فى مثل هذا الأسبوع قبل خمسة أعوام، اغتيل رئيس الوزراء اللبنانى السابق رفيق الحريرى، وكان هذا الاغتيال هو ما فجر «ثورة الأرز»، وأجبر سوريا على سحب جيشها من هذا البلد. وفى تلك الأثناء، أدى الغضب الشعبى على مستوى العالم بمجلس الأمن إلى فتح تحقيق دولى هو الأول من نوعه. وبعد مرور نصف عقد على ذلك، لم تحرز القضية تقدما يذكر فى اتجاه تحقيق العدالة. وفى الآونة الأخيرة، أكدت سوريا نفسها مجددا على لبنان، بعد أن ظلت سنوات تسعى إلى زعزعة استقرار الحكومة التى يقودها أعداؤها السياسيون. وفى ديسمبر، التقى سعد الحريرى، رئيس الوزراء اللبنانى ونجل رفيق الحريرى، والرئيس السورى بشار الأسد، استجابة للمصالحة بين السعودية، الراعى السياسى للحريرى، وبين دمشق، وهو ما يقلل من احتمال قيام لبنان بتوجيه أصبع الاتهام إلى سوريا. ومع ذلك، فالواقع هو أن المشكلة الأهم تكمن فى تحقيق الأممالمتحدة نفسه. فعلى الرغم من أنه تم رفع مستوى التحقيق عبر تشكيل محكمة خاصة بالقرب من لاهاى، فإن هذه القضية واجهت مشكلات تتعلق بالشكوك فى مهارات قيادات المحاكمة، وفقدت أعضاء أساسيين بها، واضطرت إلى إطلاق سراح المشتبه بهم العام الماضى، بسبب الافتقار إلى أدلة الاتهام الكافية. وكان ديتليف ميليس المدعى العام الألمانى الذى تولى التحقيق فى قضية تفجير ديسك لابيل فى برلينالغربية عام 1986 قد شكل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة بشأن قضية الحريرى فى 2005. وكان لدى السيد ميليس القليل من الشكوك إزاء تورط سوريا، وهو ما عبر عنه فى تقريره الأول. وطلب الحريرى شهادة الرئيس الأسد (فى ظل احتجاجات من جانب سوريا) والتقى بمسئولين فى الاستخبارات السورية فى فيينا، وألقى القبض على مشتبه بهم. وعدما تنحى السيد ميليس عن منصبه فى ديسمبر 2005، كان يشعر أن لديه ما يكفى من الدلائل لاعتقال واحد على الأقل من مسئولى الاستخبارات الذين قابلهم. غير أن التحقيق اعتراه الذبول فى ظل خلفه القاضى البلجيكى سيرج براميرتس. فقد أصدر السيد براميرتس تقارير لا تقدم الكثير من المعلومات، وتصرف بطريقة تفتقر إلى الشفافية، وهو ما مثل عنصرا غير مشجع للشهود المحتملين للمضى قدما فى أقوالهم. وقام بتضييع الوقت عبر إعادة فحص مسرح الجريمة للتأكد من نوع الانفجار الذى أودى بحياة السيد الحريرى، بينما سبق أن صدرت فى السابق ثلاثة تقارير لمتخصصين حول هذا الشأن. وفشل براميرتس فى مواصلة المقابلات مع المسئولين السوريين. وبالرغم من أنه التقى الرئيس الأسد، بدا أنه لم يسجل شهادته رسميا. كما أنه جاء بالمزيد من المحللين لفحص التفاصيل الفنية للجريمة، بدلا من الاستعانة بالمزيد من محققى الشرطة من ذوى الخبرة، لعقد مقارنات بين الشهادات والقيام باعتقالات وحل لغز سلسلة القيادة الخاصة بالجناة. وبعد مرور عامين، فشل السيد براميرتس فى تحديد أى مشتبه بهم جدد بخلاف الذين اعتقلهم السيد ميليس، وهم أربعة مسئولين أمنيين لبنانيين رفيعى المستوى (وكان قد أكد استمرار حبسهم). وقد قال لى السيد ميليس فى عام 2008 «فقد التحقيق كل قوته الدافعة التى كانت لديه فى يناير 2006»، أى عندما تولى السيد براميرتس المهمة. وأضاف قائلا: «ولسوء الحظ، لم أر كلمة فى تقريره خلال العامين الماضيين تؤكد أنه تقدم خطوة إلى الأمام. وعندما تركت التحقيق كنا على وشك إعلان أسماء المتهمين، لكن يبدو أنه لم يتقدم بعد إلى هذه المرحلة». ولم يكن السيد ميليس الوحيد الذى يشعر بالقلق. ذلك أن اثنين من المسئولين الحكوميين اللبنانيين المرتبطين بشكل وثيق بتحقيق الأممالمتحدة عبرا فى وقت لاحق عن هواجسهما بشأن السيد براميرتس. وقال لى أحدهما إنه «خدع الجمهور»، وانتقده لأنه كان مثقلا بالمحللين. ورفض السيد براميرتس الذى تنحى فى نهاية 2007، مطالبتى له بأن يرد على ما قاله السيد ميليس. وكان الأمر الأكثر إزعاجا أن الأممالمتحدة ظلت صامتة، حتى فى ظل النكسات التى واجهها دانيال بيلمار الكندى الذى خلف براميرتس. وفى أبريل الماضى، وعلى الرغم من أن بيلمار حصل على صلاحيات النيابة العامة، فقد اضطر بواسطة النظام الداخلى للمحاكمة إلى إطلاق سراح المشتبه بهم الذين كانوا محتجزين لحين صدور أدلة الاتهام. ويستحق السيد بيلمار اللوم لأنه قبِل تلك القضية الضعيفة من الأساس، وقام بإضفاء المشروعية على العمل الردىء الذى قام به سلفه. غير أن المسئولية تقع بالقطع على السيد براميرتس، وعلى أولئك القابعين فى مقر الأممالمتحدة والذين لم يحاسبوه قط. كما عانت المحاكمة أيضا من رحيل مسئولين أساسيين. فقد رحل روبن فنسنت، مقرر المحكمة (الذى يساوى منصب المدير الأول للمحاكمة) بسبب خلافات مع السيد بيلمار. وسوف يترك خلفه، ديفيد تولبرت، المنصب فى وقت لاحق من الشهر الجارى. غير أن الرحيل الأكثر تكلفة سيكون لكبير المحققين نجيب قلدس، وهو رجل شرطة أسترالى جليل، بسبب انتهاء عقده وحصوله على ترقية فى بلده، على الرغم من أنه قيل له إنه من المحتمل أن يُجَدَد عقده. وتثير هذه التطورات على الأقل شكوكا حول قدرة المدعى العام على قيادة التحقيق فى هذه القضية المعقدة وإقامة علاقات طيبة مع زملائه. كما تبين هذه التطورات أن لوائح الاتهام لن تصدر قريبا، وهو ما قد يفسر لماذا يتخلى كبار المسئولين عن مناصبهم بسهولة فى تلك المحاكمة التاريخية. على الرغم من أن جميع قضايا القتل تأخذ وقتا، فإن هناك أسبابا تدعو إلى الاعتقاد بأن عدم كفاءة التحقيق أو الضغط السياسى الدولى أو الاثنين قد كانا لهما دور فى إبطاء عملية البحث عن قتلة الحريرى، أو حتى كبح هذه العملية. وأيا ما كان الأمر، لم تقم الأممالمتحدة بالكثير من أجل ضمان نجاح المحاكمة. لقد انتهت القوة الدافعة لتحديد قتلة الحريرى، ذلك أن لبنان لم يسع فقط إلى تحقيق التقارب مع سوريا، لكن توقعات الشعب اللبنانى بعد سنوات من التحقيق غير الحاسم قد وصلت إلى أدنى نقطة لها. وتخشى الحكومات الخارجية من حالة اهتزاز الاستقرار التى قد تحدث إذا أصدر السيد بيلمار لائحة الاتهام. ومن ثم، فلن يشعر الكثيرون بالأسف إذا لم يصدرها. لكن حيث إن الأممالمتحدة دفعت فى اتجاه التحقيق فى قضية اغتيال الحريرى، فإن نزاهتها باتت مرتبطة بالتوصل إلى نتيجة معقولة. وإذا كان ذلك مستحيلا، فلا يوجد منطق يبرر إهانة الضحايا عبر السماح باستمرار هذه المهزلة. ومن الأفضل إعادة بيلمار إلى بلاده. New York Times Syndication Services