رئيس جامعة جنوب الوادي يتفقد تشغيل بوابة 3    سعر الدولار اليوم الاثنين 21/10/2024 مقابل الجنيه المصرى    الإسكان تعلن تعديل حدود الدخل للتقديم على شقق الإسكان الاجتماعي ضمن مبادرة "سكن لكل المصريين"    "اليونيفيل" تؤكد إصرارها على البقاء فى لبنان رغم الانتهاكات الإسرائيلية    عاجل:- رئاسة الأركان العامة للجيش الكويتي تنفي نقل أسلحة إلى إسرائيل عبر القواعد الجوية الكويتية    وزير الخارجية: نرفض بشكل كامل المساس بسيادة لبنان وسلامة أراضيه    قتلى في الغارة الإسرائيلية على بعلبك شرقي لبنان    تفاصيل جديدة في أزمة كهربا ..مشاركة طاهر "شرارة" الأزمة    جهاد جريشة يحسم الجدل بشأن هدف الأبيض.. ويؤكد: ثنائي الأهلي والزمالك يستحقان الطرد    حزب الله يستهدف منطقة عسكرية إسرائيلية في الجولان المحتل بالطيران المسير    نقيب الصحفيين: لن نفتح باب الانتساب إلا بعد موافقة الجمعية العمومية    وزير التموين يلقي بيان أمام مجلس النواب اليوم    استقرار أسعار الفراخ البيضاء في الأسواق المحلية اليوم 21 أكتوبر    عمرو أديب يشيد بكلمة الرئيس السيسي حول صندوق النقد الدولي والإصلاح الاقتصادي    سعر الدولار اليوم في مصر مع انخفاض طفيف في بعض البنوك    تفاصيل استبعاد كهربا من معسكر الأهلي في الإمارات.. مفاجآت الساعات الأخيرة    الأرصاد الجوية : الطقس مائل للحرارة نهارا معتدل ليلا ونشاط رياح والعظمى بالقاهرة 29 درجة    جبران: عرض مسودة قانون العمل على مجلس الوزراء نهاية الأسبوع الجاري    وزير الصحة ونظيره اليوناني يتفقدان مستشفى العاصمة الإدارية الجديدة    وزير الصحة اليوناني يشيد بجهود الدولة المصرية للنهوض بالمنظومة الطبية    مالك مطعم صبحي كابر: الحريق كان متعمدًا والتهم الطابق الثالث بالكامل    حزب الله يعلن إسقاط هرمز 900 إسرائيلية    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال استهدف مدرستين تؤويان نازحين في جباليا    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» الاثنين 21 أكتوبر 2024    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    عاجل.. كولر «يشرح» سبب تراجع أداء الأهلي أمام سيراميكا ويكشف موقف الإصابات في نهائي السوبر    علي الحجار يستعد لتقديم موهبة جديدة في حفله بمهرجان الموسيقى العربية    أبرزهم هشام ماجد ودينا الشربيني.. القائمة الكاملة للمكرمين في حفل جوائز رمضان للإبداع 2024    حظك اليوم برج القوس الاثنين 21 أكتوبر 2024.. مشكلة بسبب ردود أفعالك    موقع تحديث بطاقة التموين 2024.. والحكومة تكشف حقيقة حذف 5 سلع تموينية    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    «زي النهارده».. تدمير وإغراق المدمرة إيلات 21 أكتوبر 1967    خلال ساعات.. نظر استئناف المتهم بقتل اللواء اليمني حسن العبيدي على حكم إعدامه    مدحت شلبي: محمد الشناوي يحمي عرين الأهلي في نهائي السوبر    لبنان.. إخلاء بلدية صيدا بسبب تهديدات الاحتلال الإسرائيلي    لاعب الأهلي السابق: تغييرات كولر صنعت الخلل أمام سيراميكا    حسام البدري: إمام عاشور لا يستحق أكثر من 10/2 أمام سيراميكا    إصابة 10 أشخاص.. ماذا حدث في طريق صلاح سالم؟    حادث سير ينهي حياة طالب في سوهاج    المندوه: السوبر الإفريقي أعاد الزمالك لمكانه الطبيعي.. وصور الجماهير مع الفريق استثناء    6 أطعمة تزيد من خطر الإصابة ب التهاب المفاصل وتفاقم الألم.. ما هي؟    إخلاء سبيل مساعدة هالة صدقي بعد سماع أقوالها في البلاغ المقدم ضدها    هيئة الدواء تحذر من هشاشة العظام    الاثنين.. مكتبة الإسكندرية تُنظم معرض «كنوز تابوزيريس ماجنا»    22 أكتوبر.. تعامد الشمس على معبد أبو سمبل الكبير    «هعمل موسيقى باسمي».. عمرو مصطفى يكشف عن خطته الفنية المقبلة    في دورته العاشرة.. تقليد جديد لتكريم رموز المسرح المصري ب"مهرجان الحرية"    مزارع الشاي في «لونج وو» الصينية مزار سياحي وتجاري.. صور    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    كيف تعاملت الدولة مع جرائم سرقة خدمات الإنترنت.. القانون يجب    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الخليفة دون إصابات    النيابة تصرح بدفن جثة طفل سقط من الطابق الثالث بعقار في منشأة القناطر    ملخص مباراة روما ضد إنتر ميلان في الدوري الإيطالي.. فيديو    وفود السائحين تستقل القطارات من محطة صعيد مصر.. الانبهار سيد الموقف    وزير الشؤون النيابية: قانون العمل الجديد يحقق التوازن بين العامل وصاحب العمل والدولة    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة عامة للبرلمان بشأن خطة «الزراعة» لتعزيز الأمن الغذائي    زوجى يرفض علاجى وإطعامي .. أمين الفتوى: يحاسب أمام الله    أستاذ تفسير: الفقراء يمرون سريعا من الحساب قبل الأغنياء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الإبداع بديل للاكتئاب؟
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 12 - 2009

لا أميل عادة للدراسات التى تبحث فى الأدب عن شىء آخر خارجه، ومنها تلك الدراسات التى تقلب فى الإبداع الفنى لتخرج منه بتصور لنفسية صاحبه، حيث تتجاوز هذه الكتابات حدود الأدب للتفتيش عن الخصائص النفسية لمبدعه، وهنا يصبح العمل الأدبى بكل جماله وجلاله وسيلة لا غاية.
