وزير الأوقاف: عهد الرئيس السيسي عصر مثالي وذهبي للدعوة وعمارة المساجد    اطمأن على مستوى الأسئلة.. «نائب بنها» يتفقد الامتحانات بكلية العلوم    إسكان البرلمان توصي بتشكيل لجنة لمعاينة مشروع الصرف الصحي في الجيزة    وزير السياحة: الدولة خصصت إنفاقا عاما للمتحف المصري الكبير بأكثر من 1.5 مليار دولار    حزب الجيل يدين مجزرة مراكز النازحين في رفح الفلسطينية ويطالب بمحاسبة مجرمي الحرب    ملك إسبانيا يستقبل الرئيس الأوكراني في مطار باراخاس بمدريد    تشكيل بيراميدز لمواجهة الجونة بالدوري    محافظ القاهرة يتابع التقرير اليومي لأعمال امتحانات الدبلومات الفنية    في ذكرى ميلاد فاتن حمامة.. سر خروج ابنها من المدرسة    غدا.. انطلاق عروض برنامج السينما الإيطالية في القاهرة    سلطنة عُمان: الأفعال الإسرائيلية الشنيعة في غزة تستوجب تدخلًا دوليًّا رادعًا    «السياحة»: بدء الترويج لافتتاح النسخة الرابعة لحملة «مانحي أمل» بمصر | فيديو    غزل المحلة يعلن رحيل محمود عبد العزيز    انطلاق فعاليات الأسبوع الثقافي ل«الأوقاف».. «حق الجار والإحسان إليه»    وزير الإعلام البحرينى: العلاقات بين مصر والبحرين تتميز بخصوصية فريدة    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في الاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الأفريقي بكينيا    مياه الجيزة توضح أسباب الانقطاعات المتكررة عن هضبة الأهرام    سموحة يغلق ملف الدوري «مؤقتاً» ويستعد لمواجهة لافيينا فى كأس مصر غدًا    مجلس أمناء الحوار الوطني يجتمع السبت المقبل لمناقشة ملفات الأمن القومي    ضبط 6000 كيس مواد غذائية مجهول المصدر في العاشر من رمضان    متى عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024؟.. إجازة طويلة تنتظر الموظفين والطلاب    ننشر التعليمات السعودية لتنقل الحجاج بين المساكن والمسجد الحرام    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بطريق أسيوط الغربي    تأجيل محاكمة متهم بتقليد الأختام الحكومية لجلسة ل12 يونيو    العمل: انطلاق فعاليات أسبوع السلامة والصحة المهنية لمنشآت الجيزة    سعر جرام الذهب الآن فى مصر يسجل 3100 جنيه    عائشة بن أحمد عن قصف مخيمات رفح الفلسطينية: «نحن آسفون»    بالصور: ياسر سليمان يطرب جمهوره بأغاني محمد رشدي على مسرح الجمهورية    نانسي عجرم عن مجزرة رفح: نحتاج معجزة لتتحرك ضمائر حكام العالم    «الشيوخ» يناقش سياسة الحكومة بشأن حفظ مال الوقف وتنميته    «الداخلية»: تنظيم حملة للتبرع بالدم بقطاع الأمن المركزي    قافلة طبية جديدة لدعم المرضى غير القادرين بقرى ديرمواس    شريف العريان: لن أخوض انتخابات رئاسة اتحاد الخماسي الدورة المقبلة    فيلم «The Fall Guy» يحقق 132 مليون إيردات منذ طرحه    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال وضع طبقة الأساس لرصف طريق بشلا في الرياض    وزير الدفاع الإيطالي: إسرائيل تزرع كراهية ستؤثر على الأجيال القادمة    أكثر من ألفي شخص دفنوا أحياء جراء الانهيار الأرضي في بابوا غينيا الجديدة    القنوات الناقلة لمباراة الاتحاد والنصر في دوري