رئيس جامعة القاهرة يشهد تحية العلم الوطني أول أيام العام الدراسي الجديد (فيديو)    قالوا ايه علينا دول، كورال جامعة القاهرة يقدم الأغاني الوطنية (فيديو)    وزير التعليم العالي يطمئن على انتظام الدراسة بجامعة حلوان    20 جنيها لكيلو البطاطس.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم السبت    ارتفاع أسعار اللحوم والجبن وزيت عباد الشمس اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    وزير الاستثمار: تنفيذ إجراءات اقتصادية لتحقيق النمو الشامل برؤية مصر 2030    زعيم المعارضة الإسرائيلية بعد أنباء مقتل حسن نصر الله: من يهاجمنا سيموت    بصمة دائمة للملك، أرقام محمد صلاح أمام وولفرهامبتون قبل لقاء اليوم    "عمر كمال ورامي ربيعة الأعلى".. تقييمات لاعبي الأهلي بالأرقام خلال مباراة الزمالك في السوبر الأفريق    مهربة جمركيًا.. الداخلية تضبط 3 أشخاص بحوزتهم 676 هاتفًا محمولاً في مطروح    "الثقافة" تكرم فريدة فهمي وعبد المنعم عمارة بمهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية    زوار يقبلون ضريح عبد الناصر فى ذكرى رحيله    رانيا فريد شوقي وحورية فرغلي تهنئان الزمالك بحصد السوبر الإفريقي    عمرو سلامة يوجه الشكر ل هشام جمال لهذا السبب    رئيس هيئة الدواء: أزمة النقص الدوائي تنتهي خلال أسابيع ونتبنى استراتيجية للتسعيرة العادلة    إصابة 3 أشخاص في حادث على طريق العريش الدولي بالإسماعيلية    رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بعد الإعلان عن مقتل نصر الله: هذا ليس آخر ما في جعبتنا    عرض فيلم الطير المسافر" بليغ عاشق النغم" بنقابة الصحفيين    خطة المدن الجديدة لاستقبال فصل الشتاء.. غرف عمليات وإجراءات استباقية    أبرزهم بكرى.. حشود تتوافد على ضريح ناصر إحياء لذكرى وفاته.. صور    وزير الخارجية والهجرة يلتقي مع وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديموقراطية    30 يومًا.. خريطة التحويلات المرورية والمسارات البديلة بعد غلق الطريق الدائري    بأوتبيس نهري.. تحرك عاجل من محافظ أسيوط بعد فيديوهات تلاميذ المراكب    إيران تتعهد بملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية    الهند تحذر:استمرار باكستان في الإرهاب سيؤدي إلى عواقب وخيمة    أسعار الدواجن ترتفع اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    4 نوفمبر المقبل .. وزارة الإسكان تشرح للمواطنين مزايا التصالح على المباني المخالفة    جمهور الزمالك يهاجم إمام عاشور واللاعب يرد (صور)    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: رعاية كبار السن واجب ديني واجتماعي يجب الالتزام به    تداول 47 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    وزارة الصحة: إرسال قافلة طبية لدولة الصومال لتقديم الخدمات الطبية    رئيس الرعاية الصحية يلتقي عددًا من رؤساء الشركات لبحث سبل التعاون    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة تستهدف بعلبك والمناطق الجنوبية اللبنانية    أستاذ علوم سياسية: إسرائيل دولة مارقة لا تكترث للقرارات الدولية    إنفوجراف| حالة الطقس المتوقعة غدًا 29 سبتمبر    مجسمات لأحصنة جامحة.. محافظ الشرقية يكرم الفائزين في مسابقة أدب الخيل    مقتل شخص في مشاجرة بسبب خلافات سابقة بالغربية    قرار جديد من المحكمة ضد المتهم بقتل عشيق شقيقته بأوسيم    الباذنجان 3.5 جنيه، ننشر أسعار الخضراوات اليوم السبت بسوق العبور    "القاهرة الإخبارية":الاحتلال الإسرائيلي مستمر في تحقيق أهدافه بلبنان    4 شهداء في قصف للاحتلال وسط قطاع غزة    عقوبات الخطيب على لاعبي الأهلي بعد خسارة السوبر؟.. عادل عبدالرحمن يجيب    أمين الفتوى: حصن نفسك بهذا الأمر ولا تذهب إلى السحرة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» 28 سبتمبر 2024    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    اليوم.. جامعة الأزهر تستقبل طلابها بالعام الدراسي الجديد    جوميز: الزمالك ناد كبير ونسعى دائمًا للفوز    مع تغيرات الفصول.. إجراءات تجنب الصغار «نزلات البرد»    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    عبد المجيد: التتويج بالسوبر سيمنحنا دفعة معنوية لتحقيق الدوري والكونفدرالية    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفكيك الاتحاد السوفيتى.. كنت هناك
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 09 - 2022

أولا: سعدت بقراءة المقال الذى كتبه الدكتور مصطفى كامل السيد عن لقائه مع جورباتشوف والنهاية الحزينة له ولبريسترويكا، وتذكيره بلقائه معى فى موسكو الذى مضت عليه سنوات عدة، وأحييه على ذاكرته الشابة التى ليس بوسعى أن أتنافس معها.
