مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يتزايد الحديث في شبه الجزيرة الكورية عن احتمالات عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وأصبح السؤال الأهم المطروح على مائدة البحث في العاصمة الكورية الجنوبية سول هو "ماذا سيحدث إذا أعيد انتخاب ترامب؟" ويليه السؤال عما يعنيه هذا بالنسبة للتحالف الأمريكي الكوري الجنوبي؟ وما يعنيه بالنسبة للعلاقات الأمريكية –الكورية الشمالية؟ ويقول رالف كوسا الرئيس الفخري ورئيس برنامج الدعم العالمي للتنمية في منتدى المحيط الهادئ بهونولولو في تحليل نشره موقع مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إن محاولة التنبؤ بما يمكن أن يفعله أو يقوله دونالد ترامب هو عمل أحمق، لكن يمكن التنبؤ بما يمكن أن تفعله كوريا الشمالية. والسبب في ذلك أبسط مما قد يتخيله الكثيرون وهو أنه مهما كانت طبيعة تعامل إدارة ترامب الثانية مع بيونج يانج سواء بمد غصن الزيتون أو بقعقعة السلاح، فالمؤكد أن بينج يانج ستتجاهله لعدة أسباب. أول الأسباب التي أوردها كوسا الذي زار كوريا الجنوبية مؤخرا وتحدث مع مسؤولين وخبراء وكتاب كوريين جنوبيين هناك، هو أنه بعد أن أحرقه ترامب مرة أو اثنتين في ولايته الأولى، فلن يكون الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أون متحمسا لمحاولة التقارب معه مرة أخرى. والحقيقة أن كيم يونج أون حصل على أكثر ما أراده من ترامب وهو الشرعية الدولية. فلماذا يخاطر كيم بسحب البساط من تحت أقدامه مرة أخرى لمجرد التقاط صورة جديدة له مع ترامب؟ كيم يدرك تماما أن احتمالات حصوله على مساعدة غير مشروط من جانب ترامب في ولايته الثانية أو بايدن في ولايته الثانية أو أي رئيس أمريكي آخر أصبحت ضئيلة للآخر. كما أن كيم يونج أون غير مضطر للتجاوب مع ترامب إذا أعيد انتخابه، فنظرة عامة للتاريخ تقول إن كوريا الشمالية استطاعت المحافظة على بقائها لعقود من خلال تأليب راعييها الرئيسيين موسكووبكين ضد بعضهما البعض. فعندما انهار الاتحاد السوفيتي السابق، شعر جد كيم ثم والده بالقلق من الإفراط في التحالف مع الصين، وقررا اتخاذ مبادرات تجاه واشنطن وسول، وحققا نتائج متباينة. لكن روسيا عادت إلى المسرح الدولي مرة أخرى. وهي لم تعد فقط، وإنما أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لم يكن يحاول إخفاء ازدرائه لعائلة كيم الحاكمة في كوريا الشمالية، يقف على مدخل الكرملين لاستقبال كيم الثالث عندما زار موسكو. ولهذا يقول كيم بوضوح إنه لم يعد مهتما بإجراء محادثات سواء مع واشنطن أو سول أو حتى طوكيو، حيث يواصل رفض مبادرات رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا. ومن غير المحتمل أن يؤدي تغيير الإدارة الأمريكية إلى تغير في موقف الزعيم الكوري الشمالي. في الوقت نفسه من غير المحتمل أن تمارس بكين ولا موسكو ضغوطا على بيونج يانج للدخول في مفاوضات مع واشنطن أو سول. فكل من بكينوموسكو تريان أهمية لاستمرار التهديد الكوري الشمالي للتحالف الغربي حيث تواصل الأولى الضغط على تايوان والثانية تواصل حربها ضد أوكرانيا. ويقول كوسا إنه يتوقع أن تهتم بيونج يانج ومعها بكينوموسكو بالضرر الذي يمكن أن تلحقه إدارة ترامب بالعلاقات الأمريكية الكورية الجنوبية، أكثر من اهتمامها بتأثير هذه الإدارة على العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية. والسبب في ذلك من وجهة نظر كوسا أن الكثير من الأشياء التي تحدث عنها المرشح ترامب تجعل مؤيدي التحالف في سول وطوكيو وأيضا في واشنطن وأوروبا وأي مكان آخر تقريبا قلقين للغاية. لكن إذا كان يتعين الاستفادة من الماضي، يمكن القول إنه يجب التمييز بين ما كان ترامب يقوله، وما كانت إدارته تفعله أثناء وجوده في السلطة. فوثيقة الأمن القومي لإدارة الرئيس ترامب السابقة، والتي تحدد خطوط وإرشادات السياسة الخارجية الأمريكية كانت مماثلة بشكل ملحوظ لوثيقة الإدارة السابقة عليها والتاليه لها، عندما يتعلق الأمر بمناقشة التحالفات الأمريكية. و السبب في ذلك هو أنه في حين تتغير الأحزاب السياسية والخطاب السياسي والعبارات المستخدمة من إدارة إلى أخرى، فإنه نادرا ما تتغير مصالح الأمن القومي الأمريكية بصورة جذرية. كما أن أسلوب الرئيس ترامب في التفاوض كان مختلفا تماما عن أسلوب أغلب من شغلوا هذا المنصب في واشنطن، لكن المؤكد أن شبكة تحالفات الولاياتالمتحدة كأساس للسياسة الأمريكية لم تتغير كثيرا على مدى 75 عاما أو أكثر. وينهي رالف كوسا تحليله بالقول إن المرشح ترامب لم يكن أول مرشح رئاسي أمريكي يهدد بسحب القوات الأمريكية من شبه الجزيرة الكورية، وإنما الأمر يعود إلى الرئيس الأسبق جيمي كارتر الذي اكتشف كرئيس أن الكلام أسهل من الفعل. كما أن مثل هذه التهديدات كانت قبل صدور قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي للعام المالي 2024 الذي يضمن ألا يستطيع أي رئيس أمريكي في المستقبل اتخاذ قرار منفرد بسحب القوات الأمريكية من أوروبا أو آسيا دون موافقة الكونجرس.