روشن السعودي مع تردداتها    الرقابة الصحية توقع بروتوكول تعاون مع جامعة طنطا لمنح شهادة الاعتماد    قرارات جمهورية جديدة.. تخصيص 41 فدانا لإقامة مشروعات عمرانية بدمياط الأبرز    وزير الإسكان يعلن تفاصيل مشروعات تجديد أحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية    السيطرة على حريق داخل هايبر ماركت في قنا    وزير الكهرباء ل"اليوم السابع": كل مليم سيتم تحصيله يساهم فى إنهاء تخفيف الأحمال    الأمين العام المساعد للبحوث الإسلامية يوضح حكم تصوير الجنازات    البورصة المصرية، ارتفاع جماعي للمؤشرات بمستهل التعاملات    جامعة بنها تحصد المراكز الأولى فى مهرجان ابداع (صور)    للتعاون في مجال التدريب.. تفاصيل توقيع مذكرة تفاهم بين مركز التدريب الإقليمي وجامعة بنها -صور    وزير الصحة يدعو دول إقليم شرق المتوسط إلى دراسة أكثر تعمقا بشأن مفاوضات معاهدة الأوبئة    إسرائيل تأمر إسبانيا بوقف الخدمات القنصلية المقدّمة لفلسطينيي الضفة الغربية اعتبارا من 1 يونيو    موعد وقفة عرفات 2024 وأهمية صيام يوم عرفة    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة صاحب محل في العمرانية    ما هي كمية الكافيين الآمنة في اليوم؟    سيد معوض ينصح الأهلي برفع جودة المحترفين قبل كأس العالم 2025    هل حج الزوج من مال زوجته جائز؟.. دار الإفتاء تجيب (فيديو)    موقف جوارديولا من الرحيل عن مانشستر سيتي في الصيف    لطفي لبيب عن عودته للتمثيل: مين بيجيب ممثل نصه طاير مبيتحركش    كولر: لم أستطع الفوز على صنداونز.. لا أحب لقب "جدي".. والجماهير تطالبني بال13    أستاذ اقتصاد ل قصواء الخلالي: عدم التصنيف القانوني للوافدين يمثل عبئا على الاقتصاد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب فى غزة.. مرايا العجز الأوروبى
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 01 - 2024

أثبتت الحرب فى غزة بما لا يدع مجالا للشك أن أوروبا لا سياسة خارجية موحدة لها، وأن دولها الكبرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا لا تعدو أن تكون كيانات غير فاعلة وتابعة فيما خص منطقة الشرق الأوسط وصراعاتها المتراكمة.
• • •
غابت دبلوماسية الاتحاد الأوروبى مثلما غابت الدبلوماسية البريطانية عن جهود الوساطة بين إسرائيل وفلسطين إن لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب أو من أجل التوصل إلى هدن مؤقتة تحمى الأرواح والمنشآت العامة والخاصة. على مدار الأسابيع الأولى للحرب، لم يفعل الأوروبيون غير التوافد الكثيف على تل أبيب للتعبير عن التضامن الكامل مع الدولة العبرية ولإعلان تأييدهم الشامل للحرب فى غزة التى كان واضحا ما سترتبه من أوضاع إنسانية كارثية وما ستسقطه من ضحايا بالآلاف. وتجاوزت الحكومتان الألمانية والبريطانية الدعم المعنوى والدبلوماسى إلى تقديم الدعم العسكرى والمالى، بينما طالب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بتشكيل «تحالف دولى لقهر الإرهاب» فى غزة على غرار ما فعلته الدول الغربية لهزيمة داعش فى العراق وسوريا وسرعان ما تراجع عن الفكرة وصمتت عنها الدبلوماسية الفرنسية.
