لم يكد الإعلام الرسمى يخرج من دائرة اتهامه بفقدان المصداقية، والتشكيك فى المعلومات التى يعرضها على المشاهدين بدعوى اقتصاره على تبنى وجهة النظر الحكومية طوال تاريخه، حتى تعرض لاتهامات أخرى أكثر قسوة تتمثل فى فشله فى نقل وجهة النظر المصرية بوضوح تجاه القضايا العربية المهمة، وآخرها قضية الجدار العازل وتركه الساحة الإعلامية خالية أمام قنوات أخرى تسعى للمزايدة على الموقف المصرى، وبدلا من أن يتخذ الإعلام الرسمى المبادرة، تراجع خطوة الى الوراء ليتحول إلى مجرد رد فعل. وليس أدل على ذلك من الهزات التى تعرض مبنى ماسبيرو مؤخرا بسبب زلزال قنوات «الجزيرة»، فبعد أن فرضت قناتها الإخبارية هيمنتها على الإعلام فى العربى، ونجحت فى تشكيل رأى عام وتوجيهه بتغطيات خبرية متفردة لكثير من الاحداث، بدأت قنوات الجزيرة الرياضية فى بسط نفوذها، بضخ المليارات لشراء واحتكار بطولات اللعبة الشعبية الأولى فى العالم: كرة القدم، كما حدث فى بطولة كأس الأمم الأفريقية المقامة حاليا فى أنجولا، كل هذا يحدث واتحاد الإذاعة والتليفزيون أقدم المؤسسات الإعلامية العربية يقف محلك سر. «الشروق» تفتح ملف تعامل إعلام الحكومة فى ظل منافسة لا ترحم. منال الدفتار: الجبن الوظيفى يحرمنا من شرف المبادرة منال الدفاتر، رئيس قناة النيل الإخبارية تقول: «نحن جميعا فى قناة مصر الإخبارية مقتنعون بالحلم ومؤمنون بأننا قادرون على أن نكون إعلام مبادرة، خاصة أننا نمتلك العناصر البشرية القادرة على تحقيق نتائج مبهرة، ويكفى أن القنوات العربية الأخرى تقوم على أكتاف المصريين». لكنها أشارت إلى ما تحتاجه المؤسسات الإعلامية المصرية لتأخذ زمام المبادرة بالقول: «نحتاج إلى توفير إمكانات مادية، وبالمناسبة فإن العمل الإعلامى الناجح مكلف للغاية، ومصر تستحق أن يكون لديها إعلام قوى يتناسب مع مكانتها وتاريخها وتأثيرها فى المنطقة، وأنا عن نفسى أرفض أن يعتمد إعلامنا على رد الفعل، وأتمنى أن نكون أصحاب المبادرة خاصة أننا أصحاب حق ولابد أن نتبنى فكرنا وتوجهاتنا، وهذا ما نسعى لتحقيقه فعليا ولكن وفقا للإمكانات المتاحة حاليا مع الوضع فى الاعتبار أنه أمامنا مشوار طويل. وأوضحت أن العقول، التى تعمل تحت مظلة إعلام الدولة، إما أن يسيطر عليها الخوف الشديد، وهو ما يعرف بالجبن الوظيفى وأما عن رعونة قد توقعنا جميعا فى مخاطر عديدة، كما أن ثقافة التعامل فى مجال الإخبارى لا تزال بحاجة إلى انتشار وتعمق، وهى أشياء يمكن معالجتها، لكننا بحاجة للوقت والصبر. جمال الشاعر: نفتقد التواصل مع الرأى العام العربى يقول الإعلامى جمال الشاعر رئيس قناة الفضائية المصرية: «أعترف وأقر بأنه ليس هناك تواصل حقيقى بين الإعلام الرسمى والرأى العام العربى أو الدولى، خاصة فيما يتعلق بتوضيح وجهة النظر المصرية تجاه القضايا المهمة، وهو ما دفعنى لحظة أن توليت منصب رئيس قناة المصرية إلى أن أتوجه بقوة إلى المصريين والعرب فى العالم أجمع، ووصلت لصيغة جميلة مع عبداللطيف المناوى رئيس قطاع الأخبار أتصور أنه النموذج الأول الجيد فى التعاون بين قطاعات اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهى صيغه تقضى بالاستفادة من شبكة مراسلين قطاع الأخبار الموجودة فى كل مكان لعمل تقارير خصيصا لقناة المصرية فى مزيد من تحقيق التواصل مع الوطن العربى وأوربا وأمريكا، وانتهينا فعليا من تصوير عدد من الحلقات لبرنامج «وصال» فى كل من نيوزيلندا واستراليا وألمانيا وسنسجل حلقات فى أمريكا، وقريبا جدا سندشن برنامجا جديدا، وهو توك شو يتم عرضه يومين فى الأسبوع، وهما يوما الإجازة للمغتربين وفيه سنتكلم بشفافية مطلقة عن كل ما يجرى فى مصر ونقدم جميع الحقائق ونتناول كل المشكلات لنكون أصحاب المبادرة فى عرض قضايانا وفتح حوار مع كل من يرغب فى المشاركة». ميرفت القفاص: مقصرون