طالب قضاة وقانونيون بإدخال تعديل تشريعى على قانون الأحوال المدنية لتحديد الجهة القضائية أو الدينية المختصة بإثبات الديانة الحالية للمواطن، لتتمكن المحاكم من الفصل فى قضايا التحول الدينى، وذلك على خلفية الحكم الذى أصدرته محكمة القضاء الإدارى برفض تغيير ديانة الطفلين المسيحيين ماريو وأندرو مدحت رمسيس فى أوراقهما الثبوتية من الإسلام إلى المسيحية. وأوضحت محكمة القضاء الإدارى فى حيثياتها أنه لا يوجد سند قانونى لإلزام وزارة الداخلية بتغيير بيانات الطفلين، لأن والدتهما لم تقدم حكما قضائيا يثبت أنهما يعتنقان المسيحية وليس الإسلام، وبالتالى فإن الوضع يبقى على ما هو عليه بتبعية الطفلين القاصرين لديانة والدهما الذى أسلم وانفصل عن زوجته وترك أسرته منذ 10 سنوات. وأوضحت مصادر قضائية رفيعة بمجلس الدولة أن المادة 46 من قانون الأحوال المدنية التى استند لها الحكم يعيبها قصور تشريعى كبير يتمثل فى عدم تحديد الجهة القضائية المختصة بإثبات الديانة الحالية للمواطن، حيث لا يواجه المسيحى المتحول إلى الإسلام صعوبة فى إثبات ديانته باستخراج شهادة من الأزهر الشريف وتقديمها إلى المحكمة لتغيير ديانته فى أوراقه الثبوتية، أما المسلم المتحول إلى المسيحية فيستحيل عليه إقناع المحكمة بتغيير ديانته لعدم اعتراف القانون ذاته بالشهادات المستخرجة من الكنائس، ويلزمه بالحصول على حكم إثبات من جهة قضائية لم يحددها القانون. وأشارت المصادر إلى أن الحكم الصادر العام الماضى برفض دعوى المتنصر ماهر المعتصم لتغيير ديانته من الإسلام إلى المسيحية، تصدى لهذه النقطة وناشد السلطة التشريعية بإدخال تشريع يحدد كيفية إثبات الديانة للمتحولين إلى المسيحية أو العائدين إليها، وإضافة هذا الاختصاص إلى إحدى الجهات القضائية القائمة، حتى يتسنى للقضاء الإدارى إصدار أحكام حاسمة فى هذا الشأن بصفته مراقبا لقرارات وزارة الداخلية بتغيير بيانات الأوراق الثبوتية. وأكدت المصادر أن هناك فرقا بين «إثبات الديانة» و«دعاوى تغيير الديانة» فالأمر الأول يتطلب معرفة العقيدة الحالية التى يعتنقها المواطن بغض النظر عما تذكره أوراقه الثبوتية، وهى مرحلة سابقة لإقامة دعاوى تغيير الديانة، والتى تزن فيها المحاكم مدى قانونية القرارات الإدارية بالإبقاء على بيانات الأوراق الثبوتية للمواطن أو تغييرها، حيث نظم قانون الأحوال المدنية «التغيير» فى المادة 47 المنظورة حاليا أمام المحكمة الدستورية العليا، بينما تجاهل المشرع تنظيم «الإثبات» فى المادة 46. لكن المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، يرى أن «إثبات ديانة المدعى الحالية» هو أمر مبدئى فى دعاوى «تغيير الديانة» يدخل ضمن إجراءات المرافعة والتحقق من الأوراق والمستندات أمام ذات المحكمة المختصة بتغيير الديانة وهى محكمة القضاء الإدارى، وأنه يتوجب على القاضى الإدارى أن يتحقق من ديانة المدعى قبل أن يفصل فى القضية من خلال الوسائل القانونية المتاحة أمامه كالمرافعة والمستندات، وأن يطلب شهادات من جهات دينية مختلفة حتى يتأكد بنفسه من ديانة المدعى الحالية. وأوضح الجمل أنه يجب قياس المسائل المعروضة على مجلس الدولة بميزان القانون فقط، وأنه فى ظل غياب تشريع يحدد الجهة القضائية المنوطة بإثبات ديانة المواطن وعدم الاعتراف بشهادات البطريركية المرقسية والطوائف المسيحية الأخرى، لا يمكن تغيير ديانة الطفلين ماريو وأندرو لارتباطهما بديانة وجنسية والدهما حتى يصلا إلى السن القانونية ويطلبا تغيير ديانتهما إلى المسيحية. وانتقد الجمل حكم محكمة النقض بأحقية والدة الطفلين فى حضانتهما دون والدهما، مؤكدا أنه يوجد تناقض بين ما استند إليه الحكم من «أحقية الأم الكتابية فى تربية أطفالها المسلمين حتى بلوغهم سن الخامسة عشرة» وبين القاعدة القانونية «التى تحظر ولاية غير المسلم على المسلم» لافتا إلى أن القضاء لا يستطيع فى كل الأحوال التغلب على العوار التشريعى والتناقض الواضح بين بعض النصوص القانونية. وفى ذات السياق، قال قاض بالمحكمة الإدارية العليا، رفض نشر اسمه، إن المحاكم تزخر بالقضايا التى يعوق القصور التشريعى الفصل فيها، وأن قضية التحول الدينى مازالت حديثة العهد أمام القضاء المصرى ولم يتم الفصل فى موضوع إحداها إلاّ فى قضية المتنصر ماهر المعتصم العام الماضى، بسبب عجزه عن تقديم مستندات رسمية تفيد اعتناقه المسيحية، ووجود تناقض بين أقواله والأوراق الرسمية التى لم يجحد صحتها على مدار عقود، موضحا أن المحكمة برئاسة المستشار حمدى ياسين عكاشة قد التفتت إلى وجود هذا القصور التشريعى فى عملية إثبات الديانة، ورغم ذلك لم تتدخل السلطة المختصة لعلاجه. بينما قال المحامى عادل رمضان، المسئول القانونى بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية المتضامنة مع الطفلين ماريو وأندرو، إن الاستناد إلى المادة 46 من قانون الأحوال المدنية سيكون أحد أوجه الطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، حيث لم تحدد المحكمة الجهة القضائية المختصة بإثبات الديانة وتركت الأمر للجنة المنبثقة من مصلحة الأحوال المدنية لدراسة طلب تغيير ديانة الطفلين. وأوضح رمضان أن القانون أغلق أبواب القضاء والجهات الدينية أمام راغبى التحول إلى المسيحية أو العائدين إليها، وأن محكمة القضاء الإدارى كانت تعمل اختصاصها فى تغيير الديانة حتى تمت إحالة المادة 47 من قانون الأحوال المدنية إلى المحكمة الدستورية العليا منذ عامين، ولم يتم الفصل فى دستوريتها حتى الآن، مؤكدا وجود حالات أخرى فى الأسر المسيحية مشابهة لماريو وأندرو عاجزة عن تغيير ديانتها بسبب الشروط القانونية