تجلس المعلمة سارة على الأرض وسط الأطفال فى جلسة عربية، وتبدأ برواية حكاية، والأطفال يستمعون لها فى انسجام تام. المشهد يتناقض مع مدخل الشارع الضيق الذى توجد به مكتبة «ألوان وأوتار»، بمنطقة الزلازل فى حى المقطم. هنا يوجد سوق الخضار، ومياه الصرف الصحى التى تغطى أرض الشارع، ويصعب معها السير. والأطفال يلهون بالسب والضرب هنا وهناك بالملابس المنزلية البسيطة. أما داخل المكتبة، فالأطفال «يعشقون لعب الكمبيوتر وتعلم الخط العربى والشعر، ومشاهدة الأفلام ومناقشتها»، كما تقول عزة كامل المديرة التنفيذية لجمعية ألوان وأوتار. «يتردد نحو 60 طفلا كل يوم على المكان»، تتابع عزة الأطفال فى سعادة، وكلما دخل طفل من باب المكتبة المفتوح دائما، استقبلته بابتسامة، «أول شىء يتعلمه الطفل فى المكتبة هو النظام، فهو يخلع شبشبه، ويضعه على الرف المخصص عند المدخل بنظام». أحمد طالب الثانوية العامة أكثر المترددين على المكتبة، مع أخويه عبدالعزيز طالب الآداب قسم الفلسفة، وعلى 11 سنة. «أحمد أول واحد دخل المكتبة، مع أخويه يوم الافتتاح منذ نحو خمسة أشهر، وهو مشارك تقريبا فى معظم النشاطات المقامة فى المكتبة والجمعية». يعترف أحمد بأن جدته شجعته على متابعة النشاطات هو وأخواه «علشان فيه رحلات ببلاش»، ويؤكد أنها تنظر إلى أهمية المكتبة من ناحية مادية فقط. يعيش أحمد مع أخويه فى منزل جدته، كان دون العاشرة عندما انتقلت والدته ووالده للعيش فى منطقة دار السلام بسبب مشاكل بين والدته وجدته، وتركت الأطفال فى بيت الجدة لارتباطهم بمدارسهم فى منطقة الهضبة الوسطى. يعمل أحمد بجانب دراسته فى مصنع صابون، ولكن هذا لا يمنعه عن ممارسة نشاط الخط العربى، والمسرح وعزف الجيتار، وهو يرفض المصروف من والده، فراتب والده أقل من 300 جنيه فقط. تبتسم عزة وهى تنظر تجاه بعض الصغار وهم يجلسون على الأرض للقراءة «الأطفال دول كانوا بيكرهوا الكتب»، فهى قضت معظم عمرها خارج مصر متنقلة بين عدة دول غربية، وحصلت على الثانوية من انجلترا وعند عودتها إلى مصر للدراسة بالجامعة، وجدت أن القراءة مرتبطة مع الطلاب بالدراسة، وخاصة الأطفال لأنها تذكرهم بكتاب المدرسة، وهى ترى أن غالبية أطفال منطقة الزلزال فى مدارس حكومية، «ومش بيعرفوا يتهجوا الكلمات». كل ما يشغل بال سارة المدرسة بالمكتبة هو خلق روح الفريق داخل هؤلاء الأطفال، فى رأيها هذا يجعلهم أقل عنفا، «بدل ما يضربوا بعض»، فهى تشجعهم على العمل فى شكل فريق، عن طريق القراءة معا، ومساعدة الآخر. سارة خريجة تجارة القاهرة دفعة 2009، هى إحدى المعلمات بالمكتبة. أهم المشكلات التى تواجهها خلال عملها فى المكتبة هى أن «الأطفال الكبار لا يجيدون القراءة». كانت متوقعة عند قدومها للعمل فى المكتبة، منذ أربعة أشهر، أن نشاط قراءة الحكايات، يقتصر على الأطفال الأقل من ست سنوات، لكنها اكتشفت بعد الممارسة أن «أطفال الهضبة الوسطى حتى العاشرة لا يعرفون تهجى الكلمات بطريقة صحيحة». تتذكر عزة كامل عندما لعبت مع الأطفال لعبة «أتوبيس كومبليت»، شعرت وقتها بمدى المعاناة التى يعيشها هؤلاء الأطفال، فهم على حد وصفها «مفيش عندهم معلومات عامة»، ولا يستطيع أى طفل منهم الربط بين المعلومة التى يمتلكها وهدفه. فهى تتذكر أن «ولا واحد منهم عرف يجيب بلد على حرف الميم»، وعندما حاولت أن تساعدهم، قالت لهم «اسم بلدكم إيه؟»، فتقول عزة فى أسف كانت الإجابات بنى سويف، والمنيا، والزقازيق، وغيرها من المحافظات التى ينتمى لها كل طفل، ولم يربط واحد منهم فقط حرف الميم بمصر. تهدف عزة من المكتبة الى تنمية أطفال المنطقة التى وصفتها بالمهمشة، وتتمنى أن «تكسر حلقة الفقر اللى هما عايشين فيه»، ومنحهم مهارات تفتقر مدارسهم إليها، منها التعلم بالمعايشة. فضمن نشاطات المكتبة يذهب الأطفال المترددين على المكتبة والذين تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات وخمسة وعشرين عاما، إلى رحلات علمية وتثقيفية، وتتذكر عزة أن الأطفال «شرحوا وطواط» عند ذهابهم فى رحلة إلى وادى دجلة. يرفض والد أحمد عمله ويريده أن ينتبه لدراسته الثانوية ليدخل إلى الجامعة، ولكن أحمد أصر على العمل ولا يهتم بدراسته، لأنه يبرر موقف أسرته «إنهم «عيلة مش راقية» وكل ما يشغل بالهم إن أدخل إلى الجامعة، «ومش مهم ها درس إيه»، أحمد يضطر للكذب على صاحب المصنع ليذهب إلى نشاط المسرح، يقول له «عندى درس»، لكن عزة ردت سريعا «ليه بتكدب؟»، أحمد يبرر لها كذبته الصغيرة بأن صاحب المصنع «هيتريق عليا لو قلت له رايح أتعلم مسرح».