يشكل النوم وظيفة حيوية أساسية ومهمة للصحة النفسية والجسدية. فبدون فترة كافية من النوم الصحى العميق تنحسر قدرة الإنسان وطاقته فى مواجهة أعباء يومه، فالحرمان من النوم يؤدى إلى تشتيت الذهن ونقص التركيز واختلاط الأمور على الإنسان. فليس أدل على ذلك من حوادث الطريق الكارثية نتيجة نعاس السائقين. النوم أيضا مرتبط بتجديد وظائف الجسم المختلفة خصوصا فيما يتعلق بجهاز المناعة، والذاكرة، والتخلص من المواد الضارة التى تتراكم فى الدم نتيجة لآلاف العمليات الحيوية التى تنشط فى ساعات نهار الإنسان لتمده بالطاقة على التفكير والعمل. اليقظة والنوم وجهان لعملة واحدة فإذا امتلأ يوم الإنسان بأنشطة عدة وجب عليه أن يتنبه لضرورة النوم لفترة كافية إذ إن يومه يعد برنامجا فسيولوجيا يجب استيفاء أركانه. النوم إما مرة واحدة متصلة طويلة تستغرق ما بين ست وثمانى ساعات أو فترة قصيرة من خمس إلى ست ساعات يسبقها أثناء النهار إغفاءة قصيرة فى وسط النهار. وهى فترة الراحة القصيرة أثناء النهار التى يدمنها الأوروبيون خصوصا فى إيطاليا وإسبانيا. قد يعتقد البعض أن النوم حالة من النشاط السلبى كحال الإنسان المخدر، على العكس فالنوم حالة من النشاط الإيجابى فقد تخبو أثناءه أنشطة عديدة لكنها تظل كالنار تحت الرماد فالإنسان إذا أيقظته يستعيد كل قدراته وأنشطته الذهنية والجسدية خلال دقيقتين فقط على الأكثر. والجدير بالذكر أن أنشطة المخ التى تتحكم فى مشاعر الإنسان وعواطفه وقدراته على اتخاذ القرارات والتفاعل الاجتماعى تنحسر أثناء النوم وتخبو لكن هذا دليل على أنها تحتاج النوم العميق لدعم عملها أثناء اليقظة. يحافظ النوم أيضا ويدعم الحالة الذهنية للإنسان فالحرمان من النوم لمدة طويلة يؤدى للهذيان والهلاوس بينما الاستيقاظ بعد فترة نوم هانئة كافية يشحن الذهن ويوفر صفاء لازما للإدراك وحسن التصرف. الأرق واضطرابات النوم أعراض شائعة يعانى منها إنسان المدنية الحديثة فليس هناك من أرقه القلق أو أقض نومه الخوف من أيام قادمة لكن يظل فى حدود العرض إذا ما تواتر فى فترة قصيرة وانتهى بانتفاء السبب، لكنه قد يتطور إلى حدود المرض مما يستدعى اللجوء لطبيب متخصص فى اضطرابات سلوكيات النوم. للأرق أسباب كثيرة منها التوتر والقلق والاكتئاب وتناول المشروبات المحتوية على الكافيين بكثرة كالشاى والقهوة والشيكولاتة. التدخين أيضا يصاحبه الأرق كذلك بعض الأدوية تسبب اضطرابا فى النوم. وقد يكون الأرق عرضا ثانويا لمرض لذا يجب مراجعة الأسباب التى يمكنها أن تحرمنا من غفوة هانئة أو ليلة هادئة لنستعيد قدرتنا على النوم الصحى. الكافيين والنيكوتين والكحول كلها مواد منبهة تسبب الأرق خصوصا إذا تناولتها من 4 6 ساعات قبل موعد نومك، إذ أن الجسم لا يتخلص من آثارها قبل ست ساعات بعد تناولها الشاى، القهوة، السجائر، المشروبات الغازية مثل الكوكاكولا والبيبسى كولا ومشروبات الطاقة والشيكولاتة كلها سواء. قد يلجأ البعض للكحوليات: بالفعل تعمل على تهيئة الإنسان لأول مراحل النوم لكنها