رفع الدعم تدريجيًا والطاقة المتجددة والضبعة.. مهام ضرورية على المكتب الوزير    أسعار الأضاحي 2024 في محافظة كفر الشيخ.. تجار يكشفون التفاصيل    محافظ القليوبية يتفقد منظومة النظافة والإشغالات في الخصوص وشبرا (تفاصيل)    «مصر للطيران» تسير 25 رحلة جوية لنقل الحجاج إلى الأراضي المقدسة غدا    وزير التعليم العالي: نعمل على تعزيز الأمن السيبراني لحماية بيانات الجامعات    إسرائيل.. توقعات بانسحاب جانتس السبت من حكومة الحرب    زاخاروفا: واشنطن لن تفلت من مسؤولية استهداف أوكرانيا لروسيا بأسلحة أمريكية    بايدن: حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 225 مليون دولار    الأمم المتحدة: شن هجمات على أهداف مدنية يجب أن يكون متناسبا    منسي يقود هجوم الزمالك في ودية البنك الأهلي    استبعاد كوبارسي مدافع برشلونة من قائمة إسبانيا في يورو 2024    توزيع هدايا وعيدية على الأطفال المتميزين بمسجد الميناء في الغردقة    تفاصيل العثور علي جثة فتاة عارية بالخليفة.. والخيانة كلمة السر    تطهير المجازر والسلخانات.. استعدادات صحة الإسماعيلية لعيد الأضحى    «التضامن» تكرم أبطال فيلم «رفعت عيني للسما» وتعلن التعاون معه    تعرف على موعد عزاء المخرج محمد لبيب    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح أفضل أعمال عشر ذي الحجة    القيادة الأمريكية تعلن نجاح إعادة إنشاء الرصيف البحرى المؤقت فى قطاع غزة    حسابات الرئيس    متحدث الأونروا ل"القاهرة الإخبارية": أكثر من 179 منشأة للوكالة دمرت فى غزة    توريد 605 ألف طن من الذهب الأصفر لشون وصوامع الشرقية    مصابة بمرض الباراسومنيا، سيدة تتسوق أثناء النوم    "البحوث الفنية" بالقوات المسلحة توقع بروتوكول مع أكاديمية تكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    أول تعليق من وسام أبو علي بعد ظهوره الأول مع منتخب فلسطين    تشييع جنازة نادر عدلى في العاشر من رمضان اليوم والعزاء بالمعادى غداً    بدء تلقى تظلمات الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ الأحد    أحكام الأضحية.. ما هو الأفضل: الغنم أم الاشتراك في بقرة أو جمل؟    مفتى السعودية يحذر من الحج دون تصريح    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية الشهر الجاري    حرمة الدماء والأموال في ضوء خطبة حجة الوداع، موضوع خطبة الجمعة القادمة    «التعليم العالي»: تحالف جامعات إقليم الدلتا يُطلق قافلة تنموية شاملة لمحافظة البحيرة    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    "الإفتاء": صيام هذه الأيام في شهر ذي الحجة حرام شرعا    ميسي يعترف: ذهبت إلى طبيب نفسي.. ولا أحب رؤيتي    الانتخابات الأوروبية.. هولندا تشهد صراع على السلطة بين اليمين المتطرف ويسار الوسط    عيد الأضحى- فئات ممنوعة من تناول الممبار    بعد تسجيل أول حالة وفاة به.. ماذا نعرف عن «H5N2» المتحور من إنفلونزا الطيور؟    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 7-6-2024 في محافظة الدقهلية    بعد غيابه عن الملاعب.. الحلفاوي يعلق على مشاركة الشناوي بمباراة بوركينا فاسو    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في موسم ليفربول    ضبط المتهمين بالشروع في قتل سائق وسرقة مركبته في كفر الشيخ    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. تعرف على أهم أعماله الفنية    إخماد حريق داخل محل فى حلوان دون إصابات    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    يونس: أعضاء قيد "الصحفيين" لم تحدد موعدًا لاستكمال تحت التمرين والمشتغلين    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    وزيرة الثقافة وسفير اليونان يشهدان «الباليه الوطني» في الأوبرا    علي عوف: متوسط زيادة أسعار الأدوية 25% بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الدائري بالقليوبية    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شجرة العيلة
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 10 - 2023

تستهويني الحكاوي عن شجرة العيلة، وأحب الاستماع إلى تفاصيل علاقات أجيالها ومشاعر الحب والغيرة بين أعضائها، وكلما كانت العيلة كبيرة وممتدّة وكثيرة العدد زاد اهتمامي بها لأن معها تزيد التفاصيل وتصبح لقطة الوطن والمجتمع والناس فيها أكثر وضوحًا ودلالةً. هكذا أحببتُ مسلسلات ليالي الحلمية ولن أعيش في جلباب أبي وبابا عبده وموضوع عائلي، وأحببتُ أيضًا مسلسل التاج (البريطاني) وعجِبتُ كيف يمكن أن يضحّي المرء بحريته ويصبح عبدًا للتقاليد مقابل أن يسكن قصرًا. ولعل من أمتع ساعاتي التي كنتُ أقضيها مع أمي تلك التي راحت تحكي لي فيها عن "أمّا" أو جدتها التي توّلت تربيتها مع عمها هي وإخوتها الثلاث بعد وفاة والديهم في سن مبكّرة. كانت الجدّة امرأة تجمع بين الحزم وطيبة القلب، لم تتعلّم، يخشاها الجميع ولذلك عندما تأمر ابنها- عم والدتي بأن يترفّق بطلاب الحقوق ويعطيهم في امتحان نهاية العام صفرين بدلًا من صفر واحد كان يهّز رأسه في وقار تام دلالة على السمع والطاعة. حكايات حكايات حكايات.
