يحتفل الدبلوماسيون المصريون كل عام فى الخامس عشر من مارس، بيوم الدبلوماسية المصرية، وجرى العرف، فى هذه المناسبة، باقتصاره على دعوة السيد وزير الخارجية لحفل استقبال وقور، يحضره وزراء الخارجية والسفراء السابقون، وبعض الإعلاميين، كما يتم عادة تكريم بعض السفراء الذين أنهوا الخدمة. وأقدر أن معظم إن لم يكن جميع العاملين فى السلك الدبلوماسى يطمحون دوما أن يكون الاحتفال بيومهم يتلاءم وقدر الإنجازات التاريخية الوطنية التى حققوها، خاصة فى العصر الحديث، باعتبارهم أحد أهم أدوات مصر فى تحقيق أهدافها الخارجية، وأمنها القومى الذى يبدأ من الخارج، بل وخطط التنمية القومية المتعلقة بالتعامل مع الخارج والتفاعل معه فى جميع المجالات، فضلا عن رعاية مصالح مواطناتها ومواطنيها فى الخارج. وإذا نظرنا إلى تاريخ 15 مارس، الذى يعتبر يوما للدبلوماسية المصرية، لوجدنا أنه لا يعكس أى ذكرى لإنجاز كبير للدبلوماسيين المصريين، يستوجب تسليط الضوء عليه، والاهتمام به رسميا وإعلاميا وشعبيا، وقد يكون من الأنسب تغييره، والتوافق على تاريخ آخر بدلا منه، فلماذا؟ سنجد بداية أن هذا التاريخ قد استلهم الحدث التاريخى المهم الذى وقع فى 15 مارس عام 1922، حينما أعلن فؤاد الأول استقلال مصر بناء على تصريح 28 فبراير 1922 البريطانى، الذى أنهى من الناحية القانونية ومن طرف واحد، الحماية البريطانية على مصر، كما أعلن فؤاد الأول تحول مصر من سلطنة تابعة للباب العالى إلى مملكة، حيث نصب نفسه ملكا على مصر، والتى أصبح من حقها إرسال مبعوثين دبلوماسيين إلى الخارج، كأحد مظاهر ممارسة السيادة والاستقلال الوطنى، وبالتالى بدأ عصر عودة إنشاء وزارة الخارجية المصرية فى القرن العشرين، ومن هنا جاء تقليد الاحتفال بيوم الدبلوماسية المصرية منذ ذلك التاريخ وإلى الآن. ولى عدة ملاحظات على استلهام هذا التاريخ هى: أولا، إن 15 مارس 1922، هو بلا شك، مناسبة وطنية مهمة فى تاريخ مصر، وحراك شعبها ونضاله للحصول على الاستقلال، وكان فى واقع الأمر، نتاجا لثورة الشعب المصرى فى عام 1919، ولكنه لا يعكس فى حد ذاته أى انجاز متفرد للدبلوماسيين المصريين، فالمؤسسات الوطنية من الأفضل لها أن تحتفى وتعتز بإنجازاتها، وليس فقط مجرد نشأتها. ثانيا، إن الاستقلال الذى تحقق محل جدل، باعتباره لم يكن استقلالا كاملا، بل منقوصا، حيث ظلت بعض القوات البريطانية فى منطقة قناة السويس، ومن ثم استمر النفوذ البريطانى فى مصر. ثالثا، إن هذا التاريخ هو مناسبة من العهد الملكى، ونحن نعيش فى عهد جمهورى منذ ثورة 1952 وإلى الآن، وهى التى حققت الجلاء الكامل للقوات البريطانية. رابعا، كان مفهوما أن يرتبط تاريخ 15 مارس، خلال العقود الماضية، بيوم للدبلوماسية المصرية باعتباره مناسبة بداية إرسال مبعوثين دبلوماسيين إلى الخارج، ولكن جرت أحداث كثيرة خلال العقود والسنوات الماضية حقق فيها الدبلوماسيون إنجازات ضخمة، على مستوى المصالح الوطنية العليا، ولا يتسع المجال لذكرها تفصيلا. بل إن الدبلوماسيين المصريين سقط منهم شهداء وهم يؤدون واجباتهم الوطنية، ومن بينهم السفير كمال الدين صلاح الذى استشهد فى الصومال سنة 1957، كما استشهد السفير إيهاب الشريف بعد اختطافه من مجموعة إرهابية فى العراق عام 2005، واستشهد مجموعة أخرى من الدبلوماسيين من بينهم الزميل الراحل نمير أحمدين فى التفجير الإرهابى ضد السفارة المصرية فى باكستان عام 1995، وزميل إدارى فى السودان فى أبريل 2023. يأتى على رأس هذه الإنجازات فى العصر الحديث، ما قاموا به فى إطار التمهيد الدبلوماسى قبيل حرب أكتوبر المجيدة، ثم دورهم بعد الحرب فى إطار التفاوض وتوقيع إطار كامب ديفيد واتفاق السلام، ثم كانت قمة الإنجاز والجهد الجهيد، وربما أكثر معارك الدبلوماسيين المصريين أهمية فى العصر الحديث، هو الإنجاز الذى تحقق بالانتصار فى قضية طابا، بحكم محكمة التحكيم، التى أقرت عودة طابا إلى التراب الوطنى، وقيادة منظومة بل وملحمة متكاملة استمرت نحو سبع سنوات، بداية من تلكؤ إسرائيل فى الانسحاب من طابا عام 1982، مرورا بالتفاوض حتى تم توقيع مشارطة التحكيم فى 1986 وتشكيل المحكمة، ثم الترافع أمامها، وتقديم الوثائق وفق خطة عمل محكمة، إلى أن صدر الحكم بتاريخ 29 سبتمبر 1988، وقد تم تنفيذه وانسحبت إسرائيل من طابا، ورفع عليها العلم المصرى فى 19 مارس 1989، وقد ضم فريق العمل ممثلين من خيرة عقول مصر، فى تخصصات مختلفة تاريخية، وجغرافية، وعسكرية، وقانونية بقيادة السفير الدكتور نبيل العربى، ولذلك فإننى أقترح أن يكون تاريخ صدور هذا الحكم، وهو التاسع والعشرون من سبتمبر 1988، بديلا عن تاريخ 15 مارس 1922، وأن يسمى يوم الدبلوماسيين المصريين، وليس يوم الدبلوماسية المصرية، حيث أن الدبلوماسية فى أحد تعريفاتها هى السياسة الخارجية، ولا أحد يحتفل بسياسة ما، كما آمل أن يدعو لهذا الاحتفال السيد رئيس الجمهورية، فسيادته هو الدبلوماسى الأول، والمختص الأول بتحديد توجهات السياسة الخارجية، كما آمل أن يقوم سيادته، فى هذه المناسبة، بمنح أوسمة لبعض الدبلوماسيين الذين قدموا إنجازات ملموسة، وذلك باقتراح من السيد وزير الخارجية.