وهذا الهوى الشخصى لا يمنعنى من قراءة مثل هذه الأبحاث التى نجد فيها بالتأكيد نوعا من أنواع التفسير للنصوص الأدبية، يثبت أن هذه النصوص ليست جامدة ولا يوجد لها معنى وحيد يرادفها، بل هى مركز مشع بالطاقات الدلالية المتعددة وفقا لتفاعلها مع ثقافة مفسرها، ومن هذه الزاوية تعود لتلك النصوص الإبداعية مرة أخرى كينونتها السامية والمتفردة.
ومن بين الدراسات المتميزة فى هذا المجال دراسة الأستاذ الدكتور يحيى الرخاوى عن رباعيات صلاح جاهين بعنوان (شخصية جاهين «الفرحانقباضية»من رباعياته)،فقد كان الرخاوى شديد الذكاء فى هذه الدراسة،حيث إنه لم يورط نفسه فى محاولة اكتشاف خصائص نفسية للمبدع من نصوصه الأدبية قد تنطبق عليه فى الواقع وقد لا تنطبق،لكنه قد ارتكز على وصف جاهين نفسه لحالته العقلية الكامنة وراء كتاباته فى مقال بمجلة صباح الخير بأنها «فرحانقباضية»،أى تتراوح ما بين الفرح الذى قد يرتقى لقمة الهوس والانقباض الذى قد يهبط لسفح الاكتئاب.. ثم راح يدلل على صدق هذا التشخيص فى مجال بحثى محدود هو الرباعيات فقط، لأنه يرى أنها تمثل جرعة مكثفة من فكر نابض، وأنها تكاد تقترب فى تكاملها من فلسفة حياة بكاملها،لهذا فهى وحدها تفى بإيضاح هذا التناوب، على الرغم من اعترافه بأن مثل هذه الدراسة لا تكتمل إلا بالعودة لبقية إنتاج جاهين كله.
ويرى الرخاوى أن القلق الوجودى الذى نلاحظه فى أسئلة جاهين التى تنتشر فى رباعياته دون إجابات، مثل قوله: أسأل سؤال والرد يرجع سؤال/واخرج وحيرتى أشد مما دخلت.. وقوله: دقيت سنين والرد يرجع لى: مين/لو كنت عارف مين أنا، كنت أقول.
هذا القلق الوجودى الملح، هو الثقل المتذبذب الذى يظل يحرك كفتى الميزان، لتميل إحداهما إما إلى الفرح وإما إلى الانقباض،حيث تتكرر نوبات الوجود بشكل منتظم، لكن دون نظام تكرارى ثابت يضمن التساوى فى هذا التراوح.
ويرى الرخاوى أن «رباعيات جاهين تكاد تظهر كل أعراض الاكتئاب بلا استثناء، من أول عدم الاكتراث والملل، إلى الشعور بالضياع وفقدان المعنى، إلى الإحساس بتغير الكون وتغير الذات،ثم الميل إلى الانتحار أو العجز عن الانتحار، كل ذلك يتتابع فى صور برغم مرارتها جميلة،حتى تجعلنا نحب ما لا نحب،أو على الأقل نقترب من صدق معاناة من يعايشها، فى تعاطف متألم قد يخفف عنه، وقد يشجعنا على خوض ما نخشى».
وقد استطاع الرخاوى فى تحليله الممتد اكتشاف مقاطع فى الرباعيات تشير إلى أعراض مرضية مصاحبة لحدة الاكتئاب،مثل مرض يسمى «الشعور بتغير العالم من حول المكتئب»حيث يشعر بتغير إدراك الكون والناس،وصلاح يقول فى ذلك: والناس ماهماش ناس بحق وحقيق.
