في مكتبه الكائن بإحدى شقق عمارات وسط البلد القديمة، يتواجد محمد هاشم صاحب دار نشر "ميريت" دائما. يقول جاك شينكر مراسل صحيفة الجارديان البريطانية في مصر إنه على الرغم من أن دار ميريت صغيرة، عكس دور نشر كثيرة أخرى، إلا أن ميريت يزورها كتاب مصريين موهوبين يوميا، حيث تظهر بوضوح أعقاب السجائر أثناء المناقشات الأدبية , التي لا تنتهي ، بين الكتب المتراصة من الأرض إلى السقف. يقول محمد هاشم - 52 عاما- إنه يعرف إن دار "ميريت" لا تستطيع أن تنافس دور النشر الكبرى من حيث الأرباح المالية، لكن الدار لديها موجة جديدة موهوبة من الأدباء الشباب، ويضيف: "نعم نحن دار فقيرة ماديا، ومصادرنا محدودة، لكننا نمتلك المستقبل". يدلل شينكر على أهمية دار "ميريت" في إعادة تشكيل المشهد الثقافي في مصر، حيث استطاع هاشم خلال العشر سنوات الأخيرة أن ينشئ واحدة من أكثر دور النشر نجاحا وتميزا، وأن يجعل ل"ميريت" مكانا واضحا في ثقافة أمة تتفاخر بميراث كبير من مؤلفات نجيب محفوظ وطه حسين. حين رأى محمد هاشم الوضع الراكد للنشر في مصر منذ 12 عاما، قرر إنشاء دار "ميريت" التي استطاعت في وقت قصير أن تخرج للنور أسماء مصرية مميزة في عالم الأدب، منها دكتور علاء الأسواني صاحب رواية "عمارة يعقوبيان" التي صادرتها الحكومة مرتين، قبل أن تطبعها ميريت وتنشرها لتصبح أكثر الروايات العربية مبيعاً، وتتحول لفيلم مشهور بعدها. وأثبتت دار ميريت مؤخرا استعدادها للمخاطرة عن طريق نشر أعمال لكتاب غير معروفين، الأمر الذي أدى إلى ضخ دماء جديدة للأدب في مصر وكشف النقاب عن عالم كامل من الفئات المهمشة التي أضافت الكثير للمشهد الأدبي. ويعتقد حمدي أبو جليل الحائز على جائزة نجيب محفوظ الأدبية عام 2008 - ومؤلف رواية "الفاعل" التي يحكي فيها عن حياته كبدوي ارتحل من قريته ليعمل فاعلا في القاهرة- أن دار ميريت غيرت شكل الريادة الأدبية في مصر، فقد كان الرأي العام يرفض عادة الأدباء الجدد ما يدفعهم لنشر أعمالهم بشكل محدود وجودة فقيرة، ويوزعون نسخا منها على أصدقائهم بأنفسهم. وهو الأمر الذي غيرته "ميريت" كلية، حيث دعمت المؤلفين الشباب بشكل جيد، واستطاعت أن تخرج للنور أصوات أدبية جديدة. و يتفق أحمد العايدي - 36 عاما – مع أبو جليل، والعايدي هو صاحب الرواية الشهيرة "أن تكون عباس العبد" الصادرة عن دار ميريت، والتي وصف فيها التخبط الكامل التي أصبحت القاهرة ضحية له. يقول الكاتب إن الجيل الجديد من الأدباء لا يهتم كثيرا بعملية السرد مثل من سبقوه، بل يركز أكثر على الحقائق الفردية، والحياة اليومية للشخصيات المهمشة. ويضيف العايدي أنه لجأ لنشر روايته في دار ميريت لأنها تمنحه الحرية في أن يكتب كما يشاء، وبطريقته الخاصة. أما دكتورة سامية محرز، أستاذ الأدب في الجامعة الأمريكيةبالقاهرة فترى أن معظم المؤلفين الشباب يكتبون عن شريحة مجتمعية ينتمون إليها، بدلا من الكتابة عن شريحة يمثلونها فقط. وتدلل على ذلك بمثالين من الكتاب الشباب: هاني عبد المريد الذي ينحدر من حي منشية ناصر الذي يشتهر بتجميع القمامة، ومحمد صلاح العزب الذي أصدر كتابا بعنوان "كرسي قلاب"، على اسم نفس المقاعد التي توجد بكثرة في ميكروباصات القاهرة الفوضوية. إن العامل المحفز لظهور كل هؤلاء الكتاب هو التغير السريع والمربك للقاهرة، توسعها نحو الصحراء وإقامة تجمعات سكنية فيها منغلقة على ذاتها، وانتقال الطبقة المتوسطة العليا إليها، ما أدى إلى التقليل من فرص تحرر وعي الأمة الثقافي. يبقى التحدي بالنسبة لميريت وكتابها الشباب في التوزيع والدعاية. فهناك نحو 30% من المصريين يعانون من الأمية، وحسب بعض التقديرات يصل متوسط قراءة المواطن المصري حوالي ربع صفحة من الكتاب كل عام، ما يعني أن أي كتاب يمكن أن يحقق لقب الأكثر مبيعا إذا باع ألف نسخة فقط. لكن محمد هاشم يتطلع دائما للأفضل، ويقول: "في العام الذي بدأت ميريت فيه، نشرنا 5 كتب فقط، وكان حوالي 12 فرد فقط هم الذين يعرفوننا. أما الآن، فميريت تنشر نحو 600 كتاب سنويا، وهناك الآلاف المهتمين بإصداراتنا، ومن واجبي أن أحاول أكثر وأتوسع لتحقيق تقدم، حتى لو كان بطيئا". 3 مغامرات قامت بها دار "ميريت" وحققت نجاحا باهرا: أحمد العايدي: ألف العايدي رواية "أن تكون عباس العبد"، والتي تشبه عالم تشاك بالانويك المتشابك، وتصف جنون القاهرة المعاصرة. وقال عنها مترجم الرواية إلى الإنجليزية إنها لا تصف فقط رؤية كاتب، وإنما الحالة العقلية والنفسية لجيل بأكمله. منصورة عز الدين: نشرت لها دار ميريت رواية "متاهة مريم" عام 2004 وحققت نجاحا واسعا, فقد تناولت منصورة في روايتها صراع فتاة صغيرة للتمييز بين الواقع والخيال. واستطاعت روايتها الأخيرة "ما وراء الفردوس" أن تدخل القائمة القصيرة لجائزة "البوكر" العربية هذا العام. خالد البري: تناول خالد في كتابه حياته التي تحولت من مجرد مراهق من عائلة علمانية متوسطة، يحلم بالفتيات وبكرة القدم إلى تجربته داخل "الجماعة الإسلامية"، وهي مجموعة إسلامية عنيفة كانت تخطط للإطاحة بالحكومة المصرية عن طريق القيام بالعديد من أعمال العنف الوحشية خلال التسعينات. وقد تخلى خالد فيما بعد عن أفكار الجماعة وكتب مذكراته أثناء تلك الفترة في كتاب بعنوان "الدنيا أجمل من الجنة".