رئيس الوزراء يتفقد "المدرسة المصرية اليابانية -السلام 2" بحي عتاقة    وظائف خالية بشركة مياه القاهرة.. تعرف على الشروط وطريقة التقديم    رئيس الوزراء يسلم عددا من عقود الوحدات السكنية للمستفيدين من مشروع المبادرة الرئاسية لتطوير عواصم المحافظات والمدن الكبرى "داره" بالسويس.. مدبولى: توجيه من الرئيس بالإسراع فى تنفيذ منظومة التأمين الصحى الشامل    «المشاط» تبحث توسيع نطاق أعمال مؤسستي «IFC» و«MIGA» في مصر    مضاعفة نمو الدول العربية.. المدير التنفيذي بصندوق النقد يعلن أجندة أعماله    خلال أيام | المواعيد الجديدة لغلق المحال..وعقوبات تنتظر هؤلاء بسبب التوقيت الشتوي    مصر تحذر من التصعيد الراهن وتدين إجراءات تهديد أمن واستقرار المنطقة    حزب الله يعلن شن هجوم بمسيرات على قاعدة تل نوف الجوية فى تل أبيب    فيديو.. خبير سياسات دولية: إسرائيل تهول من نجاح الهجوم على إيران    انتخاب محمد اليماحى رئيسا جديدا للبرلمان العربى    موتسيبي يصل الغردقة لحضور نهائي كأس أمم أفريقيا للكرة الشاطئية    الشحات: السوبر هديتنا للجماهير بعد الهزيمة من الزمالك    أفشة: انضممت للأهلي لكتابة التاريخ.. والقطبان الأكبر في أفريقيا والوطن العربي    رئيس النادي المصري: نسعد بدعم محافظة بورسعيد لنا كإحدى القلاع الرياضية    صباح الكورة.. نبأ صادم في الأهلي قبل مواجهة العين الإماراتي والزمالك يقيد محمد عبد الشافي بعد تعافيه من الإصابة    تشكيل الهلال المتوقع لمواجهة التعاون في الدوري السعودي    ضبط 5 أطنان أغذية و2 طن علف مجهول المصدر وتحرير 259 محضرا تموينيا بالمنوفية    هيئة الأرصاد تحذر: فارق بين درجات الحرارة العظمى والصغرى يصل 10 درجات    سكك حديد مصر.. مواعيد قيام ووصول قطارات «بنها- الأقصر» (3 رحلات)    نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه القبلي: خروج جميع طالبات الأقصر من المستشفى وفتح تحقيق في الواقعة    القومي للحضارة يستقبل مسئولين رومانيين ويونانيين خلال زيارتهم لمصر    إطلاق البوستر التشويقي لفيلم "شبر ميا" بسوق مهرجان الجونة    ليزا بطلة مسلسل "هند والدكتور نعمان" تكشف تفاصيل اختفائها مع منى الشاذلى    محافظ القليوبية يعقد ورشة عمل مع مسئولي الجهاز القومي للتنسيق الحضاري    إعلام فلسطينى: 800 شهيد جراء هجمات الاحتلال على شمال غزة خلال 22 يوما    وزير الأوقاف: القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة التي أيد الله عز وجل بها نبيه    رئيس الوزراء: توجيه من الرئيس بالإسراع فى تنفيذ منظومة التأمين الصحى الشامل    110 آلاف خدمة صحية مجانية بمستشفيات المنيا ضمن "100 يوم صحة" خلال شهر    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 26-10-2024 قبل عمل البنوك    قبل كلاسيكو الليلة.. برشلونة أحد ضحايا مبابي المرعب    وزير الري يتابع تنفيذ مشروع إنشاء مجموعة قناطر ديروط الجديدة    تفاصيل طرح الوحدات السكنية الجديدة ضمن مبادرة "سكن لكل المصريين" 2024    الدفاع الجوي الإيراني يدعو الشعب إلى "التضامن والسلام"    تهجير المدنيين وصناعة أهداف دعائية.. لماذا يستهدف الاحتلال مستشفيات غزة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 26-10-2024 في المنيا    ضبط عنصر إجرامى بحوزته أسلحة نارية وذخائر في أسيوط    11 شخصًا.. ارتفاع عدد مصابي حادث تصادم سيارتين وتروسيكل بقنا (أسماء وصور)    مع تقلبات الطقس.. 