كذلك فإن الشخص الذى يعانى من شدة الاكتئاب يرى أن كل شىء مهما تنوعت صور جماله وتجليات لغاته قد صار إلى سواد، وصلاح يقول: أعرف عيون هى الجمال والحسن وأعرف عيون تاخد قلوب بالحضن وعيون شقية وقاسية وعيون كئيبة وباحس فيهم كلهم بالحزن.
ويوضح الرخاوى أن أحد أشكال الاكتئاب يظهر على عكس ما قد نعتقد فى شكل الإفراط فى السخرية اللاذعة التى تكون عدمية أو إعدامية على حد تعبيره، وأننا نرى ذلك مثلاً حين يسخر جاهين حتى من الطير فى السماء،ويذكره بالموت والعفن اللذين ينتظرانه، وكأن جاهين من فرط اكتئابه يرفض أن يرى كائنا حيا مخدوعا بالحياة،حيث يقول: يا طير يا عالى فى السما طظ فيك/ما تفتكرش ربنا مصطفيك/برضك بتاكل دود وللطين تعود/تمص فيه يا حلو،ويمص فيك.
وعلى الرغم من هذا الاكتئاب الدفين فإن الانتقال إلى طور الفرح يمثل فى أحيان كثيرة مفاجأة كبرى غير مبررة بالواقع المحيط أو الأحداث الجارية،حيث يقول جاهين مثلاً: فى يوم صحيت شاعر براحة وصفا/الهم زال والحزن راح واختفى.
وقد تتحول هذه السعادة إلى سعادة داخلية تنمو وتزدهر حتى فى وحدته وبدون سبب،سعادة تخترق حاجز الزمان والمكان، وكأنه يعيش فى بؤرة وعى الكون،حيث يقول:إيديّا فى جيوبى وقلبى طِرِبْ سارح فى غربة بس مش مغتربْ وحدى ولكن ونسان وماشى كده وبابتعد ما عرفشى أو باقترب.
وقد يصل هذا الطور الفَرِح إلى حد الهوس الذى يتصف فى قمته بحب الحياة فى أى مكان وفى أى صورة، لأنه حب غالب غامر فياض ينطلق إلى لب الحياة فى أى شىء وكل شىء،حيث يصور جاهين هذا قائلاً:أحب أعيش ولو أعيش فى الغابات أصحا كما ولدتنى أمى وأبات طائر، حِوان، حشرة، بشر، بس أعيش ما أحلى الحياة حتى فى هيئة نبات.
وأظن أنه قد فات الرخاوى فى هذا السياق الإشارة إلى رباعية أخرى يقول فيها جاهين: العُشْب طاطا للنسايم ونَخْ/أخضر طرى مالهش فى الحسن أَخْ/عصفور عبيط أنا غاوى بهجة وغُنَا/ح انزل هنا وانشا لله يهبرنى فَخْ.
حيث يبدو الشاعر فى الرباعية السابقة مستعدا للتضحية بحياته كلها مقابل لحظة واحدة من السعادة الحقيقية.
على أن أبرز ما يميز دراسة الرخاوى أنها تقرر «أن صلاح جاهين كان يعيش عمق الحزن وعمق الفرح فى نوبات معبرة دالة يمارس فيها مشاعره فى أوج الصحة، لأن الفرق بين إطلاق الطاقة إطلاقاً سليماً منظماً، وانطلاقها عشوائياً دون حدود وضابط هو الفرق بين الإبداع والمرض».
وعلى الرغم من ذلك فإن الدراسة تؤكد أيضاً أن«اختزال الإبداع باعتباره حلاً لصراع نفسى، هو تسطيح لا يقدم تفسيراً مناسباً لزخم الإبداع ودوره فى إعادة تشكيل الحياة. ذلك أن الإبداع ليس مسألة تفريغ أو تنفيث مثل إناء البخار»،فصلاح جاهين الذى قال:كتم الغنا هوه اللى حيموتك. هو الذى قال أيضاً: ح اكتبها وان ما كتبتهاش أنا حر/الطير ما هوش ملزوم بالزقزقة.
إن الرخاوى يؤكد لنا أننا إذا أردنا أن نحسن قراءة مثل هذا الإبداع «فلابد أن نمعن النظر فى أكثر من زاوية معاً، فهذا النوع من التدفق الإبداعى لا يرفض حلاً للصراع، ولا يتعالى على غناء للتطهير، لكنه ينساب أبداً فى أصالة مستقلة بذاتها، قبل وبعد هذا كله».
فتحية لصلاح جاهين فى ذكرى ميلاده، وتحية للدكتور الرخاوى على هذا الاحترام المزدوج، لأن أصحاب الدراسات النفسية قليلاً ما دخلوا إلى ساحة الأدب دون انتهاك لخصوصيته أو لخصوصية مبدعيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.