ثانيا: أعترف بأننى لا أذكر واقعة تلميح الراحل جورباتشوف برغبته فى زيارة القاهرة، وما أستطيع أن أجزم به أن إبلاغى بهذه المعلومات بالقطع تم نقله إلى القاهرة، واستميح عذرا أننى لا أذكر أن هذه الزيارة تحققت، ولا بد أن لذلك أسبابا كان لها ما يبررها آنذاك.
ثالثا: تقديرى أن المقال هو من أفضل ما كتب بمناسبة رحيل جورباتشوف خاصة فى تحليل أسباب فشل المشروع الإصلاحى لجورباتشوف، وأقصد الفشل الاقتصادى والقوميات، اللذين أطاحا بالمشروع الإصلاحى وجورباتشوف وبالاتحاد السوفيتى كله.
رابعا: ربما لا تعلمون أننى عاصرت هذه المرحلة بشكل كامل تقريبا حين كنت مستشارا للسفارة من 1987 1991، أى إننى عاصرت تطورات حقبة جورباتشوف حتى انهيار الإمبراطورية السوفيتية الروسية وأعتقد أننى كنت الدبلوماسى الوحيد الذى خدم فى نفس العاصمة لدولتين، أى موسكو الاتحاد السوفيتى، وموسكو روسيا.
خامسا: لعلى أستطيع أن أضيف إلى التحليل القيم للدكتور مصطفى العناصر التالية:
1 أتى جورباتشوف إلى سدة الحكم ممثلا لجيل من الشباب خلفا لجيل هرم تكلست أفكاره وتعاظمت مصالحه وفقد الرغبة والقدرة على الإصلاح، ومدفوعا برغبة حقيقية فى الإصلاح بل وإنقاذ البلد من هذا الجيل ومن تدهور خارج السيطرة.
2 نقطة البداية التى حكمت بداية مسيرة جورباتشوف كانت فى توليه منصب سكرتير عام الحزب الشيوعى، الذى كان مقتنعا بأنه أصل الفساد ومن ثم اعتقد أن هدمه تدريجيا هو أساس الإصلاح، دون تقدير لعواقب هذه الخطوة التى بها يهدم الآلية الوحيدة، حتى لو كانت فاسدة، التى تربط بين القيادة السياسية للدولة والمواطنين مما خلق حالة من السيولة والتخبط فى الشارع، منها دعوات الجلاسنوست (المصارحة) والبيروسترويكا (إعادة البناء)، ولهما حديث فيما يلى..
3 كان الاقتصاد السوفيتى، بكل ما تملكه البلد من ثروات هائلة، قد بلغ من الضعف إلى حد أنه ابتداء من الثمانينيات وصل معدل النمو السنوى إلى ناقص 2٪، وهى معلومة لم يكن يجرؤ أحد أن يعلنها قبل جورباتشوف، والتى أعلنها رئيس وزرائه.
4 بقدر ما كان جورباتشوف واثقا فى نجاح سياساته فى إصلاح الاقتصاد بقدر ما دفعه ذلك إلى مستنقع بإجراءات كان يظنها إصلاحا نحو اقتصاديات السوق إلا أنها كانت فى حقيقتها تغييرا يفتقر إلى فكر مدروس ويتطلب بنية تحتية سياسية، اقتصادية، مجتمعية وثقافية غير قائمة، فى ظل اقتصاد يفصل بين جانبيه المدنى والعسكرى سنوات ضوئية؛ بين اقتصاد بدائى لا يعرف معنى ال cost effectiveness ويمارس الإهدار والتخلف منذ الثورة البلشفية، وبين اقتصاد عسكرى يمتلك إمكانيات تكنولوجية هائلة، ليس بينهما رابط.
