رحب وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بقرار حكومته تقديم منح سكنية لمقاتلين سابقين في ميليشيا جيش لبنانالجنوبي التي كانت تتلقى تمويلا وتدريبا من الجانب الإسرائيلي خلال الحرب الأهلية اللبنانية. وقال غانتس إن الخطة الحكومية لتقديم مساعدات مالية لمقاتلي الميليشيا لشراء منازل، تحقق العدالة لهؤلاء الذين حاربوا إلى جانب إسرائيل واضطروا إلى مغادرة وطنهم. فماذا نعرف عن ميليشيا جيش لبنانالجنوبي؟ الخلفية التاريخية يعتبر كثيرون أن البداية الفعلية للحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما وأودت بحياة عشرات الآلاف كانت يوم 13 أبريل/نيسان عام 1975، عندما قام مجهولون بإطلاق نار في عين الرمانة بضواحي بيروت أودى بحياة عنصرين من حزب الكتائب، الذي اتهم المسلحين الفلسطينيين المقيمين في لبنان بمحاولة اغتيال زعيمه بيار جميل. وردا على الهجوم، أطلق الحزب النار على حافلة كانت تقل فلسطينيين، ما أدى إلى مقتل 27 كانوا على متنها. تفجر القتال بين المسيحيين الموارنة والقوات الفلسطينية، ثم تحالفت الجماعات اليسارية والعروبية والإسلامية اللبنانية مع الفلسطينيين. وكانت التحالفات تتغير بشكل سريع يصعب التنبؤ به، كما دخلت قوى خارجية مثل سوريا وإسرائيل على خط النزاع وحاربت جنبا إلى جنب مع فصائل مختلفة. اصطفت إسرائيل إلى جانب الميليشيات المسيحية المحاربة للفلسطينيين ووفرت لها السلاح والدعم والتدريب، لمواجهة منظمة التحرير وغيرها من الفصائل الفلسطينية. التأسيس في عام 1976، تشكلت ميليشيا عرفت باسم "جيش لبنانالجنوبي" برعاية إسرائيلية، وبقيادة ضابط في الجيش اللبناني يدعى سعد حداد كان مسؤولا عن منطقة البقاع. كان أغلب أعضاء الميليشيا من المسيحيين من أبناء القرى الجنوبية، وكان بعضهم أفراد وحدات انشقت عن الجيش اللبناني. في عام 1978، نفذت إسرائيل ما بات يعرف ب"عملية الليطاني" - وهي الحملة العسكرية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في جنوبلبنان وتوغل خلالها في أراضي البلاد حتى نهر الليطاني. وقالت إسرائيل إن الهدف هو القضاء على الفصائل الفلسطينية المتمركزة في جنوب البلاد، ووقف العمليات التي تقوم بها ضد إسرائيل. في أعقاب هذه العملية، اتسعت منطقة سيطرة ميليشيا جيش لبنانالجنوبي، وقاتلت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة أمل الشيعية وحركة المرابطون الناصرية والحزب الشيوعي اللبناني، ثم حزب الله الشيعي الذي تأسس عام 1982. في عام 1979، أعلن سعد حداد قائد جيش لبنانالجنوبي إنشاء ما سماه "دولة لبنان الحر" على أجزاء خاضعة لسيطرة ميليشياته في الجنوباللبناني. ولكن تلك "الدولة" فشلت في الحصول على أي اعتراف دولي، ثم تلاشت تماما مع وفاة حداد جراء إصابته بمرض السرطان عام 1984. أنطوان لحد في أعقاب وفاة سعد حداد، تولى قيادة جيش لبنانالجنوبي الجنرال أنطوان لحد، الذي شغل منصب قائد منطقة البقاع، ثم ترك الجيش اللبناني بعد قيام الحكومة بإعادة هيكلته في عام 1983. كانت ميليشيا جيش لبنانالجنوبي تعاني من التفكك والانهيار في أعقاب وفاة حداد، ولكن لحد تمكن من إعادة إحيائها، وضم إليها عناصر جديدة، معظمها من المسيحيين، فضلا عن عدد قليل من المسلمين الشيعة والسنة والدروز الذين كانوا على خلاف مع الفصائل الفلسطينية الموجودة في الجنوباللبناني. وفضلا عن الدعم المالي الإسرائيلي للميليشيا، ظلت الحكومة اللبنانية تصرف مخصصات لجيش لحد حتى انتهاء الحرب