«ابنتى تسأل: هل تريدين أن تعيشى فى مصر؟. الصحفيون يسألون: هل تريدين العيش فى إسرائيل؟. وأصدقائى يسألون: هل تظلين طوال حياتك فى نيويورك؟. وإجابتى دائما: لا أعلم». لوسيت لنيادو، مصرية المولد، يهودية الديانة. عاشت فى مصر إلى أن هاجرت مع والديها إلى إسرائيل عام 1963 وهى طفلة فى السادسة من عمرها، لتهاجر بعدها إلى الولاياتالمتحدة وتستقر فى ولاية نيويورك. تقول لوسيت إنها تحب القدسونيويوركوالقاهرة، وأنها تشعر بالألفة فى المدن الثلاث. بمكتبة الديوان بالزمالك كانت لوسيت أمس الأول، توقع كتابها «الرجل ذو البدلة البيضاء الشركسكين وقائع خروج أسرة يهودية من مصر»، الذى تروى فيه باستفاضة عن ذكريات طفولتها، وترجمه من الإنجليزية إلى العربية أخيرا مصطفى الطنانى. «طوال عمرى أكتب وفق قواعد صارمة لا أحيد عنها، هذه المرة كانت مختلفة»، تقولها لوسيت لجمهور حفل التوقيع الذى كان أغلبه من الأجانب، مع نفر قليل من يهود مصر. تعمل لوسيت كبيرة محررين بقسم التحقيقات بجريدة وول ستريت جورنال، أشهر الصحف الاقتصادية اليومية فى الولاياتالمتحدة. تقول لوسيت إنها قد قررت ألا تلتزم بالمعايير المهنية الصارمة للكتابة الصحفية، وتطلق لمشاعرها العنان. الكتاب كله مكتوب من وجهة نظر الطفلة «لولو»، اسم التدليل للوسيت حين كانت صغيرة. حكايات لولو تظهر لنا الجانب الخفى من حياة اليهود المصريين بعد هجرتهم، «إسرائيل فى الخمسينيات كانت مجتمعا قاسى القلب». تحكى لولو عن العنصرية الشديدة التى تعرض لها اليهود المصريون، فهم من ناحية غير مرحب بهم فى مصر ومعرضون لبطش الأمن فى كل لحظة. وحين قرروا الهجرة، كانوا يجبرون على توقيع تعهد بعدم الرجوع إلى مصر، ويسمح لهم بالخروج من البلد بملابسهم ومبلغ 200 دولار كحد أقصى. وفى إسرائيل، كان اليهود العرب بشرا من الدرجة الثانية، يعيشون فى مجمعات سكنية قذرة، وسط مجتمع متطرف دينيا. كان ذلك صدمة حقيقية لعائلة لولو، التى شهدت العصر الذهبى للقاهرة الكوزموبوليتانية المتفتحة فى الأربعينيات والخمسينيات. لولو تصف أباها بأنه كان «رجل دين ودنيا معا»، يحرص على الصلاة فى المعبد، وعلى السهر ليلا ليتمتع بليل القاهرة الساحر. تتحدث لولو بشجن عن المدينة القبيحة نيويورك، التى كانت فى الستينيات عبارة عن عدد من المجمعات السكنية عملية الطابع، مقارنة بالطرز الفخمة لعمارات وسط البلد حيث عاشت لولو طفولتها، تقضى مع أبيها أوقاتا سعيدة بجروبى وبار النيل هيلتون. «أزور بيتى القديم فى وسط البلد حتى الآن»، فالبيت تسكنه الآن أسرة مصرية تصفها لوسيت بأنها طيبة للغاية، ترحب بها كلما جاءت إلى مصر. تحكى لولو عن إصابتها بحالة متقدمة من السرطان، وكيف لجأت أمها للتبرك بمعبد موسى بن ميمون لعلاجها. تقول المعتقدات اليهودية الشعبية إن من يزور المعبد ويتبرع بماله لصندوق النذور ويتبرك بالزيت المقدس، يحظى بزيارة من الحاخام المصرى موسى بن ميمون فى الحلم، والشفاء على يديه. «حين حضرت افتتاح معبد موسى بن ميمون فى القاهرة منذ أيام، شعرت أنى فى عرس. أنا سعيدة للغاية بترميمات المعابد اليهودية فى القاهرة». تبدى لوسيت تذمرا واضحا من الأسئلة التى بدأت تنهمر عليها من الصحفيين، عن رأيها فى محاولة تفجير معبد عدلى، وعن صورة اليهودى فى السينما المصرية، وعن علاقات مصر وإسرائيل. تقول لوسيت إن كتابها ليس له طبيعة سياسية، وتؤمن بأن الشعب المصرى طيب للغاية، وتفضل النظر إلى الإيجابيات والمستقبل، على الغرق فى صراعات الماضى. تهمس لوسيت لزميل بجانبها «كنت أفضل أن تكون الأسئلة الموجهة إلى عن الأدب، وليس عن السياسة». تتذكر لوسيت أن أباها كان طول عمره يحلم بمعجزة تمكنه من العودة لمصر، فظل يتحدث العربية كلما أتته الفرصة، «وأشعر أن صدور الكتاب باللغة العربية هو معجزة بديلة عما كان يتمناه أبى».