ومع تنامى الاحتجاجات الشعبية فى العواصم الأوروبية بسبب استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وحقائق الدماء والدمار والنزوح والجوع والعطش التى كانت تفرضها على أكثر من مليونى فلسطينى وفلسطينية فى القطاع وبسبب تواصل عنف المستوطنين المتطرفين فى الضفة الغربية، مع تنامى تلك الاحتجاجات اتجهت الحكومات الأوروبية إلى الضغط الأمنى على المواطنين والمقيمين ذوى الأصول الفلسطينية والعربية والإسلامية، وإلى المنع الإدارى لبعض التجمعات والتظاهرات تارة بالدفع بحضور أعلام ولافتات لحركة حماس المصنفة «إرهابية» وتارة باستدعاء «معاداة السامية» كاتهام مسبق وجاهز للتعميم على جميع الفلسطينيين والعرب والمسلمين من غير دليل. فى هذا السياق أيضا، اتسمت ممارسات الحكومات الألمانية والبريطانية والفرنسية بالتعسف الشديد، فى برلين بتعقب أمنى لا سند قانونيا له لأشخاص متعاطفين مع فلسطين، وفى لندن بتصريحات عنصرية لوزيرة داخلية اضطرت إلى الاستقالة، وفى باريس بشيطنة للحضور العربى والإسلامى ما لم يعلن تنصله من الحق الفلسطينى.
• • •
اختلف جذريا المشهد المجتمعى فى أوروبا عن نظيره فى الولايات المتحدة الأمريكية. فالأخيرة وإن انحازت سياسيا وعسكريا وماليا بالكامل لإسرائيل، إلا أن لا سلطاتها الفيدرالية ولا حكومات ولاياتها قيدت الاحتجاجات المناهضة للحرب التى نظمت فى عديد المواقع ولم تحدث بها ممارسات يمكن توصيفها كصنوف من التعقب الأمنى. بل إن ضغوط الأيام الأولى للحرب التى واجهها الأشخاص المتعاطفون مع قضية فلسطين فى الجامعات الأمريكية، إن كطلاب أو أعضاء هيئات تدريس، تراجعت تدريجيا على وقع تصاعد الانتقادات العلنية الموجهة إلى إسرائيل وشبهات تورطها فى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب فى غزة. وبينما طالت تلك الانتقادات عتبة غير مسبوقة بمناقشة مجلس الشيوخ الأمريكى لمقترح السيناتور، بيرنى ساندرز، المتعلق بفرض قيود على الدعم العسكرى والمالى المقدم للدولة العبرية بسبب الجرائم المرتكبة فى القطاع، فإن أوروبا لم تتحرك لا على مستوى حكوماتها ولا على مستوى برلماناتها فى اتجاهات مشابهة.
كذلك، وبعيدا عن تصريحات منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى وتصريحات وزير الخارجية البريطانى ديفيد كاميرون والرجلان لا يطرحان سوى مبادئ عامة، ابتعدت أوروبا عن جهود الوساطة والتفاوض بين إسرائيل وفلسطين وتركت الأمر لأطراف إقليمية مؤثرة كمصر وقطر ومعهما الولايات المتحدة. كانت الوساطة المصرية القطرية التى أنجزت الهدنة الأولى والوحيدة حتى الآن وأسفرت عن الصفقة التبادلية بين رهائن إسرائيل وأسرى فلسطين، كانت هذه الوساطة هى التى نجحت قبل الهدنة فى إخراج رعايا أوروبيين من غزة وتمكنت مع الهدنة من الإفراج عن بعض حملة الجنسيات الأوروبية من الرهائن الإسرائيليين (أى بعض مزدوجى الجنسية). ولم يجُب الشرق الأوسط بحثا عن فرص لتهدئة الأوضاع واحتواء الحرب فى غزة ومنع تمددها الإقليمى من الغربيين سوى بعض المسئولين الأمريكيين الذين توالى إرسال إدارة بايدن لهم من وزير الخارجية أنتونى بلينكن ومستشار الأمن القومى جيك سوليفان إلى مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز ووزير الدفاع لويد جيمس أوستن (قبل مرضه).