تبقيه فيها لا يمكنه الانتقال منها لمرحلة النوم العميق الأمر الذى يعرض الإنسان للضغط العصبى ويوقظه عند أقل درجة ضوضاء ممكنة. لذا تجنب المواد المنبهة أمر ضرورى لجلب النوم. طعامك قبل النوم التخمة والجوع يؤديان للأرق واضطرابات النوم فاحرص على أن تتناول طعاما متوازنا ضعيفا قبل نومك بفترة كافية «من ساعتين لأربع». هناك أيضا بعض الأطعمة التى قد تهيئ الإنسان للنوم. اللبن بما يحتويه من حمض أمينى «التربتوفان» قد يساعد على الخلود للنوم. هناك أيضا سمك التونة وأنواع القرع «الكوسة والقرع العسلى» واللوز والمشمش والخوخ والموز كلها أطعمة تعرف فى هذا المجال. الرياضة للرياضة فائدة أصبحت غير محل مناقشة للإنسان منها ما يساعد على النوم ويهيئ فرصا سهلة له إذا ما مورست بصورة دائمة وفى أوقات ملائمة. تمارين الأيروبك الهوائية والمشى السريع والهرولة وركوب الدراجات والسباحة كلها رياضات يمكن ممارستها فى أى سن وفقا لقدرة الإنسان وتحمله. ممارستها تؤدى لتقليل إفراز هورمون التوتر «الكورتيزول» لساعات بعد ممارستها. الأفضل ممارسة الرياضة الخفيفة مساء يعقبها استحمام بماء دافئ فإن ذلك يقودك إلى استرخاء يتبعه نوم عميق. الرياضة العنيفة يمكن ممارستها فى الصباح إذا فضلتها. أدوات النوم الصحى يجب أن ينحصر ذهنك فى أن غرفة النوم إنما هى للنوم وليس لمتابعة ما تبقى من أعمال النهار كالرد على التليفون أو تخليص ما بقى من أوراق أو تسجيل ملاحظات أو حتى متابعة أخبار أو مشاهدة فيلم. كلها أفعال تحفز الجسم على الاستمرار فى حساب ساعات النهار بدلا من ساعات الليل. تخلص من كل الأدوات الكهربائية أو التى تحيطها مجالات مغناطيسية مثل الهاتف المحمول أو حتى الراديو والساعة. احتفظ بغرفة نومك نظيفة بلا أتربة، جيدة التهوية. واستخدام المراتب والأغطية من القطن. طقوس قبل النوم ليس من الترف على وجه الإطلاق أن تمارس طقوسا خاصة بك وفقا لشخصيتك وخلفيتك الاجتماعية والنفسية تساعدك على نوم هادئ وصحى. يجب أن يتوافر لك من الوقت ما يجعلك قادرا على وضع حد فاصل بين ضجيج النهار وأحداثه وهدوء الليل واسترخائه. وقت كاف لأن تهدئ نفسك بعيدا عن أى توتر أو قلق قد يفسد عليك ليلتك. قراءة فى مجلة خفيفة أو كتاب مسل. بعض من الرياضة الذهنية كالتأمل أو لحظات من الإنصات بتركيز فى موسيقى هادئة رتيبة أو صلاة متأنية كلها مداخل صحيحة تهيئة لنوم هادئ. إذا لم يواتِك النوم انهض من فراشك لأن الاستمرار يدخلك فى حلقة مفرغة عد مرة أخرى لمحاولة النوم بنفس هادئة واحذر القلق أو الخوف من أنك ستقضى الليلة مؤرقا. إذا تكررت نوبات الأرق واستعصى عليك النوم بصورة طبيعية تبذل فيها جهدا مخلصا لك أن تلجأ لطبيب متخصص فى اضطرابات النوم فهو أقدر على تبيان سبب أرقك ووصف دواء مناسب وإن كان هذا مستصغر الشرر. النوم هبة طبيعية لكل كائنات الكون فاحرص على أن تنعم بها فى صورتها الطبيعية مهما كلفك هذا من جهد أو مشقة فالمحصلة فى النهاية لصالحك بلا جدال حتى لو ظل السؤال لماذا يجب أن ننام بلا إجابة.