7 أطعمة ترطب جسمك وتقوى مناعتك    محمد سامي يستعرض تجربة جامعة القاهرة في تنمية مواردها بحضور وزير التعليم العالي    وزيرة التنمية المحلية: تنفيذ 5 دورات تدريبية يستفيد منها 166 متدرباً    شرف لي.. تعليق محمد ثروت على حفل ليلة عبد الوهاب فى السعودية    مهيب عبدالهادي..جوميز يشعر بالغضب فى الزمالك لهذا السبب    لاستيلائهم على 21 عمود إنارة.. إحالة مسئولين بالوحدة المحلية بأبو النمرس للمحاكمة    هل تجب قراءة الفاتحة بعد الإمام في الصلاة الجهرية أم يجوز تركها؟    اليوم، احتفالية كبرى في ستاد العاصمة الجديدة بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    سعر الدولار اليوم السبت 26-10-2024.. ثبات العملة الأمريكية    كيف طورت القوات البحرية أسطولها لمواجهة التحديات الإقليمية؟    طريقة عمل كفتة داوود باشا، لغداء سريع التحضير    وكالة تسنيم الإيرانية: الأنباء عن مشاركة 100 طائرة إسرائيلية في الهجوم كاذبة تماما    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 687 ألفا و600 جندي منذ بدء العملية العسكرية    يقتل ابن عمه بسبب النزاع على قطعة أرض بمحافظة سوهاج    جامعة الأزهر: خروج طالبات الأقصر من المستشفى وتحقيق لكشف الملابسات    نسمة محجوب تكشف سر تعليمها في مدرسة ألمانية    الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي يناقش الوضع السياسى الراهن.. صور    حظك اليوم برج الحوت السبت 26 أكتوبر.. اغتنم الفرص    العدسات اللاصقة تصيب فتاة أمريكية بالعمى.. تحتاج لعملية بتكلفة 5000 دولار    وزير الأوقاف والمفتي ومحافظ السويس يشهدون احتفال المحافظة بالعيد القومي    مواقيت الصلاة .. اعرف موعد صلاة الجمعة والصلوات الخمس في جميع المحافظات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارزاى نموذجًا
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 04 - 2010

السياسة موضوع ثقيل الظل، ولكن حين يكون كارزاى وواشنطن طرفين فيها تصبح السياسة موضوعا خفيف الظل. يبدأ الموضوع باختيار وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA حميد كارزاى ليكون رئيسا فى كابول.
حميد ينتمى لعائلة يعمل أفرادها فى مهن كثيرة، منها الخدمات الغذائية والتجارة الشريفة وتجارة الأفيون والحشيش وأعمال البناء والتشييد والاستيلاء على أراضى الدولة وتنظيم الإتاوات وجمعها وإدارة مجالس محلية وأدوار الوساطة بين قوى الاحتلال والقبائل.
كان حميد رئيسا مطيعا نفذ تعليمات القادة والمبعوثين الأمريكيين طالما بقى الأمريكيون، وغيرهم من الغربيين، أوفياء له وحريصين على حماية مكانته ومكانه.
تقدم المرحلة برمتها، منذ بدأ الغزو الأمريكى لأفغانستان، تلخيصا وافيا لحالة كان الفكر السياسى فى الغرب والشرق يطلق على مثيلاتها تعبير «علاقة استعمارية». بل إن علاقة أفغانستان مع الغرب كما شرحتها كتب التاريخ والسجلات البريطانية كانت نموذجا بامتياز لحالة استعمارية تقليدية.
يكتب مثلا باتريك كوبيرن قبل أيام فى صحيفة الجارديان البريطانية عن مسيرة الولايات المتحدة العسكرية فى أفغانستان فيتنبأ لها بهزيمة حتمية استنادا إلى تاريخ أفغانستان مع القوى العظمى.
يقول إنه فى عام 330 قبل الميلاد انسحب الإسكندر المقدونى من أفغانستان منهزما، وفى عام 1842 انسحبت قوات الملكة فيكتوريا من أفغانستان منهزمة، وفى عام 1988 انسحبت القوات السوفييتية من أفغانستان منهزمة. كل من هذه القوى التى جاءت وانهزمت كان لها تبريرها الخاص ولم تستخدم أى منها كلمة الاستعمار هدفا أو سببا لغزوها أفغانستان.