فقط فى سباقين محددين يرتبطان بخطر التمدد الإقليمى للحرب نشط بعض الأوروبيين، لبنان والمدخل الجنوبى للبحر الأحمر. فقد عبرت فرنسا أكثر من مرة عن قلقها من التصعيد العسكرى بين إسرائيل وحزب الله وأرسلت وزير خارجيتها إلى تل أبيب وبيروت لحث جميع الأطراف على ضبط النفس والبحث عن سبل دبلوماسية للاحتواء على نحو يسمح بعودة المهجرات والمهجرين الإسرائيليين إلى الشمال ويحمى المدنيات والمدنيين اللبنانيين فى الجنوب ويحمى كل لبنان من ضربات انتقامية مدمرة.
من جهة أخرى، شاركت أكثر من دولة أوروبية، من بينها ألمانيا، فى التحالف البحرى الدولى الذى شكلته الولايات المتحدة الأمريكية لحماية الملاحة الدولية فى البحر الأحمر على خلفية هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية ثم انضمت القوات البحرية والجوية البريطانية إلى القوات الأمريكية فى شن هجمات على مواقع الحوثيين فى اليمن بهدف الردع. كما اتجهت الدبلوماسيات الأوروبية صاحبة العلاقات الهادئة مع إيران، تحديدا دبلوماسيات باريس وبرلين وبدرجة أقل لندن، إلى مطالبة طهران بالضغط على القيادات الحوثية للتوقف عن مهاجمة السفن التى تمر فى البحر الأحمر والامتناع عن تهديد الملاحة البحرية فى ممر بالغ الأهمية للتجارة العالمية. وكان الأوروبيون هنا يفعلون ما طالبتهم به الولايات المتحدة، مثلما طالبت الأخيرة الصين بالضغط على إيران للسيطرة على وكيلها فى اليمن.
• • •
بعيدا عن الساحة اللبنانية والتطورات فى اليمن، لم يخرج الأوروبيون عن كمونهم فيما خص الحرب فى غزة وسجلوا بذلك تقزيم دولهم إما إلى كيانات غير فاعلة أو كيانات تابعة للولايات المتحدة. والحقيقة أن ذلك يمثل تحولا كبيرا فى السياسات الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية التى سبقت القارة العجوز إلى دعمها وإقرار حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير فى 1980 (إعلان البندقية)، وأتبعت ذلك بدبلوماسية سلام نشيطة فى أعقاب حرب تحرير الكويت 19901991 كما ظهر فى استضافة العاصمة الإسبانية مدريد لمؤتمر السلام، وفى إجراء الإسرائيليين والفلسطينيين لمفاوضات السلام اللاحقة فى العاصمة النرويجية أوسلو والتى أسفرت عن توقيع اتفاقيات سلام فى 1993، وفى الدور الهام الذى اضطلع به الأوروبيون فى اللجنة الرباعية الدولية التى عملت على الحيلولة دون انهيار مفاوضات الحل النهائى والتسوية السلمية على أساس حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين طوال النصف الثانى من التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة.
لم تعد أوروبا مأزومة فقط على صعيد تحولاتها السياسية والمجتمعية الداخلية التى تشهد صعودا حادا لليمين المتطرف وللتيارات العنصرية، بل أضحت عاجزة أيضا فى سياقات سياستها الخارجية التى اتجهت إلى التورط فى مواجهة خاسرة مع روسيا فى أوكرانيا، وها هى اليوم تتجاهل منطقة الشرق الأوسط وترتضى الانكماش إلى طرف هامشى فى جوارها المباشر فى شرق البحر المتوسط.
أستاذ علوم سياسية، بجامعة ستانفورد
الاقتباس:
لم يخرج الأوروبيون عن كمونهم فيما خص الحرب فى غزة وسجلوا بذلك تقزيم دولهم إما إلى كيانات غير فاعلة أو كيانات تابعة للولايات المتحدة. والحقيقة أن ذلك يمثل تحولا كبيرا فى السياسات الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية التى سبقت القارة العجوز إلى دعمها وإقرار حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.