يقول المصريون عن أولئك الذين ينفقون بحرص إنهم «يضعون أموالهم تحت البلاطة». وخلال السنوات الأخيرة، بدأت البنوك المصرية تتبع منهجا مشابها لما يقوم به هؤلاء الأفراد، بعد أن حفزت سلسلة من فضائح القروض المتعثرة على إصلاح النظام وإجراء المزيد من التنظيم والاستعانة بإدارات أكثر حكمة. أدى الإصلاح التنظيمى والخصخصة وتصاعد المنافسة من جانب البنوك الأجنبية إلى تعزيز هذا القطاع فى ظل تراجع عدد البنوك المقرضة من 57 إلى 39. وإضافة إلى ذلك، فقد غطى البنك المركزى منذ عام 2004 ما مقداره 86% من القروض سيئة الأداء. وأدت السياسات الحذرة للقطاع المصرفى وغياب أدوات التمويل المعقدة إلى حماية البنوك فى مواجهة الأزمة المالية العالمية. ويقول وزير المالية المصرية يوسف بطرس غالى: «لم يكن النظام المصرفى المصرى متصلا اتصالا تاما بالنظام المالى العالمى، ومن ثم لم نشهد كل تلك الفوضى التى حدثت للبنوك فى الخارج. وتعد جميع الأمور المتعلقة بالأصول الخطرة والافتقار إلى الرقابة وعدم الإشراف على المشتقات المالية والعجز عن السداد غير موجودة هنا. إذ ليست لدينا سوق آجلة للعملات الأجنبية». ونتيجة لذلك ظلت البنوك غنية بالسيولة النقدية، حيث تبلغ نسبة القروض إلى الودائع 60%، بعد أن كانت 100% فى نهاية التسعينيات. ويقول حسن عبدالله، نائب رئيس البنك العربى الأفريقى الدولى: «فى حالتنا، أثرت الأزمة المالية على قطاع الاقتصاد الحقيقى لدينا، لكن سيولة القطاع المصرفى مكنتنا من المساعدة. ولم نتوقف عن التوسع فى الائتمان.» ومع ذلك، كان هناك نمو قليل فى الائتمان خلال الشهور العشرة الأولى من عام 2009، مما يعزز الانطباع بأن البنوك أصبحت كارهة للمخاطرة، وتقوم بالتركيز على إقراض الحكومة والشركات الرائدة فى البورصة. ويلاحظ المنتقدون أن الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم، التى تسهم بنحو 70% من إجمالى الناتج المحلى للبلاد وتوظف أكثر من 50% من العمالة، أصبحت تواجه صعوبات فى الحصول على قروض. ومنذ أسابيع قليلة، أعلن البنك المركزى إجراءات لتشجيع المقرضين على تعزيز الائتمان للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، عبر إعفاء البنوك من نسبة الاحتياطى الإلزامى وقدرها 14% على قروضها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتقول إلينا شانشيز المحللة الاقتصادية لدى بنك الاستثمار الإقليمى إى إف جى هيرمس إن «الشركات الصغيرة والمتوسطة هى القطاع الأكثر خطورة، فهى لا تخضع لتقييمات وكالات التصنيف الائتمانى. وفى مصر، لا توجد لدى معظم المشروعات الصغيرة قوائم مالية معتمدة من مراجعين، ومن ثم تحتاج البنوك إلى المزيد من الوقت لتقييم هذه المشروعات». ويقول كل من البنك العربى الإفريقى الدولى والبنك التجارى الدولى إنهما اتخذا خطوات لتسويق خدماتهما الشركات الصغيرة. فقد أسس البنك التجارى الدولى مجموعة لتمويل هذا القطاع بالمشاركة مع محللين. ويقوم البنك العربى الإفريقى الدولى الشهر الحالى بإنشاء صندوق برأسمال 500 مليون جنيه مصرى للاستثمار فى الشركات الصغيرة، كما سينشئ صندوقا آخر للاستثمار فى المشروعات المتوسطة فى يناير. ونتيجة للأزمة العالمية، فقد انخفضت الرغبة فى الاقتراض لدى الشركات هذا العام. ويقول هشام عزالعرب، رئيس البنك التجارى الدولى والعضو المنتدب به: «غرست الأزمة عنصر الخوف من الاقتراض فى السوق، حيث بدأ الاقتراض يضعف فى الشهور الأخيرة. لكننا بدأنا نشهد تعافيا للسوق والشركات، وبدأ الناس يستعيدون ثقتهم فى مرونة الاقتصاد.» ويقدر البنك التجارى الدولى انخفاض الائتمان الخاص بمعدل 3.5% فى الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالى. وتقول سانشيز إن العائد على حقوق الملكية بالنسبة للبنوك الكبرى كالبنك التجارى الدولى والأهلى سوسيتيه جنرال وكريدى أجريكول بلغ 25% فى المتوسط خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، مقارنة ب30% خلال عام 2008. وأكدت إى إف جى هيرمس فى أكتوبر أن الأرباح لن تتدهور بدرجة كبيرة بفعل القروض سيئة الأداء فى العام المقبل. وتتوقع إى إف جى هيرمس أن يبلغ العائد على حقوق الملكية للبنوك فى المتوسط 25% خلال عام 2010. وفى ظل تعداد سكان مصر البالغ 80 مليونا ونمو الطبقة الوسطى، ترى البنوك آفاقا واسعة لنمو بنوك التجزئة. وبالرغم من أنه يوجد نحو 8 ملايين حساب بنكى فى مصر، فإن المجتمع المصرى مازال يعتمد على التعامل بالنقود، ويفضل الكثير من المصريين الاحتفاظ بمدخراتهم فى صورة ذهب أو ممتلكات عقارية. ولم توسع البنوك نطاق عملياتها بشأن القروض الشخصية وبطاقات الائتمان وقروض السيارات سوى مؤخرا. كما أن أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان البالغة 20% تجعل الاقتراض أمرا بعيد المنال بالنسبة للشركات الصغيرة والأفراد. ويقول أنجوس بلير، رئيس الأبحاث فى بنك الاستثمار الإقليمى بيلتون فايننشال إن «البنوك تمتلك السيولة اللازمة للإقراض والقدرة على زيادة الأصول ولكن تبلغ نسبة قروض التجزئة 9.1% فقط من الناتج المحلى». (خدمة فاينانشال تايمز)