناقش مع رئيس شركة توتال توسع أنشطتها الاستكشافية بمصر    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    شاهندة المغربي: استمتعت بأول قمة للسيدات.. وأتمنى قيادة مباراة الأهلي والزمالك للرجال    القبة الحديدية ومقلاع داوود.. أهم المعلومات عن منظومة الدفاع الإسرائيلية المستخدمة ضد إيران وحزب الله    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    إصابة 13 شخصا في انقلاب ميكروباص بطريق «كفر داوود السادات» بالمنوفية    طريقة عمل الكرواسون بالشيكولاتة، الوصفة الأصلية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    إطلاق مشروع رأس الحكمة.. بوادر الخير    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معاداة السامية.. وهويّات أخرى
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 07 - 2024

أخذ موضوع «معاداة السامية» حيزا واسعا من نقاشات الانتخابات البرلمانيّة فى فرنسا، بل ربما أكثر من البرامج الاقتصادية. واللافت هو استخدام الإعلام والأحزاب السياسية هذا الموضوع بغية توجيه التهمة إلى تجمّع الأحزاب اليسارية فى «الجبهة الشعبيّة الجديدة»، بل وأكثر بكثير من اليمين المتطرف وعلى رأسهم حزب «التجمع الوطنى» الذى نشأ فى كنف الاحتلال النازى. هذا بالرغم من التنازل الكبير الذى قدمه حزب «فرنسا الأبية» فى البرنامج اليسارى المشترك من زاوية إدانة «الأعمال الإرهابية» (والمقصود حماس) فى السابع من أكتوبر الماضى والمطالبة فقط بوقف إطلاق النار فى غزة، دون إدانة الاحتلال أو الاستيطان الإسرائيليين.
هكذا تمّت التغطية إعلاميا وسياسيا فى فرنسا على جريمة الإبادة الجماعيّة التى ما زالت ترتكب فى غزّة والضفّة وتحضير الطريق لحزب «التجمع الوطنى» لأغلبية برلمانية، مطلقة أو نسبيّة، ستأخذ فرنسا إلى المجهول. هذا فى الوقت الذى يثير فيه هذا الحزب، هو ووسائل الإعلام، إشكاليات على حَمَلِه جنسيتين فى البلاد دون ذكر الفرنسيين - الإسرائيليين الذين يقاتلون فى غزة وغيرها.
هنا لا بدّ من التساؤل عمن أوصل فرنسا، بلد إعلان حقوق الإنسان، إلى هذا الدرك؟ أليست الأحزاب السياسيّة التقليديّة السابقة ورؤساء الجمهوريّة الثلاثة الأخيرين، وكلهم أثاروا الجماهير ضد الأشخاص اللاجئين والمقيمين الأجانب من الجنوب، وألغوا السياسة وفككوا الأحزاب التقليدية وانخرطوا فى آليات تشبِه الآليات المتبعة فى الولايات المتحدة حيث أصحاب رأس المال ومجموعات الضغط (وبينها خاصة الموالية الإسرائيليّة)، وتحكّمهم بالإعلام بحيث أضحوا هم السلطة الفعلية؟
• • •
الإشكالية مطروحة بطريقة مشابهة فى بريطانيا. فرغم اكتساح حزب العمال للانتخابات الأخيرة مقابل المحافظين، انقسم حزب العمّال على خلفية تأييد نضالات أهل الجنوب، وخاصة القضية الفلسطينية. إلا أن التوزيع الانتخابى سمح لبعض المرشحين المستقلين الذين انفصلوا عن حزب العمّال بالفوز وحمل لواء الاعتراض على السياسات الحكومية، خاصة حول دعم إسرائيل وتسليحها. لكن هنا أيضا سيبقى هذا الصوت ضعيفا أمام استغلال «معاداة السامية» لكل من يندد بالجرائم الإسرائيلية أو بالتهجم على الأشخاص اللاجئين.
الوضع أسوأ فى الولايات المتحدة، حيث يتنافس المرشحان، كما مكوّنا مجلسى النواب والشيوخ على من يدعم إسرائيل وسياساتها بشكل أقوى. هذا بانتظار أن يُلقى رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى صدرت بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية والذى طالبته محكمة العدل الدولية بوقف الحرب، كلمته أمام المجلسين.. هكذا وبكل صلافة.
• • •
هذا الحشد «الغربى» وراء إسرائيل والجرائم التى يرتكبها قادتها وجيشها غير مسبوق. وما الذى يقابله على مستوى البلدان العربية والمجاورة لفلسطين؟ انقسام حول الموقف تجاه معاناة ومقاومة الشعب الفلسطينى، وتهجمات، هى أيضا غير مسبوقة، على الأشخاص اللاجئين والمقيمين.
