فى مصر مجموعة من المؤشرات التى تصدر عن جهات مختلفة لتعبر عن مستوى التشغيل أو العمالة، منها مؤشر الطلب على العمالة المصرية، الذى يصدر عن مركز معلومات مجلس الوزراء، ومؤشر التشغيل الذى تصدره وزارة التنمية الاقتصادية، ضمن تقرير المرصد الاقتصادى والذى يقيس انعكاسات الأزمة العالمية على الاقتصاد المصرى بشكل شهرى، كما يصدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بارومتر الأعمال الذى يتضمن مؤشرا للتشغيل، فيما يعد الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مؤشرا للبطالة مبنى على بيانات ربع سنوية لوزارة القوى العاملة. والظاهرة الملموسة مع كثرة هذه المؤشرات، هى تضارب المعلومات وعدم دقتها، فكثيرا ما تختلف الأرقام والنسب من جهة إلى أخرى. فجاء المؤشر الصادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء ليظهر تراجع الطلب على العمالة المصرية خلال نوفمبر الماضى بنسبة 66%، مقارنة بأكتوبر الماضى، بينما جاء المرصد ليظهر تحسن مؤشر التشغيل خلال نوفمبر بنسبة 6.19%، مقارنة بأكتوبر. فى الوقت نفسه، يظهر البارومتر استقرار مؤشر التشغيل خلال نفس الشهر. ويعتبر أحد العناصر الأساسية التى تسبب التضارب فى بيانات البطالة فى مصر أن البيانات الخاصة بحجم قوة العمل (عدد السكان فى سن العمل)، والتى يحسب معدل البطالة على أساسها، يتم تغييرها «بشكل غير منطقى»، كما يقول تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية، لعام 2009، والذى يصدره مركز الدراسات السياسية بالأهرام، «ففى عام 2002 نشر البنك الدولى، بناء على بيانات رسمية مصرية قدمت إليه، أن تعداد قوة العمل قد بلغ 25.9 مليون شخص فى ذلك العام. وبعد ست سنوات من هذا التاريخ تشير البيانات الرسمية لعام 2008 إلى أن قوة العمل بلغت 24.6 مليون شخص»، أى أن قوة العمل تقلصت رغم أن صافى عدد الداخلين الجدد لسوق العمل يبلغ نحو 900 ألف شخص سنويا، بحسب التقرير. ويعنى هذا التقليص فى حجم قوة العمل أن نسب البطالة الرسمية تقل كثيرا عن الواقع. «تتضارب البيانات الخاصة بالعمالة المصرية، بسبب وجود العديد من المؤشرات التى تصدرها جهات مختلفة عن التشغيل والبطالة والتوظيف»، تبعا لسمير رضوان، عضو مجلس أمناء هيئة الاستثمار مشيرا، إلا أن كل جهة من هذه الجهات تعتمد على مفهوم خاص بها فى تقييمها للتشغيل أو التوظيف أو البطالة، مما أدى إلى تضارب البيانات بدلا من تكاملها واتفاقها مع بعضها البعض. ويشير تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية، إلى أن اختلاف تعريف فرصة العمل يسهم فى عدم دقة البيانات المتاحة حول العمالة فى مصر، موضحا أن البيانات الرسمية عن معدل البطالة تعتبر «من يعملون بصورة موسمية أو من يعملون نصف أو ربع الوقت أو حتى أقل من ذلك»، عاملين فعليا. ويرجع التقرير إلى استطلاع للرأى أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء فى عام 2008، حول البطالة، تشير نتائجه إلى أن 58% ممن استطلعت آراؤهم من العاملين معينين أو متعاقدين مع جهات العمل، بينما 42% منهم عمالة مؤقتة أو موسمية، مدللا على أن ذلك مؤشر على ارتفاع نسبة العمالة المؤقتة فى قوة العمل المصرية، حتى لو كانت النسبة غير دقيقة، نظرا لاعتمادها على استطلاع للرأى (مع ما قد يشوبه من عيوب علمية). وتؤكد هبة الليثى أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة أن «كل جهة تترك تعريف التشغيل أو التوظيف للناس، الذين تستطلع آراءهم