الأهلية عام 1990. وبلغ عدد جنود جيش لبنانالجنوبي حوالي 6 آلاف مقاتل، كانوا يوزَعون على ثكنات قريبة من قراهم بالجنوباللبناني، وكانوا يمتلكون أسلحة متطورة. أصبحت الميليشيا بقيادة أنطوان لحد بمثابة درع واق لإسرائيل في الجنوباللبناني، يحميها من هجمات الفصائل الفلسطينية. كما أدار الجيش بالتعاون مع إسرائيل سجوناً في جنوبلبنان، جرى فيها حبس خصوم الجيش الإسرائيلي وتعذيبهم. وقد أكدت وثائق، اضطر جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" في وقت سابق من العام الحالي للكشف عنها، الاتهامات التي لطالما وجهتها منظمات حقوقية وتقارير إعلامية لإسرائيل وميليشيا جيش لبنانالجنوبي بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في سجن الخيام بجنوبلبنان. تعرض لحد لمحاولة اغتيال نفذتها ناشطة شابة بالحزب الشيوعي اللبناني تدعى سهى بشارة عام 1988، ولكنه نجا منها، ووضعت بشارة في سجن الخيام الذي قضت فيه عشر سنوات حتى أطلق سراحها بعد ضغوط لبنانية ودولية عام 1998. انهيار الميليشيا مع توسع نشاط جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران في جنوبلبنان، وتزايد عملياتها ضد أهداف إسرائيلية في النصف الثاني من الثمانينيات، بدأت مشكلات جيش لبنانالجنوبي، التي تفاقمت إثر توقيع الفرقاء اللبنانيين اتفاق الطائف عام 1989. كان توقيع الاتفاق إيذانا ببدء المصالحة بين الطوائف المختلفة وانتهاء الحرب الأهلية. وفي عام 1990، توقفت الحكومة اللبنانية عن دفع الرواتب لأعضاء جيش لبنانالجنوبي. ضعف موقف الميليشيا ومكانتها بشكل كبير في أعقاب تنفيذ إسرائيل لعمل عسكري ضد لبنان عام 1996 أطلقت عليه اسم "عناقيد الغضب"، ولا سيما قصفها مركزا تابعا لقوات الأممالمتحدة بقرية قانا كان قد لجأ إليه مئات من المدنيين اللبنانيين، ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 منهم وإصابة عشرات آخرين. بحلول أواخر التسعينيات، تضاءل الدعم الذي كانت تقدمه إسرائيل للميليشيا، وسط تكهنات بانسحاب وشيك للجيش الإسرائيلي من الجنوباللبناني. طالب لحد الإسرائيليين بضمان دعمه ماليا وعسكريا حال الانسحاب، لكن دعواته قوبلت بالصمت. كما طالب الرئيس اللبناني آنذاك، إيميل لحود، بالعفو عن قواته قائلا إنه لا يمانع استثنائه شخصيا من ذلك العفو، ولكن رئيس الوزراء آنذاك سليم الحص أعلن رفضه للطلب. وكان القضاء اللبناني قد أصدر حكما غيابيا بالإعدام بحق قائد جيش لبنانالجنوبي. في عام 2000، انسحب الجيش الإسرائيلي من الجنوباللبناني دون سابق إنذار لحليفه أنطوان لحد. بعض أفراد الميليشيا سلموا أنفسهم لمقاتلي حزب الله الذين قاموا بدورهم بتسليمهم إلى الدولة اللبنانية، وصدرت بحق بعضهم أحكام بالسجن بتهم الخيانة وبُرأت ساحة البعض الآخر، في حين لجأ نحو ستة آلاف آخرين إلى إسرائيل خوفا من الملاحقة القضائية والأعمال الانتقامية - ومن بينهم أنطوان لحد الذي كان موجودا في فرنسا وقت انسحاب الجيش الإسرائيلي، ثم سافر منها إلى إسرائيل. وفي حين تلقى قادة جيش لبنانالجنوبي وكبار ضباطه مساعدات مالية ومنازل من الدولة الإسرائيلية - ومنهم لحد الذي افتتح مطعما في تل أبيب يقدم المأكولات العربية - فإن آخرين لم يتمتعوا بالامتيازات نفسها. نشر لحد مذكراته في عام 2004، وكتب فيها أنه ليس نادما، ووصف نفسه ب "البطل الوطني" الذي أصبح "فجأة عميلا خائنا عند صدور حكم بإعدامي". توفي لحد في باريس عام 2015 عن عمر يناهز 88 عاما إثر عارض صحي.