هكذا لم تكتفِ بعض وسائل الإعلام فى الخليج العربى، بالوقوف «على مسافة واحدة» بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، بل باتت تروّج أنّ المشكلة تكمُن فى تصرّفات الفلسطينيين، أى فى مقاومتهم للاحتلال. والقول أن المقاومة هى المسئولة عن الإبادة التى يشهدها الفلسطينيّون والفلسطينيات، كمن يقول أن جيش التحرير الجزائرى هو المسئول عن أكثر من مليون شهيد بغية الحصول على الاستقلال من الاحتلال الاستيطانى. والمقصود هو كبح الأصوات التى تعتبر فى بلاد العرب أيضا بأن قضية فلسطين هى أيضا قضيتهم، وأن لا معنى لبعض الحريات الفردية وللرخاء النسبى المكتسبين حديثا دون حرية عامة. ولا معنى لمشاريع التعاون الاقتصادى الخلابة العابرة للبلدان دون حرية وسيادة الشعوب.
وفى حين برز التضامن الشعبى والإعلامى مع الشعب الفلسطينى واسعا فى تركيا، أثيرت فجأة إشكالية اللاجئين واللاجئات من سوريا لتخطف الأذهان. صحيح أن أعداد هؤلاء اللاجئين كبيرة، خاصّة فى المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد، ولكنهم ليسوا وحدهم، فهناك لاجئون أفغان ومن بلاد مختلفة فى آسيا. صحيح أن إشكالية هؤلاء اللاجئين ترتبط بالسياسات التركية منذ 2011 والتواجد العسكرى التركى، كما الأمريكى، على أراض خارجة عن إدارة الدولة السورية، ومصير هذه الأراضى وسكانها، وصحيح أيضا أن لا أفق أمام هذا الوضع سوى تسوية تركية - سورية تسمح بعودة آمنة وكريمة للاجئين واللاجئات، تسوية لا مفرّ منها مع تراجع حزب العدالة والتنمية الانتخابى أمام أحزاب تريد هذه التسوية بشكل أسرع.
بالمقابل هنا، كما فى الغرب، جاء استفزاز المشاعر على أساس «الأولوية الوطنية»، للمواطنين مقابل المهاجرين، «نحن» مقابل «الآخر»، ما بدّد كثيرا من مفاعيل التضامن الإنسانى الذى ظهر فى تركيا. والأسوأ أن انفلات التأثيرات الخارجية اللاعبة فى مشاعر السوريين المقيمين فى مناطق شمال غرب سوريا فاقمت الإشكالية. لكن يُمكِن التساؤل حقّا إذا كان هذا التفاقم سيوقف التسوية التركية - السورية أم سيخلق وضعا صعبا غير محتمَل على السوريين المقيمين فى تركيا أو فى مناطق الشمال؟
• • •
قد يبدو غريبا ربط هذه التطورات فى بلدان مختلفة. لكن دلالاتها هى صعود قومية شوفينية فى كثير من البلدان، بالضبط كما صعدت مثل هذه القوميّات الشوفينية بالتزامن مع أقسى فترات للاستعمار فى نهايات القرن التاسع عشر. قوميّات تتمّ إثارتها حسب الطلب داخل المراكز الاستعمارية للتغاضى عن المشاكل الاقتصادية ولحشد الجماهير فى المشروع الاستعمارى. وقوميات أخرى تثار حيث يُمكِن تفكيك الدول فى البلدان الأخرى، لتسهيل تقويض دولها. وقوميات أخرى تُحارَب بالدعاية والإعلام عبر إبراز إشكاليات هوياتها لتسهيل استعمارها. قوميات وهويات محفّزة وأخرى ممنوعة من الوجود.
هكذا يأتى ما يتم سماعه اليوم من خطابات مرشّحى حزب «التجمّع الوطنى» فى فرنسا من استعلاء بخصوص «قوميتهم» و«هويتهم» الفريدة مما يُذكّر بمرحلة ظنّها الجميع أنها تنتمى إلى مراحل زالت من تاريخ البشرية ومن تاريخ فرنسا. وما يتمّ سماعه من الوزراء الإسرائيليين حول الفلسطينيين غير مسبوق فى تطرفه. وكأنه تعويض عن أن القومية الإسرائيلية قومية مختلَقة. فى حين يُمنَع على الشعب الفلسطينى أن يجهر بقوميته. وينقسم الشعب السورى حول قوميّته. ويتشرذم العرب عمّا يجمعهم.
لعبة الاستعمار كانت دوما استنهاض هويّة المركز وميزاتها وإلغاء هوية الآخر وشرذمتها. ومقاومة الاستعمار قامت دوما على استنهاض الهوية الجامعة ونبذ الشرذمة، خاصة وأن كلفة مقاومة استعمار يملك القوة والمال والإعلام ومراكز أبحاث... كبيرة وقاسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.