لإعداد مؤشرها، بينما من المفترض أن تضع جهة الاستطلاع تعريفا محددا وأسئلة محددة للإجابة عنها، بحيث لا يختلف المعيار باختلاف إجابة المستطلعين». «يجب توحيد البيانات أو توحيد الجهات التى تصدر هذه المؤشرات، وعلى الأرجح يكون الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء هو الجهة المسئولة عن ذلك، يعتمد فى نتائجه على البحث بالعينة»، كما تقول أمنية حلمى أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، موضحة أن بعض الجهات التى تعد مؤشرات للعمالة تعتبر مثلا أن من يمتلك والده عقارا لا يحسب ضمن العاطلين، على اعتبار أن لديه دخلا. ومن وقائع التضارب فى البيانات الحكومية حول البطالة التى يسوقها أحمد النجار، رئيس تحرير تقرير اتجاهات اقتصادية استراتيجية، أن بيانات البنك المركزى المأخوذة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، والتى يصدرها فى نشرته الشهرية، كانت تشير على سبيل المثال إلى أن إجمالى عدد المشتغلين عام 2005 /2006 قد بلغ 19.7 مليون عامل، وأن عدد المشتغلين فى 2006 /2007 قد بلغ 20.1 مليون، وهو ما يعنى خلق 400 ألف وظيفة جديدة خلال ذلك العام، إلا أنه تم تخفيض الرقم الخاص بعام 2005 /2006 بأثر رجعى فى نشرات لاحقة للبنك، استنادا لبيانات من وزارة التنمية الاقتصادية، «حتى يقال إنه تم خلق 600 ألف فرصة عمل جديدة فى 2006 /2007»، راصدا أن هذا الأمر تكرر فى سنوات أخرى. وكانت وزارة القوى العاملة أعلنت من خلال النشرة القومية للتشغيل عن توفيرها لنحو 30.155 ألف فرص عمل للشباب، خلال نوفمبر الماضى، وهو ما يعتبره سمير رضوان منافيا للواقع الحقيقى لسوق العمل، والدليل على ذلك «ارتفاع معدل البطالة فى مصر»، ويقول رضوان إن «افترض صحة هذه الأرقام يعنى أن سوق العمل المصرية بحاجة إلى عمالة أجنبية لسد العجز فى فرص العمل المتوافرة، والتى لا تجد من يشغلها». وتؤثر البيانات غير الدقيقة على ثقة الشباب البحث عن العمل، فيقول، أحمد محمود خريج كلية تجارة، إن «كثرة المؤشرات الصادرة عن العمالة وحال سوق العمل المصرية، لم تعد تجعلنى أصدق نتائجها»، مضيفا إن عدد الفرص التى توفرها النشرة القومية للتشغيل بشكل أسبوعى، لا تعبر عن الحقيقية الخاصة بفرص العمل. وتؤيد الليثى، هذا الرأى، مشيرة إلى أن هذه الأرقام مغال فيها، كما أن «هذه الفرص تتنافى مع تعريف منظمة العمل الدولية عن العمالة اللائقة، بالإضافة أنه إذا افترضنا أن هذه الأرقام صحيحة فهى تعد عمالة مؤقتة تنتج عنها بطالة فى وقت لاحق، مما يؤدى إلى ارتفاع معدل البطالة الحقيقى»، وفقا لها، مشيرة إلى تعسف أصحاب العمل، بالإضافة إلى انتهاك حقوق العمل، عن طريق استخدام استمارة 6 لتسريح العمال بدون مبرر أو إجبارهم على العمل بأجور متدنية، يخلق بطالة خلال فترة قصيرة من تعيين الشباب. ومفهوم «العمل اللائق» بحسب منظمة العمل الدولية يعنى توفير فرص العمل المنتج، والذى يحقق دخلا عادلا، ويحقق الأمن فى مكان العمل، والحماية الاجتماعية للأسر، ويتضمن فرصة للترقى، ويتيح للأشخاص حرية التعبير عن شكواهم. وكانت نتائج بحث القوى العاملة الذى أجراه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، قد أظهرت تراجع معدل البطالة فى مصر ليصل إلى 9.26% خلال الربع الأول من العام المالى الحالى، مقابل 9.42% فى الثلاثة أشهر الأخيرة من العام المالى 2008 /2009، بينما تشير الإحصاءات غير الرسمية إلى تجاوز معدل البطالة الحقيقى ل15% حاليا.