توجد فى عدة شوارع هادئة بمدينة شيلد شمال إنجلترا، لمبات إضاءة تبدو مثل لمبات الغاز العادية، لكنها لا تضىء بحرق الغاز العادى، وإنما يأتى ضوءها من الغاز المنبعث من مياه الصرف الصحى التى تجرى تحتها. ولذلك، فهى من آثار الماضى، عندما كانت لمبات الغاز تضىء شوارعنا، كما أنها من علامات المستقبل عندما يعاد النظر فى الفضلات ومياه الصرف الصحى باعتبارها موردا وليست نفاية. وقد ظلت «مياه الصرف الصحى» دائما تلقى اعترافا بأنها تحتوى على قيمة ما. ففى عام 1860، عندما صارت نظم الصرف الصحى أمرا عاديا، قال رئيس بلدية يدعى ميكى لمجلة المزارع: «إذا أمكن إطلاع المزارع البريطانى على القيمة النقدية لبالوعاتنا بصورة مشرقة ومتألقة، سوف يتطلع إلى الثروة الهائلة ويبذل جهودا هائلة للحصول على الكنز». وكان ميكى يتحدث عن مواد التسميد المغذية الموجودة فى «فضلات» البشر، التى يعتقد أنها تعرضت للتدمير بسبب خلط البراز مع الماء. لكنه ربما كان يتحدث أيضا عن الطاقة المهدرة الكامنة فيها. وتحتوى الحمأة، وهى المواد الصلبة المتبقية بعد تنظيف المجارى فى المستودع، على قدر كبير من الوحدات الحرارية البريطانية (مقياس لطاقة الوقود)؛ وهى تحترق بفعالية وبصورة جيدة. وهناك جوانب أخرى لمعالجة مياه الصرف الصحى يمكن أيضا أن تولد طاقة: فتخزين المتعضيات اللاهوائية (حيث تتغذى البكتيريا على المكونات العضوية) ينتج غاز الميثان، الذى يمكن جمعه باستخدام التوربينات بين الحرارة والكهرباء. ويمكن استخدام البكتيريا من خلايا الوقود الميكروبية لتوليد الكهرباء من الصرف الصحى، بينما التحويل إلى غاز، وهى عملية تتم فى درجة حرارة عالية، يمكن أن تنتج غاز وقود جاهزا من الحمأة. وعندما يتعلق الأمر بتوليد الطاقة من معالجة مياه الصرف الصحى، يبدو ذلك كما لو أننا نتمتع بترف فى الاختيار. ثم، لنتأمل الأرقام، فمن بين 16 ألف محطة لمعالجة الصرف الصحى فى الولاياتالمتحدة، يكفى نحو ألف عملية (تنتج خمسة ملايين جالون يوميا) لتوليد طاقة رخيصة الثمن باستخدام تخزين المتعضيات اللاهوائية. غير أن نحو 544 عملية منها فحسب تستخدم المتعضيات اللاهوائية، من بينها 106 عمليات فحسب لا تفعل أكثر من أن تدفع الغاز المنتج إلى التوهج. وقد خلصت هيئة حماية الطاقة الأمريكية، فى تقريرها السنوى الصادر عام 2007، إلى أنه إذا قامت تلك المحطات البالغ عددها 544 بتوليد الطاقة من مجاريها، فسوف توفر 340 ميجاوات من الكهرباء (كافية لإنارة 340 ألف منزل)، وما يعادل 2.3 مليون طن من ثانى أكسيد الكربون الذى يمكن إنتاجه بالطرق التقليدية لتوليد الكهرباء. وتقول الهيئة الأمريكية لحماية الطاقة إنه فى محاولة لتقليل غازات الصوبات الزجاجية، فسوف يكون ذلك مساويا لزراعة 460 ألف فدان بالغابات أو سحب نحو 430 ألف سيارة من الطرق. والتحول الغازى، عملية قديمة مثلها مثل تخزين المتعضيات اللاهوائية. وقبل أن تصبح أنابيب الغاز هى القاعدة، كان المعتاد توفير لمبات غاز فى بعض البلدات الأمريكية أيضا. وكان من الممكن إجراء عملية التحول الحرارى عند درجات حرارة عالية فى سلة مهملات. لكن المرافق لم تكن حريصة على تطوير التكنولوجيا. ولم تتغير كثيرا عملية معالجة الصرف الصحى وهى بالأساس الترشيح والفصل والاستيعاب منذ أوائل التسعينيات، لأنها تطبق بنجاح. كما أن تجفيف الحمأة على نحو كاف لجعلها قابلة للحرق يتطلب أموالا وطاقة. وربما تستغرق المشروعات الرائدة عدة سنوات حتى تحقق عائدات مجزية، وهو ما قد يتعارض مع دورات الموازنة قصيرة الأجل. وهناك عوامل أخرى تغل أيدى الصناعة. فتنظيف مياه الصرف الصحى يستغرق قدرا كبيرا من الطاقة، وقد ارتفعت تكلفة الطاقة مع ارتفاع حرارة المناخ فى العالم. وتظهر مشروعات رائدة متناثرة كيف يمكن للاستثمار فى «النفايات» أن يدر عائدا: حيث تقوم الآن محطة مياه التايمز فى لندن بتوليد 14 فى المائة من الطاقة التى تحتاجها من حرق الحمأة أو غاز الميثان، فتوفر 23 مليون دولار سنويا من فواتير الكهرباء. ومن ناحية أخرى، لا يضر حرق الفضلات البشرية البيئة. ويعتبر استخلاص مورد من مياه الصرف الصحى طاقة متجددة، وهو أمر ذو مغزى: فإذا كان من غير المحتمل أن نتوقف عن إنتاج المواد الخام فى وقت قريب، فلماذا نواصل تجاهل مورد تتضح قيمته بجلاء، حتى فى الضوء الخافت للمبة تعمل بالغاز المستخلص من البالوعات؟ مؤلفة كتاب «الضرورة الكبرى: عالم الفضلات البشرية المسكوت عنه، وسبب أهميته». New York Times Syndication