تنتهى يوم الأحد الموافق 31 يناير 2010 مهلة القيد فى الجداول الانتخابية وإصدار البطاقات الانتخابية الجديدة. خلال 3 أشهور منذ فتح الباب خرجت دعوات وحملات من جمعيات مجتمع مدنى وفيس بوك ومحاولات متواضعة من الأحزاب الرسمية لتشجيع المواطنين على استخراج البطاقات، بعد أن توقف عدد المسجلين فى القوائم الانتخابية دون 40 مليونا، ما يعنى أن نحو نصف السكان خارج اللعبة السياسية. المواطن الذى اختار أن يكون إيجابيا، كان عليه أن يقطع مشوارا طويلا بين مكاتب وزارة الداخلية، مدعما بكل الأوراق الرسمية، من الرقم القومى إلى شهادة الميلاد. والآن ينتظر الأعضاء الجدد فى القوائم الانتخابية مهلة الطعون التى تنتهى فى مارس المقبل، وبعدها تصبح الكشوف جاهزة ونهائية. كانت هذه هى المرة الأولى التى تذهب، وحدها، إلى قسم الشرطة. فعندما بلغت الثامنة عشرة وأرادت استخراج البطاقة الشخصية صاحبتها والدتها. وهذه المرة رفض الأهل «إحنا مالنا»، قالها الأب لابنته شمس التى كانت تدعوهم لإصدار بطاقة انتخابية قبل أن يغلق القيد فى الجداول الانتخابية بنهاية شهر يناير. «صوتك مش هايفرق. المهم ماتتبهدليش». شمس البالغة من العمر 24 عاما كانت قد عقدت العزم، والفكرة تسيطر عليها منذ أكثر من ثلاثة أعوام. الاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور كان يجرى وهى طالبة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. «كنت عايزة اروح ادى صوتى، لكن ما نفعش». كانت المهلة التى أعطتها وزارة الداخلية للمواطنيين للذهاب للقيد قد انتهت. «قلت المرة القادمة»، تقول شمس بابتسامة لا تفارق وجهها. وصورة شهادة الميلاد خرجت الفتاة ذلك الصباح وتوجهت إلى قسم عين شمس. على البوابة يافطة متواضعة تحدد الشروط المطلوب توافرها فى الشخص قبل استخراج البطاقة الانتخابية. «أكبر من 18 سنة، ليس عليه أحكام قضائية». أشار العسكرى إلى مكتب جانبى، دخلت شمس بحماس «من فضلك عايزه أطلع بطاقة انتخابات»، قالت موجهة حديثها لإحدى الموظفات. «معاكى صورة البطاقة؟ أيوة. وصورة من شهادة الميلاد؟ لا، ردت شمس باستغراب، ألا تكفى «بطاقة الرقم القومى»؟ لم يخبرنى أحد بقصة شهادة الميلاد. لا، لازم الاتنين، هكذا دار الحوار بينها وبين الموظفة. شمس كانت تعتقد فعلا أن الأمر أبسط من ذلك. على الأقل هذا ما قرأته فى كل الحملات التى انطلقت على الفيس بوك. فى قسم الشرطة «صوتى مطلبى»، هى إحدى هذه الدعوات التى تطالب المواطنين بالتوجه إلى أقسام الشرطة لإصدار بطاقة انتخابية، وهى الحملة التى شجعت شمس ذلك الصباح على الخروج من المنزل، والتوجه إلى قسم الشرطة رغم اعتراض والديها وأخىها، بل وتبنت الفكرة فى محيط أصدقائها. أصدقاؤها من الكلية ربما، بحكم نوعيه الدراسة التى حصلوا عليها، أبدوا بعض الاهتمام أو التفهم لما تريد أن تفعله صديقتهم، لكن أصدقاء آخرين «بيفكروا يشتغلوا ايه، يعملوا ايه، لكن مين هاييجى فى الحكم؟ مش مهم. مش ضمن أولوياتهم»، هكذا تلخص الفتاه التى تعمل مساعد مخرج، ردود فعل المحيطين بها. «ربنا معاكى»، قالوها ضاحكين عندما أخبرتهم أنها سوف تذهب إلى قسم الشرطة. للمرة الثانية دخلت المكتب الفقير. نظرت إلى الدولاب الصاج والمكاتب الثلاثة وتوجهت إلى نفس الموظفة. «اعطتنى استمارة، كتبت بياناتى، نفس المعلومات الموجودة فى البطاقة الشخصية، ووقع عليه الموظف زميلها». كان لابد من إمضاء آخر. عبرت شمس الردهة مرورا على السيراميك الذى وضع حديثا على أرضية القسم «ودخلت مكتب فخم عند الضابط المعاون». بضعة أسئلة: ساكنة فين؟ أى عمارة؟ «ايوة عرفت المكان» قال لها وهو يذيل الاستمارة بإمضائه. «لم يستغرق الأمر الكثير من الوقت» ثم عودة من جديد للموظفة. «تعالى اسألى على البطاقة فى شهر يوليو». قوائم النساء عمليا ووفق ما تقوله وزارة الداخلية لا تستغرق إجراءات استخراج البطاقة الانتخابية كل هذا الوقت. «نحن نستقبل طلبات القيد من نوفمبر حتى نهاية يناير. بعد هذا التاريخ يدرج الاسم بجدول الناخبين لتبدأ بعدها مدة الطعن التى تستمر طوال شهر فبراير وحتى منتصف مارس. وفى النهاية تصبح البطاقات جاهزة»، كما يوضح اللواء رفعت قمصان، مدير الإدارة العامة للانتخابات. يقول اللواء قمصان فى تصريحاته ل«الشروق» إن عدد المقيدين فى الجداول الانتخابية فى 2008/2009 تجاوز 39 مليون مواطن، أكثر من 40% منهم من السيدات. ويتوقع قمصان زيادة كبيرة فى الأعداد هذا العام «هذه سنة انتخابات مجلسى الشورى والشعب، والمصرين كعادتهم بينتظروا آخر لحظة». عمليا بعد انتهاء مدة القيد، تبدأ ما يسمى عملية الطعن أى تنقية وتصحيح الكشوف. على مدار شهر ونصف يحق للمواطن الاطلاع على الكشوف والاعتراض عليها بصفته «صاحب مصلحة»، «أى المواطن نفسه أو من ينوب عنه ومعه صورة من بطاقته، ممكن يكون النائب المترشح فى الدائرة». الأمر ببساطة يعنى المطالبة بتصحيح أى أخطاء فى الاسم أو الوفيات. الكمبيوتر والأخطاء «نسبة الأخطاء كانت عالية زمان»، يعتقد اللواء قمصان لكن «الآن يوجد جهاز كمبيوتر فى 356 مركزا وقسم شرطة، ما يسمح بتنقية الكشوف تلقائيا، فى أحيان كثيرة». لكن فى أحيان أخرى لا يحدث ذلك ويتسبب خطأ إملائى بسيط فى منع عدد ليس بقليل من الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، وهو ما تشكو منه المعارضة وتعتبره «إحدى أدوات التزوير فى الانتخابات». «الجداول مليئة بالأخطأ، هذا صحيح لكن لا تملك الإدارة سلطة تصحيحها. الشخص نفسه أو صاحب مصلحة لابد أن يطلب التصحيح ويرفع الطعن للجنة مشكلة من رئيس المحكمة الابتدائية ومدير الأمن ورئيس نيابة. وما يصدروا من قرار أنا ملزم بتنفيذه. المواطن لازم يتحرك». وأكثر ما يشغل السياسيون سواء فى الحزب الوطنى الحاكم أو فى الأحزاب المعارضة هو أن يستجيب الناخبون لدعوات المشاركة ويتوجهون إلى صناديق الاقتراع للادلاء بأصواتهم ولكن قبلها يقومون بإدراج أسمائهم فى كشوف الانتخابات أو تصحيحها. «الديمقراطية ممارسة، كيف تمارسها بدون البطاقة»، «احسبها صح علشان تعيش صح والبطاقة الانتخابية أول الطريق الصح»، شعارات كتبت على أفيشات فى أماكن بارزة فى حى الزمالك. دائرة قصر النيل، هى الدائرة انتخابية لهشام مصطفى خليل نائب مجلس الشعب عن الحزب الوطنى. للسنة الثانية على التوالى يطلق حملة تدعو المصريين لجدولة انفسهم فى الانتخابات. «إحنا داخلين على 3 انتخابات مهمة فى 2010 و2011». يعتقد نائب الوطنى أن مثل هذه الحملات تؤتى ثمارها، حتى وإن كانت بشكل ضعيف. «أنا عارف أن من ذهب للتسجيل هذه السنة من الدايرة عدد أكبر». الانتخابات المقبلة هى مبادرة شخصية كما يقول، وليس دفعا من الحزب الحاكم الذى ينتمى إلى صفوفه «للأسف لم يتبن الحزب هذه المبادرة». لماذا؟ «لا أعلم» دعوات تتم على استحياء من الأحزاب الرسمية، ويبدو أنها فى لحظات كثيرة تصطدم ليس فقط بعدم علم المواطنين وإنما بفتور وعدم ثقتهم فى العملية الانتخابية من الأصل. «صوتى أكيد مش هايفرق السنة دى. المرشح إللى هاديه صوتى مش هايكسب. لكن بعد سنين هانكون كثير وصوتنا هايفرق»، تعلن شمس بنفس الحماس. وهذه المرة «صوتى لنفسى. بينى وبين نفسى هاكون شاركت بإيجابية».