وللإنصاف فقد حاول خلق جسر بينهما بسياسة ما سماه التحويل conversion بهدف الاستفادة من التكنولوجيا العسكرية فى القطاع المدنى، والتى لم تتحقق، وأعتقد حتى الآن، نتيجة التعقيدات التكنولوجية والتكلفة المالية الضخمة لهذه العملية.
5 ولكى تكتمل الصورة التى تعكس التبسيط المخل لرؤية التحول لديه، لم يكن ضمن فريقه العامل معه مباشرة مستشار اقتصادى واحد، لكى تتحول محاولة الإصلاح إلى بدء تصدع مجتمعى نتيجة انفتاح العيون على مشهيات الغرب بكل أنواعها والبطون فارغة والسوق يفرض أسعاره الصادمة والإمكانيات قاصرة، وحرية التعبير تفتح الباب على مصراعيه للمطالبة والتذمر والشكوى والاحتجاج، وبدء مؤشرات تصدع الإمبراطورية من قاعدتها.
6 ثم كانت قضية القوميات التى حسمت مسار التفكك فى إمبراطورية يقطنها مئات القوميات غير الروسية بأديان وطوائف وثقافات متعددة ومختلفة لتجد أمامها باب التاريخ مفتوحا لكى تعبر عن متاعبها ومعاناتها المكتومة لكى تكشف عن انقسام مكتوم لقضية القوميات التى ظن ستالين فى الأربعينيات من القرن الماضى (رغم أنه من جورجيا) أنه دفنها بتشتيتها فى أنحاء الإمبراطورية وزرع الروس فى مناطقهم وفرض سيطرتهم على مقدرات الحياة بكل جوانبها.
• • •
كان من شأن القراءة العميقة والدقيقة من خلال فضاء فسيح من المعلومات الدقيقة التى أتاحتها الجلاسنوست مجانا، أن تمكن الإدارة الأمريكية آنذاك من الإمساك بعوامل التغيير الحقيقى فى قبضة حديدية مكسوة بالحرير تدير بها تفكيك الإمبراطورية السوفيتية، ليس من خلال تجنيد وكالة المخابرات الأمريكية لجورباتشوف، فلم يكن ذلك، فى تقديرى، مطلوبا ولا ممكنا، إنما من واقع التغيير الهيكلى الداخلى العميق الذى أحدثته سياسة جورباتشوف التى افتقرت للحنكة السياسية وقللت من شأن عوامل الضغوط والحرمان والضجر والدونية القومية الكامنة تحت السطح، وغاب عنها تقدير واقعى للصراعات التاريخية المتأصلة فى عمق العلاقات الروسية السوفيتية الأمريكية، ولعل الصراع الدائر فى أوكرانيا تذكير معاصر لذلك.
وهكذا جمعت الروشتة الأمريكية الذكية بين الحلم الأمريكى للثراء والرفاهية والاستمتاع والأزياء ومستحضرات التجميل التى يعشقها الروس، وماكدونالدز الذى افتتح فى موسكو فى أواخر الثمانينيات أكبر مطعم له فى العالم ويسع 700 فرد، وبين الدفع بقوافل القطاع الخاص بمشهياته الاستثمارية لكى تنهل من ثروات البلاد الضخمة بفعل الخصخصة الفاسدة، ناهيك عن الضغوط التى سبقت ذلك من خلال حرب ريجان للنجوم، لتجتمع وتتفاعل كل هذه العوامل لتزرع انقساما عميقا تأكدت بوادره بالانقلاب ضد جورباتشوف فى أغسطس 1991، وليعتلى يلتسن، عمدة موسكو، منصة الانقسام فى القيادة السياسية والارتماء فى أحضان الغرب وشعبية مستقبل غربى موعود، وتحرير القوميات من الآسر الروسى السوفيتى، وليدفع البلاد نحو اختيارين لا بديل لهما، إما تدخل الجيش الساخط على التغيير لتتحول البلاد إلى شوارع من الدماء فى كل أنحاء الدولة الأكبر مساحة فى العالم، وينتهى بها الأمر إلى انهيار ما، أو القبول بالتفكك الصادم بدلا من الانهيار الكامل والحفاظ على الأقل على روسيا بثقافتها وتاريخها وهويتها القيصرية ومواردها الطبيعية وفوق ذلك كله بتفوقها العسكرى.
فى الختام، لا بد أن كل هذه الاعتبارات وغيرها كانت فى رؤية بوتين منذ تسلمه الرئاسة من يلتسن فى عام 2000، للماضى والحاضر والمستقبل، ولعلها تساعد فى تفهم تحركاته وقراراته عبر الاثنى وعشرين عاما الماضية، وحتى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.