وأمريكا ليست شذوذا عن القاعدة، حتى بعد أن مر على وجودها فى أفغانستان مدة اطول من المدة التى قضاها السوفييت. كلها، بدون استثناء، تدخلت فى أفغانستان فتورطت ثم زادت من عدة قواتها وعددها وصعدت عنفها لتغطى على انسحابها منهزمة.
وكلها بدون استثناء اختارت عميلا لها من بين كبار القوم والعائلات أو القبائل المهيمنة، ولا أستبعد أن يكون كل عميل من هؤلاء فعل مع القوة الاستعمارية، التى جندته وقامت بحمايته ما فعله كارزاى مؤخرا مع أمريكا حين قال: «أظن أن الأمريكيين موجودون هنا ليس بسبب طالبان ولكن لأسبابهم الخاصة».
لا أستبعد أن يكون نجيب الله قال إن السوفييت جاءوا لسبب آخر غير حماية النظام الشيوعى فى كابول. يقول كارزاى لزواره الأفغان أن مصالح بلاده لم تعد تتلاقى مع مصالح أمريكا، وقال لضيوف على وليمة غذاء فى قصره، إن الأمريكيين فى بلدنا لأنهم يريدون فرض الهيمنة علينا وعلى المنطقة بأسرها.
وعندما غضب الأمريكيون من حليفهم بعثوا إليه برسالة علنية يؤجلون فيها موعد زيارة رسمية كان يزمع القيام بها لواشنطن، وجاء رده لا يقل غيظا. إذ وجه الدعوة لخصم أمريكا اللدود أحمدى نجاد الرئيس الإيرانى ليزور أفغانستان زيارة رسمية. ومن القصر الرئاسى فى كابول ألقى نجاد خطابا قويا أدان فيه الوجود الأمريكى والتدخل فى شئون دول وسط آسيا.
جالبريث الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة فى أفغانستان يصف كارزاى بأنه رجل فقد توازنه وأنه انتهازى وتصرفاته السياسية توحى بأنه يدمن المخدرات وأنه فاسد فسادا عظيما.
آخرون فى القيادة العسكرية والسياسية لحلف الأطلسى يصفونه بأنه رجل سريع الغضب وعاطفى جدا ويتصرف بغرائزه، كثيرون يتفقون مع جالبريث ولكن لا يصرحون بأن كارزاى واقع معظم الوقت تحت تأثير ما يشمه من كوكايين وأنه لم يعد قادرا أو حتى مهتما بإخفاء أعراض هذا الشم على وجهه وعلى طريقته فى الحديث مع السياسيين الأجانب أو الجماهير.
ومع ثقتى فى أن وراء اتهامات الغربيين لكارزاى ما يبررها أو يدعمها إلا أننى أعتقد أن الرجل يحسب حساباته جيدا ويعرف تماما ما يريد وما يستطيع أن يحقق لنفسه وعائلته أولا ولجماعته الاثنية أى قبائل الباشتون ثانيا ولأفغانستان ثالثا.
فى فبراير من عام 1989 سافر إدوارد شفرنادزة، وكان وزيرا لخارجية الاتحاد السوفييتى، إلى إسلام آباد ليقنع بنازير بوتو وكانت فى ذلك الحين رئيسة لوزراء باكستان وقادة وكالة الاستخبارات الباكستانية ISI بالموافقة على اقتراح بإقامة شراكة فى الحكم فى كابول بين النظام الشيوعى الحاكم فيها والمجاهدين الأفغان الذين يحاربون وبنجاح متصاعد القوات السوفييتية.
كان هدف شيفرنادزة المعلن منع نشوب حرب أهلية بعد رحيل قوات الاتحاد السوفييتى، ولذلك عرض استعداد موسكو الموافقة على قيام حكومة مجاهدين فى كابول بشرط الالتزام بالتهدئة والاستقرار. فى ذلك الوقت كانت معظم التقديرات الاستخباراتية من KGB وCIA وISI تشير إلى أن نجيب الله الحاكم الشيوعى وعميل الاستعمار السوفييتى فى كابول، لن يمكث فى السلطة أكثر من أسابيع قليلة.
ومع ذلك فقد خيب أمل كل هؤلاء حين استمر فى الحكم مسيطرا على كابول لمدة ثلاث سنوات بعد مغادرة القوات السوفييتية، وانتهى حكمه على كل حال بنشوب الحرب الأهلية ولجوئه إلى مكتب الأمم المتحدة فى ابريل 1992.
