أذاع السيد صفوت الشريف سرا ما خطر لأحد منا على بال، وقد انتبهت بعض الصحف المصرية إلى أهميته فأبرزته، فى حين أدركت صحف أخرى خطورته فتكتمت عليه، تجنبا لما قد يثيره من تساؤلات تترتب على إفشائه. ذلك أن مجلس الشورى كان قد عقد جلسة يوم الأحد الماضى (21/2) لمناقشة أمور عدة، كان من بينها النظام الانتخابى، الذى انتقده أحد الأعضاء، ممدوح قناوى رئيس الحزب الدستورى، ولكن السيد الشريف رئيس المجلس انبرى له قائلا: إن مصر تعيش ديمقراطية حقيقية وليست مزيفة، وإنها شهدت بفضل ذلك النظام أول انتخابات رئاسية نزيهة بين أكثر من مرشح، كان من بينهم السيد قناوى نفسه، الذى تلقى من الحكومة نصف مليون جنيه لصالح حملته الانتخابية، ولم يسأله أحد عن أوجه إنفاقها (لاحظ الغمزة). وتلك أخبار جديدة انضافت إلى معلوماتنا، سواء ما تعلق منها بالديمقراطية الحقيقية أو نزاهة الانتخابات، أو ما تعلق بالسيد قناوى نفسه. لكن هذه لم تكن المفاجأة الوحيدة أو الأهم. ذلك أن جو القاعة تكهرب حين انبرى أحد نواب الحزب الوطنى قائلا إنه شاهد وسمع السيد قناوى وهو يقول على شاشة قناة «الجزيرة» إن النظام المصرى منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد أصبح منبطحا يلعق الحذاء الأمريكى، الأمر الذى أثار ثائرة النواب، الذين اتهموه بالتخريب وطالبوه بالاعتذار عما صدر عنه. ووسط الضجة المثارة حسم السيد الشريف الأمر وأطلق مفاجأته التى قال فيها إن مصر لا تخضع أبدا، وهى لا تلعق حذاء أحد، وإنما يلعق حذاؤها ويستجدى بها فى المنطقة. وهى العبارة التى وضعتها صحيفة «روز اليوسف» عنوانا على الصفحة الأولى، ثم كررتها على رأس الصفحة الخامسة من عدد الاثنين 22/2. حدث ما كان متوقعا، فقد طلب رئيس مجلس الشورى إحالة ممدوح قناوى إلى لجنة القيم للبت فى أمره بسبب ما صدر عنه، لكن صاحبنا طلب الكلمة وقال إنه لم يقصد الإساءة إلى الرئيس، وإن ما جاء على لسانه كان تقييما لكبوة العرب منذ عام 1967، ونفى قوله أن مصر تلعق حذاء أمريكا، مشيرا إلى أن هذا الكلام مرفوض منه، تماما كما رفضه أعضاء المجلس. وطلب العفو عنه، فأجيب طلبه والغى قرار إحالته إلى لجنة القيم، كما شطب الموضوع كله من المضبطة. دعك من اللغة الهابطة التى استخدمت فى الكلام، لأنها أصبحت من سمات «الحوار» فى مجلسى الشعب والشورى، لأن الأهم من ذلك هو دلالة العبارة التى صدرت عن السيد الشريف. التى أعلن فيها أن مصر هى التى يُلعق حذاؤها ويُستجدى بها فى المنطقة. ذلك أننى منذ وقعت على هذا الشق وأنا أتساءل عما إذا كانت هذه معلومات أم انفعالات؟ ولأن السيد الشريف رجل سياسة متمرس، فإننى استبعدت أن يكون الذى صدر عنه مجرد زلة لسان وافترضت أنه كرجل مسئول يتحدث استنادا إلى معلومات، وهو ما دفعنى إلى التساؤل عن طبيعة وهوية تلك الأطراف التى تلعق الآن حذاء مصر وتستجدى بها، وهل هى دول أم منظمات وهيئات؟. شجعنى على ذلك أن جريدة الأهرام تكتمت على هذا الشق من الكلام ولم تذكره، ربما لكيلا ينفضح أمر «اللاعقين». فشلت فى أن أجد دولة يمكن أن تنطبق عليها الأوصاف التى أطلقها رئيس مجلس الشورى، حتى قلت إن انفعالات الرجل الذى جاوز السبعين من العمر ربما طغت على معلوماته، وإن كلامه لا يختلف كثيرا عن هتافاتنا فى إضرابات المدرسة الثانوية، التى كانت تقول: «مصر والسودان لنا وإنجلترا إن أمكنا». وحين وليت وجهى شطر الهيئات والحركات التى يمكن أن تنسحب عليها تلك الأوصاف، وجدت أن مصر تنتقد من جانب منظمات حقوق الإنسان. كما أنها نفضت يدها من حركات التحرير جميعها، باستثناء الفصائل الفلسطينية، ولما كانت مشتبكة مع منظمات المقاومة، ولم يعد لها خطوط مفتوحة إلا مع جماعة فتح المهيمنين على السلطة فى رام الله، فإن ذلك يستدعى السؤال التالى: هل كان يقصدها السيد صفوت الشريف بكلامه؟.. حيرنى السؤال ووجدت أنه وحده الذى يمكن أن يجيب عنه، إلا إذا أراد أن يحتفظ بالسر لنفسه!