يبدو أن ما كشفه مصدر أمنى ل«الشروق» يوم وصول البرادعى إلى القاهرة فى الزيارة الأولى فى 19 فبراير الماضى هو النهج الذى تسير عليه العلاقة بين الأمن والبرادعى حتى الآن. وقتها كشف المصدر أن وزارة الداخلية ستحشد آلاف الجنود للتعامل مع الجماهير التى بصدد التجمع لإعلان مناصرة البرادعى سواء عند عودته بدءا من المطار أو خلال أى نشاط أو تحرك يقوم به الرجل داخل البلاد. وأكد المصدر وقتها أيضا أن أجهزة الأمن لن تدخل فى «اشتباك مباشر» مع أنصار البرادعى إلا إذا فشلت فى تفريقهم بالأساليب «المعتادة» منها مثلا تنظيم مظاهرات مضادة لتجعل مناصرى الحزب الوطنى هم الذين يشتبكون مع أنصار البرادعى. وقد وصل البرادعى إلى القاهرة فى الزيارة الماضية ومر الأمر دون اشتباكات بين الأمن ومناصرى البرادعى رغم ما حدث من مضايقات وصفت بأنها «خفيفة»، منها تقييد تحركات الجماهير ومنعهم من الدخول إلى صالة وصول البرادعى بمطار القاهرة. لكن يبقى أن ما حدث كان أبسط مما توقعه الجميع، من حدوث حملة اعتقالات مبكرة لأنصار البرادعى. أعداد المصريين الذين ذهبوا إلى المطار لاستقبال البرادعى لم يكن هو المتوقع، على الأقل من وجهة نظر الأمن، ما جعل الأمر لا يمثل قلقا لأجهزة الأمن التى توقعت «أكثر من ذلك العدد بأضعاف مضاعفة» حسب ما أكد مصدر أمنى ل«الشروق». وقال المصدر الأمنى، الذى فضل عدم ذكر اسمه، إن مرور زيارة البرادعى الأولى دون حدوث القلق والزوبعة التى كانت متوقعة قبلها لم يجعل هناك اهتماما كبيرا من قبل أجهزة الأمن بالاستعداد لعودته فى المرة الثانية فى مصر، وأضاف «من الممكن أن كثيرا من مؤيدى البرادعى لم يذهبوا لاستقباله فى المرة الأولى خشية المضايقات الأمنية، لكن المؤكد أن فى المرة الثانية، البرادعى نفسه حرص على أنصاره وجعل عودته أمرا عاديا وطلب منهم عدم الحضور لاستقباله حرصا عليهم». هذه العلاقة المهادنة بين الأمن وأنصار البرادعى عكر صفوها ما تعرض له طبيب الفيوم طه عبدالتواب. وقال الطبيب إنه تعرض لتعذيب وضرب مبرح فى مكتب مباحث أمن الدولة بالفيوم على يد أحد الضباط بسبب تأييده للبرادعى. ودخل عبدالتواب فى إضراب مفتوح عن الطعام داخل مستشفى سنورس العام، وأثارت قضيته جدلا واسعا. وأصدر البرادعى بيانا من أجله يدين فيه تعامل الأمن مع أحد مؤيديه بهذا الشكل وأكد إصراره أن يكون أول مؤتمراته فى حملته للمطالبة بتعديل الدستور والترشح للرئاسة بمدينة الفيوم. وبعد إحالة النائب العام، الضابط إلى النيابة للتحقيق معه، حيث لاتزال التحقيقات جارية فى الواقعة، أكد الطبيب «شعوره بأنه حصل على حقه من الضابط، وقال ل«الشروق»: «كل ما يهمنى حاليا هو تعديل الدستور، وأن يكون من حق المستقلين الترشح لرئاسة الجمهورية دون قيود ولازلت عند موقفى». لكن الأمر اختلف قليلا من جهة بعض مؤيدى البرادعى بمحافظة الفيوم فيقول العقيد على صالح منسق الجمعية الوطنية من أجل التغيير بالفيوم إنهم لم يتخذوا أى خطوة حاليا تجاه جمع التوقيعات من المواطنين لتأييد البرادعى، مضيفا أنه يشعر بوجود «حالة هدوء غير عادية لدى قيادات الجمعية فى القاهرة». وها هو البرادعى، يبدأ جولاته الميدانية بصلاة الجمعة فى مسجد الحسن بوسط القاهرة، ثم شارك فى صلاة جنازة على إحدى المتوفيات. تجمع حوله عدد كبير من المواطنين يقولون له إنه «أملهم فى التغيير» وهتفوا باسمه. هنا أيضا لم يظهر الأمن عضلاته، ولم يشك أحد ممن التفوا حول البرادعى هذه الجمعة من تعرضه لمضايقات أمنية، أثناء الجولة فى المنطقة. ويقلل مصدر أمنى تحدثت إليه «الشروق» من الحدث قائلا إن «من تجمعوا حول البرادعى عقب صلاته بالحسين لم يتعدوا 300 شخص، وهو رقم لا يمثل الشعب المصرى فى المبايعة للرئاسة، ولا يقلق رجال الأمن أو النظام». ويعتقد المصدر نفسه أن أعداد مؤيدى البرادعى فى تراجع بل وأنشطتهم أيضا، وان هذا الوضع «ليس له علاقة بالأمن أو مضايقاته لهم، بل السبب فى البرادعى نفسه والملتفين حوله الذين قد يكون الناس فقدوا الثقة فيهم، أما الأمن فبعيد تماما عن المسألة»، على حد قوله. المصدر نفسه يعتبر أن واقعة طبيب الفيوم «ليست دليلا قاطعا ضد الأمن»، فالتحقيقات مازالت جارية بشأنها. ويبرر رجال الأمن، الحشود الأمنية بأنها تعبئة عادية تحدث «حتى فى استقبال لاعبى كرة القدم. فما بالنا بعودة شخص هناك انقسام عليه بين مؤيدين ومعارضين». «الناس دائما تنظر للجانب الأسود»، يقول رجل الأمن، «لكن الحقيقة أن الامن ليس غرضه مضايقة البرادعى أو أنصاره، بل حمايتهم من أى فعل قد يحدث ضدهم». لكن المصدر لم يحدد كيف ستعامل أجهزة وزارة الداخلية عندما يبدأ البرادعى جولاته فى المحافظات. يذكر أن عددا من الحركات والجمعيات المناصرة للبرادعى أعلنت عدة مرات إلغاء مؤتمرات كان مقررا تنظيمها لإعلان تأييد البرادعى والمطالبة بتعديل الدستور، ولكن فى كل مرة كانت تساق الأسباب متمثلة فى الخوف من بلطجية يقال إن الحزب الوطنى حشدهم لإجهاض تلك الفعاليات، وبسبب الحشود الأمنية الكبيرة. وفى بورسعيد رصدت «الشروق» عدم تدخل الأمن فى نشاط حزب الجبهة المناصر للبرادعى فى بورسعيد، واكتفى رجال الأمن «بالرصد والمتابعة». كان حزب الجبهة الديمقراطية ببورسعيد قد قرر تبنى الحملة الشعبية للتضامن مع البرادعى، واتخذ من مقر الحزب مكانا لفعاليات الحملة، من خلال لقاء أسبوعى لملء توكيلات الراغبين فى تأييد البرادعى. وفى الإسكندرية قال صفوان محمد منسق عام حركة «عايز حقى»، وصاحب أول توكيل للبرادعى: «لا مضايقات تمارس من قبل الأجهزة الأمنية ضد عمل الحركة المنتمية للجمعية الوطنية للتغيير».