نعرف الآن من وثائق ومذكرات نشرت عن حرب المجاهدين فى افغانستان بعد رحيل السوفييت أن المخابرات الباكستانية والأمريكية رفضت الاقتراح السوفييتى، الذى عرضه وزير خارجيتها لأنها كانت واثقة من أن القوات السوفييتية منيت بالهزيمة، وسترحل عاجلا ولأنها كانت متلذذة بطعم الدم السوفييتى وتريد مزيدا منه.
كتب مفكرون باكستانيون عن تلك الأيام مرددين حجم الخسارة التى تكبدتها، وما زالت تتكبدها، باكستان وأفغانستان والغرب عامة وبخاصة أمريكا نتيجة رفض المخابرات الباكستانية والأمريكية اقتراح شيفرنادزة ورغبة الأمريكيين تعظيم انتقامهم من روسيا وإذلالها على الصعيد الدولى.
يقول أحدهم إنه لو وافقت بوتو وأجهزة مخابراتها ومخابرات أمريكا على الاقتراح لما نشبت الحرب الأهلية الأفغانية ولما دمرت كابول ولما صعد الطالبان واكتسحوا معظم أقاليم أفغانستان وأخضعوها لحكمهم ولما جاءت «القاعدة» لتحتمى بالطالبان ولما وقع انفجار برجى التجارة فى نيويورك ولما جاءت أمريكا لتغزو أفغانستان وتتورط فيها وتقف بعد عشر سنوات عاجزة عن إيجاد مخرج مشرف لا يكشف حجم هزيمتها وفشل مشروعها الآسيوى والإسلامى.
يعرف كارزاى والقيادات الغربية هذه التفاصيل التاريخية ويعرفون أيضا كما قال ميليباند وزير خارجية بريطانيا أن «أى بديل لما نحن فيه بديل أسوأ» وأنه لا نصر محتملا فى الأفق المنظور. ويقول الجنرال مايكل فلين Michael Flynn قائد المخابرات العسكرية لحلف الناتو فى أفغانستان، «إن للطالبان حكومات ظل فى 33 مقاطعة أفغانية، من مجموع المقاطعات وعددها 34». الجنرال يضيف قائلا: «هم الآن الأقوى.. وبالتالى فهذا هو الوقت المناسب للتفاوض معهم»
يعرف كارزاى الذى يدعو قوات الأطلسى إلى الرحيل من أفغانستان أن أمريكا بدأت تنفذ معه سياسة سبق أن نفذتها فى الفيليبين، ولعلها تنفذها بالفعل مع مصر ودول أخرى. ففى الفيليبين أوقفت أمريكا المعونة، التى كانت قدمتها للرئيس ماركوس ليتولى بنفسه أو تحت إشرافه إنفاقها، ولم يمض وقت طويل على وقف المعونة إلا وسقط ماركوس، يعرف أيضا أن القيادة العسكرية للحلف صارت تعهد لقيادات الجيش الأفغانى مسئوليات إعادة الإعمار فى المقاطعات، وهدفها كما صار معروفا، إضعاف نفوذ الرئيس بين حكام الأقاليم.
وهو بالضبط ما تفعله حاليا القيادة الأمريكية فى مقاطعة هلمند بعد أن نجحت فى إخراح الطالبان من مراكز حيوية فيها، وبخاصة من مدينة «مارجا».
المؤكد بالنسبة لكارزاى وجماعته أن الجيش الأمريكى ينتقل تدريجيا إلى مرحلة «بناء الأمة» بعد أن خصصت الحكومة الأمريكية وحكومات الاتحاد الأوروبى أموالا طائلة لاعمار مناطق شديدة الفقر والتخلف فى أفغانستان، وهى المرحلة التى يطلق عليها خبراء فى أمريكا مرحلة جنى ثمار «النجاح الكارثى»، حين تتورط أمريكا فى عملية بناء أمة بكل ما تعنيه كلمة الكارثة من معانٍ.. وبكل ما يعرفه كارزاى عن طبائع القبائل والمجتمع الأفغانى.
الاحتلال غير راضٍ عن كارزاى، والشعب الأفغانى غير راض عن كارزاى. ومع ذلك كثيرون لا يحبذون الاستغناء عن الرجل بحجة أن البديل قد يكون أسوأ، أو بحجة أن غيابه يترك فراغا رهيبا، أو بحجة أن المرحلة تتطلب تواصل الاستقرار!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.