وإمكاناتنا فقيرة ميرفت القفاص رئيس قناة نايل تى فى تقول: «إننا بالفعل مقصرون فى نقل صورة متكاملة عنا، ولم نستطع التواصل مع الآخر وتوضيح وجهة النظر المصرية بشكل فعال وفشلنا أن نكون أصحاب مبادرة لأنه وبصراحة أيضا نحن نعمل وفقا لإمكانات فقيرة للغاية، ويكفى أننا نفتقد إلى استوديو، وهو أبجديات العمل الإعلامى فنحن ليس لدينا أموال أو مراسلون أو أجهزة ذات كفاءة، فكيف نعمل وننجز فى ظل هذه المشكلات التى لا تتماشى مع طموحاتنا الإعلامية، والتى لا نرى لها حدودا، فمن يريد أن يفشل ومن يريد أن يظل بعيدا عن أجواء المنافسة ناس بلا «حس أو خبر»، ومع هذا فنحن نبذل قصارى جهدنا إيمانا منا بأن يد التطوير ستطولنا إن آجلا أم عاجلا، لكن فى إطار الحديث بصراحة أيضا أتصور أننا نعطى الجزيرة حجما أكبر من حجمها وأهمية كبيرة لا تستحقها فنحن لا نقارن معها حتى ونحن بإمكاناتنا المتواضعة، فهى قناة لها أجندتها الخاصة التى أفقدتها مصداقيتها. نبيلة مكاوى: أسباب أمنية تعوقنا تقول الإذاعية نبيلة مكاوى رئيس شبكة صوت العرب: نحن نعمل وفقا لمنظومة سياسية فى النهاية تصب للصالح العام، وربما تكون هناك قضايا مهمة لا نتطرق لها فى حينها لأسباب أمنية، الأمر الذى يترتب عليه إساءة لفهم موقف إعلام الدولة فى حينها، لكن فى النهاية مصر لها دور كبير فى حل مشكلات العرب، ولكن يحكم أنها دولة كبيرة ولها دور قومى، وقد ترى أن هناك موضوعات تمس الأمن القومى فلا تعلن عنها فى حينها فنحن لدينا إحساس بأننا الدولة الكبرى، وعليه ليس بالضرورى أن نفصح بما لديها، لكن هناك من يستغل هذا الكبرياء، ويقوم بتفسير الصورة بشكل غير لائق متناسين البعد العربى والقومى فى محاولة لتشويه مصر بتناول الموضوعات لما يتراءى لهم إعلاميا، لكننا كإعلام رسمى عندما نتعامل مع القضايا العربية نتعامل بشفافية شديدة وبحوار واعٍ ومسئول بعيدا عن المهاترات والمنافسات التجارية، ونرفض الصوت العالى ونسعى لحوار هادئ بناء ولا ندافع عن قرارات مصر لأن مصر غير متهمة ومواقفها تشهد على عروبتها، وأنا مع الحفاظ على أمن مصر كل قوة لأن مصر لو تم اختراقها لانهارت المنطقة العربية عليه أرفض سياسة جلد الذات وأرفض أن نكون إعلام مزايدة. د. عدلى رضا: استراتيجية الفهلوة والبركة شوهت إعلامنا ويقول الدكتور عدلى رضا رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة: «اهتمامنا بالكم على حساب الكيف وأصبح لدينا عدد من القنوات لا حصر لم تستطع أى منها أن تحقق أى شىء مقابل قناة واحدة صنعت دولة، وهى قناة الجزيرة تلك القناة، التى نجحت فى كسب مصداقية كبيرة فى الشارع العربى مهما حاول البعض فى التشكيك فيها، وفى قدراتها، وللأسف إعلامنا الذى طور شكله دون أن يطور مضمونه يعتمد فى استراتيجيته الشطارة والفهلوة الإعلامية والسير بالبركة دون تخطيط علمى مبنى على دراسة خصائص واحتياجات المتلقى وعليه شاهدنا إعلاما متلقيا ينتظر وقوع الحدث بدلا من أن يعيشه ويقدمه، وبدأنا نتلقى حملات إعلامية مضادة وهناك من يساوينا مع إسرائيل دون أن نجد أى خطوة إعلامية جادة تتخذ فى هذا الشأن فنحن بحاجة إلى جرأة الطرح لقضايانا ومناقشتها دون خوف بدلا من أن تأتينا من جهات أخرى مشوهة، ونبدأ مرحلة الدفاع عن أنفسنا كما أننا بحاجة إلى إعادة صياغة الخطاب الإعلامى وبحاجة إلى استراتيجيات واضحة المعالم تخدم المصلحة العامه وتلم بالمستويات كافة، الداخلية والخارجية، خاصة أن عصر الشطارة انتهى وعلو الصوت لا يصلح الآن نحن نريد أن نرى تأثير واضحا لقناة مصر الإخبارية، وهذا لن يحدث إلا بضخ إمكانات مالية كبيرة فيها ومصر تستطيع، كما نريد أن تزيد مساحة الحرية على أن تكون حرية مسئولة فنحن ضد حرية التخريب، وللأسف المؤسسات الإعلامية لدينا راصدة، وليست محللة وتعتمد على العفوية ولا تعتمد على العلم.