قصص متشابهة ودوافع واحدة جمعتها "الشروق" من العالقين أمام معبر رفح البري بشمال سيناء، الذين قررت الجهات المعنية تسهيل مهمة عودتهم لقطاع غزة بعد أكثر من 48 يوما من التواجد في الأراضي المصرية بسبب العدوان الإسرائيلي. ووسط الحقائب جلس العالقين ترقبا لدورهم في دخول بوابة المعبر، والجميع يحمل رجاء العودة لأرض الوطن رغم مخاطر الأوضاع في بلدانهم في غزة وخان يونس ورفح ودير البلح. وقفت الشابة الفلسطينية إسراء عبد القادر، من رفح فلسطين، بجانب عجلة نقل حقائب، لتحكي عن رحلة علاج أجرت خلالها عملية جراحية في إحدى مستشفيات الزقازيق بمحافظة الشرقية، حيث دخلت مصر في 26 سبتمبر الماضي، وخلال عودتها برفقة والدها إلى غزة، بدأت الحرب الإسرائيلية على القطاع، وبقيت عالقة في مدينة العريش بشمال سيناء لنحو شهرين ونصف. وتقول إنها تقف الآن على معبر رفح في طريق العودة إلى وطنها في رفح الذي يقع على مرمى حجر من المعبر: "مشاعري الآن مختلطة ما بين الحزن على من استشهدوا من عائلتي ومن صديقاتي وما بين الفرحة بالعودة إلى منطقتي لأنني اشتاق إلى كل شيء هناك الشارع والتراب والهواء وكل رفح وحشاني وما يوجعني أنني سأعود للإقامة لدى أقاربي بعد أن تعرض بيتنا للقصف ولم يعد له وجود على الأرض ومعه راحت ذكرياتي وغرفتي الخاصة وأشيائي التي اعتز بها ولكن لا بد من العودة رغم كل هذه المواجع". ويشارك بالحديث والدها عبد القادر العرجة من سكان رفح، حيث قال إنه غاب عن الوطن منذ شهرين ونصف ولكنه يعتبر هذه الفترة تساوي 20 عاما، وخاصة بعد بدء العدوان على غزة: "كنت اتألم في صمت وأبكي بدموع وأنا نائم تحت الغطاء وأرى أبناء عائلتي يصرخون تحت نيران الصواريخ التي تتساقط عليهم كالمطر، كل يوم كان يمر علي في العريش أشعر بالوجيعة وأنا أرى أشلاء أبناء وطني الأطفال والكبار وخاصة المسنين الرجال والنساء والشباب ومئات الآلاف من البيوت وهي تهوي وتتطاير حوائطها تحت قصف القنابل الارتجاجية وصواريخ الموت التي تهوي على رؤوس سكان غزة شمالا ووسطا وجنوبا". ويضيف العرجة "رغم الترحاب الشديد والجهود التي بذلتها مصر ممثلة في مديرية التضامن بشمال سيناء ومستشفى العريش وكل الجهات المعنية التي حملتنا على أكف الراحة وسعي الجميع لتوفير كل احتياجاتنا وشعورنا التام إننا نعيش وسط أخوتنا وأهلنا إلا أنه لا بد من الرحيل والعودة إلى الديار التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي إلا أننا نعود اليوم لبيتنا المقصوف وإلى من تبقوا من أهلي وعائلتي في مدينة رفح، وأولادي الذي اشتاق إليهم شوقا حد الوجع". متضللا بحقيبة من أشعة الشمس يحكي الحاج سعد حسين سلوت من منطقة بني سهيلا في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة: "اليوم أعود إلى بلدي التي اشتاق لها، بعد أن قضيت رحلة علاج بمستشفى فلسطين بالقاهرة وبعد أن قضيت نحو 50 يوما في مدينة العريش، رغم ما تشهده غزة وخاصة منطقتي في خان يونس". ويضيف الحاج سعد: "أنا راجع للوطن اللي اتولدت على أرضه وعشت تحت سماءه طول عمري من وأنا طفل حتى صار عمري 78 سنة"، مشيرا إلى أنه فقد من عائلته 13 شخصا استشهدوا خلال الغارات الإسرائيلية على مدينة خان يونس واختتم حديثة بجملته الموجعة: "بدي تعاود للدار والأرض بدي أشم ريحة البلاد واندفن تحت ترابها". وقالت الحاجة فاطمة من رفح فلسطين، إنها لا تشعر بطعم الطعام ولا الماء وتنام بأعين مفتوحة خلال الفترة التي قضتها بمساكن حي السبيل بالعريش، وهي تنتظر فتح معبر رفح والسماح العالقين بالعودة إلى الديار بقطاع غزة. وتحكي أنها كانت تقضي فترة علاج بالقاهرة وخلال العودة قامت الحرب وبقيت عالقة في مدينة العريش، وكانت الأيام تمر عليها وهي تبكي كل يوم شوقا إلى أبناءها في رفح وخوفا من أن يطالهم القصف الإسرائيلي وخاصة مع استهداف بيوت ومناطق عديدة قريبة من بيتها. وتابعت الحاجة فاطمة الحكي، أنها تقف الآن أمام المعبر بانتظار السماح لها بدخول المعبر، وكانت تتمنى لو أنها تمتلك أجنحة كالطيور لتحلق عاليا وتصل إلى بيتها سريعا "مشتاقة لكل شيء في غزة وراح أموت وأشوف ولادي وأحضنهم كلهم مع بعض وأبوس رؤوسهم وأيديهم وعيونهم وكل حتة فيهم.. وأتمنى أن الله يحييني ويكتب لي أن أشوفهم اليوم".