• • •
بدون ترتيب قادتني الصدفة إلى اللقاء مع بعض أفراد عائلة من العائلات الكبيرة إياها، عائلة وجدتُ في تفاصيل حياتها ما يثير ويدهش ويستحق أن يُروى. عائلة وقع كبيرها في حب "المَكَن" فأعطاها حياته لا بل أعطاها أيضًا حياة كل بناته وأبنائه على ما سوف نرى، وحقق نجاحًا مبهرًا في مجال عمله، وكل ما يُعمل بحب يُزهر حبًا. على الفور تقفز إلى الذاكرة صورة فؤاد المهندس أو المهندس شريف عاشق المَكَن في فيلم "عيلة زيزي" وهو يدور نصف استدارة ويرفع يده صائحًا "أيها الناس المكنة طلّعت قماش". وكبير العائلة في حكايتنا كان من هذا النوع، أحّب برّيمة حفر آبار البترول فوق ما يمكن لعقل أن يتصوّر، وأصبح رائدًا في الحفر المائل المُوجّه.. "يعني إيه الحفر المائل المُوجّه؟" سألتُ ابنته التي تعمل في نفس التخصّص، فردّت "يعني إزاي نقدر نوصّل للبير البعيد عن مكان الحفر". قلت "وتحفروا بعيد ليه أصلًا ما تحفروا عند البير نفسه؟". "بيكون المكان مش مجهّز إننا نحفر فيه بشكل رأسي.. ده حتى بابا هو اللي مَصّر الطريقة دي بعد ما كان الأمريكان بس هم اللي بيستخدموها.. طوّر فيها وابتكر وعنده براءات اختراع باسمه (31 براءة) وده ساعد على زيادة الكمية المستَخرجة من البترول وتقليل الوقت والجهد". هذا كلام كبير بل هذا كلام كبير جدًا، فالبترول يتحكّم في العالم، يصنع التقدم، يفجّر الحروب، يُستَخدَم في العقوبات.. حاولتُ بجهد معتبر أن أتواءم مع فكرة حُب بريمة حفر، فعلى المستوى الشخصي لا يوجد بيني وبين المكَن عَمار، فما بالك إن كانت المكنة برّيمة؟
• • •
قال المهندس حسين لزوجته إن أحلامه في الدنيا أربعة: أن تكون لديه شركة بترول كبيرة تحمل اسمه، وڤيلا لطيفة تطّل على البحر، وسيارة لاند كروزر، و12 ولد وبنت. حقّق حسين مع زوجته الأحلام الثلاثة الأولى لكنها لم تنجب له إلا عشرة فقط من الأبناء: أربعة من البنين وست من البنات بحيث صار يفصل بين البكرية وآخر العنقود 14 سنة بالتمام والكمال. ظلّ المهندس حسين على امتداد حياته يمازح أم العيال بأنها لم تكمل له الجزء الأخير من أحلامه، وعندما أخذَت ذات يوم على خاطرها من تكرار هذا المزاح الثقيل وطالبَته بأن يذهب ليكمل حلمه الأخير مع امرأة أخرى.. رجع خطوتين للخلف فورًا وردّ عليها "ماليش ذُريّة غير منك". رجل عصامي بنى نفسه بنفسه، وأقام أولى شركاته من ماله الخاص وسحب أولاده العشرة معه في نفس التخصص. هذه التفصيلة بالذات في حكاية المهندس حسين كانت من أكثر التفاصيل التي أثارت انتباهي، فأنا أفهم أن يؤثّر على ابنة أو ابن أو أكثر لكن أن يؤثّر على الكل جميعًا وبدون استثناء فكيف حصل ذلك؟ كان الأب يصطحب معه أولاده وهم أطفال إلى موقع الحفر وكأنه يشاور لهم على المستقبل ويرسم لهم البريمة على السبورة، وكل الأطفال يحبون الرسم، وهكذا تعرّف الأولاد على المكنة ثم اعتادوا عليها ثم اعتبروها مصدر رزق. من هنا كان طبيعيًا أن يختار الجميع الدراسة في القسم العلمي، وعندما شذّت واحدة وحوّلت أوراقها للقسم الأدبي لتكون بجوار أعزّ صديقاتها تكفّلت صفعة من الأب بتعديل مسارها وإعادة أوراقها إلى حيث كانت. ممممم صفعة؟ "نعم صفعة-ردّت ابنته- لأن القرار جاء بدون مشاورة الأب ولم يتكرر منه هذا السلوك أبدًا". ماشيتُ الابنة فيما قالت وكأن الأب كان سيسمح بتغيير المسار لو أُخذت مشورته قبل التغيير، لكن ماذا أكسب من تشكيك الابنة في نوايا أبيها وكل بنت بأبيها معجبة؟ ثم بيني وبينكم أحببتُ هذا الانبهار الذي لم يبارح عينيها وهي تتكلم عن أبيها فلديّ انبهار مثيل بأبي. كان يقوّي بناته ويعدّهن للمهمة الصعبة فالعمل في الصحراء شاق بامتياز وذكوري بامتياز وهو يريد أن يكسر هذه القاعدة، يقدّم لهن خبرة السنين وحكمة التجارب المتراكمة فيوصيهن بالوضوح التام والبعد عن العبارات الملتبسة حمّالة الأوجه، ويطلب منهن أن يبنين علاقة إنسانية مع العمال فبدونهم لا بريمة ولا حفر ولا بترول ولا يحزنون. لكن رغم علم الجميع بأنهن بنات المدير وأن لديهن المستقبل والامتداد إلا أن هذا لم يمنع من بعض المضايقات.. استخفاف بقدراتهن على تحمّل المسئولية على الأقل في البداية، لكن سرعان ما حُسم الأمر، وأخذت البنات وضعهن تمامًا من أول مهندسة الموقع وحتى المديرة المالية للشركة مرورًا بمسئولة المشروعات.
• • •
في داخل شخصية هذا الخبير النفطي الكبير بعض ملامح من شخصية "سي السيد"، فلا أحد يبدأ الطعام قبل أن يمد هو يده إليه، ومستحيل أن يرتفع صوتُ في حضوره أو حتى حين يكون موجودًا في الجوار، ومن المفهوم ألّا يبقى أحد جالسًا إن هلّ الأب من بعيد، ومن الطريف أن هذه العادة فرضَت نفسها بشكل تلقائي على جميع الأبناء حتى أن واحدة من البنات همّت بالانتفاض من الفراش وقد جاء الأب يزورها فور الولادة فاكتشَفت عمليًا أنها لن تستطيع.. إلى هذا الحدّ؟ نعم إلى هذا الحدّ. ومع ذلك فإن بعض چينات حسين تمردّت على شخصية "سي السيد" كما رسم تفاصيلها باقتدار أديب نوبل. فدع عنك بُعد المهندس حسين عن الانحراف السلوكي لسي السيد، فإن هذا الأخير كان ابن عصره ملتزم بأفكاره المغلقة ويؤمن بأن التعليم للولد والبيت للبنت، أما حسين فكان على النقيض من ذلك تمامًا.. لم يشجّع بناته فقط على التعليم والتفوّق، لكنه ترك لهن حرية الاختيار بين الدراسة الجامعية في مصر أو في الخارج.. فالمهم لديه هو نوع الشهادة وليس اسم الجامعة، ومَن يثق في قدرة بناته على العمل في الصحراء طبيعي أن يثق في قدرتهن على الدراسة في الخارج.
• • •
إنها حكاية شجرة عيلة بدأت باثنتي عشرة ورقةً: أب وأم وعشرة أولاد وبنات وتفرّعت أُسرًا وبيوتًا وأيضًا بترولًا وبرّيمات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.