محافظ الغربية يتابع انتظام الدراسة بالمعاهد الأزهرية بالمراكز والمدن    سياسيون: «قمة المستقبل» تعكس جهود القيادة المصرية في تمكين الشباب    الحزب العربي الناصري يشيد بالمبادرات الرئاسية    اليوم الوطني السعودي.. اكتمال 87% من مبادرات رؤية المملكة 2030    البورصة المصرية تختتم أولى جلسات الأسبوع بربح رأس المال السوقي 14 مليار جنيه    «مستقبل وطن» بالقليوبية يوزع 500 شنطة مدرسية على طلاب ابتدائي    وزير الصناعة يشهد فعاليات احتفال «جنرال موتورز» بإنتاجها المركبة المليون    وزارة العمل تواصل تفعيل تدريب مجاني لفتيات أسيوط    أول تعليق من إسرائيل على اتهامها بالتورط في «تفجيرات البيجر» بلبنان    الاحتلال الإسرائيلي يواصل تقليص المساعدات إلى غزة    السفير الروسي بالقاهرة: تحرير الأراضي الروسية من المسلحين الأوكرانيين أولوية موسكو    أنشيلوتي يحدد سلاح الريال الفتاك| ويعترف بمشكلة مستمرة    كين مسرور بإنجازه| ومتعطش لصدام ليفركوزن    الأهلي يترقب.. العين يستضيف أوكلاند سيتي في كأس إنتركونتيننتال اليوم    أخبار الأهلي: شوبير يكشف تطورات سعيدة لجماهير الأهلي بشأن الاستاد    تأجيل محاكمة مطرب المهرجانات مجدي شطة بتهمة إحراز مواد مخدرة    الشهرة والترند تقود فتاة للادعاء في فيديو اعتداء 5 سودانيين عليها بفيصل    ماذا يحدث في أسوان؟.. إنفوجراف يوضح التفاصيل    أمن الجيزة يكشف تفاصيل مصرع «ضاضا».. فرط في الحركة أودت بحياة نجل الليثي    بعد حذف مشاهد المثلية.. منع فيلم أحمد مالك «هاني» من العرض في مهرجان الغردقة    بعد قرار الاعتزال في مصر والسفر لأمريكا.. محمد صبحي يدعم كريم الحسيني    السيسي يتابع تطور تنفيذ الأعمال بمشروع الضبعة النووية    النائب ياسر الهضيبي يطالب بإصدار تشريع خاص لريادة الأعمال والشركات الناشئة    ضبط8 عصابات و161 قطعة سلاح وتنفيذ 84 ألف حكم خلال 24 ساعة    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى العياط    الرئيس السيسى يتابع خطط تطوير منظومة الكهرباء الوطنية وتحديث محطات التوليد وشبكات النقل والتوزيع ومراكز التحكم ورفع مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين بشكل عام.. ويوجه بمواصلة جهود تحسين خدمات الكهرباء بالمحافظات    إيران تحظر أجهزة البيجر على رحلاتها إلى بيروت بعد استهداف حزب الله    استشهاد 6 فلسطينيين فى قصف للاحتلال استهدف مدرسة تؤوى نازحين بغرب غزة    في ذكرى رحيل هشام سليم.. محطات فنية في حياة نجم التسعينيات    أونروا: مخيمات النازحين تعرضت اليوم لأول موجة أمطار فى خان يونس جنوب غزة    بسمة وهبة تعلق على سرقة أحمد سعد بعد حفل زفاف ابنها: ارتاحوا كل اللي نبرتوا عليه اتسرق    وجعت قلبنا كلنا يا حبيبي.. أول تعليق من زوجة إسماعيل الليثي على رحيل ابنها    الانتهاء من نقل أحد معالم مصر الأثرية.. قصة معبد أبو سمبل    الجامع الأزهر يتدبر معاني سورة الشرح بلغة الإشارة    موسم الهجوم على الإمام    اعتزل ما يؤذيك    صحة المنيا تستعد لتنفيذ قافلة طبية مجانية بدءا من غد الاثنين بقرية عزاقة ضمن مبادرة «بداية»    «الصحة»: إنارة 24 مستشفى ومركز للصحة النفسية تزامناً مع التوعية بألزهايمر    الصحة تنظم ورشة عمل لبحث تفعيل خدمات إضافية بقطاع الرعاية الأساسية    رودريجو: أنشيلوتي غاضب.. وأشكر مودريتش وفينيسيوس    أدعية للأم المتوفاه.. دار الإفتاء تنصح بهذه الصيغ (فيديو)    فرصة لشهر واحد فقط.. موعد حجز 1645 وحدة إسكان ب8 مدن جديدة «التفاصيل»    ألفونسو ديفيز يتحدث عن مصيره مع بايرن ميونخ    شقيق زوجة إمام عاشور يثير الجدل بسبب الاحتفال بدرع الدوري.. ماذا فعل؟    بسبب نقص الأنسولين.. سؤال برلماني يطالب «الصحة» بإنهاء معاناة مرضى السكر    مفاجأة بشأن مصير «جوميز» مع الزمالك بعد السوبر الإفريقي    السلطات الإسرائيلية تأمر بإغلاق كل المدارس في الشمال    محافظ الشرقية يفتتح مدرسة السيدة نفيسة الثانوية المشتركة بقرية بندف بمنيا القمح    ضبط 27327 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    الأكثر عدوى.. الصحة العالمية توضح كيفية الوقاية من متحور فيروس كورونا الجديد إكس إي سي؟‬    الداخلية: ضبط 618 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    لهذه الأسباب.. إحالة 10 مدرسين في بورسعيد للنيابة الإدارية -صور    مليون جنيه في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    «قالولنا يومكم بكرة».. الحزن يكسو وجوه التلاميذ بالأقصر في أول يوم دراسة    خطيب المسجد النبوي يُحذر من الشائعات والخداع على وسائل التواصل الاجتماعي    عالم أزهري: الشعب المصري متصوف بطبعه منذ 1400 سنة    حرب غزة.. الاحتلال يقتحم عنبتا شرق طولكرم ويداهم عدة منازل    وزير الخارجية يلتقى المفوض السامي لحقوق الإنسان بنيويورك (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر قصة حضارة: : مصر الملجأ والأمان
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 12 - 2009

من المعروف أن علماء المصريات قد قسموا التاريخ المصرى القديم إلى عصور كبرى تعرف باسم الدول القديمة والوسطى والحديثة، تسبقها وتفصل بينها فترات انتقالية، كما قاموا بحصر حكام مصر فى أسرات متتابعة حددوها بثلاثين أسرة، وفقا لتقسيم الكاهن المصرى مانيتون. ويرى المؤرخون أن عصر الدولة الوسطى يمتد فيما بين سنتى 2022 و1650 قبل الميلاد على وجه التقريب، وتبدأ الدولة الوسطى بتوحيد البلاد مرة أخرى على يد منتوحتب الثانى من ملوك الأسرة الحادية عشرة، وذلك عقب عصر الاضمحلال الأول الذى تفككت فيه البلاد واضطربت أحوالها.
ويتميز عصر الدولة الوسطى بنهضة كبيرة فى مختلف مجالات الحياة المصرية، فقد شهد ذلك العصر إصلاحات واسعة فى الجهاز الإدارى للدولة، صحبها تعديل جديد فى البنية الاجتماعية وظهور طبقة وسطى شاركت الطبقة الحاكمة فى امتيازاتها، وكان ذلك مواكبا لتطور فى المعتقدات الدينية ونهوض فى مجال الثقافة والأدب، فقد قدم عصر الدولة الوسطى مجموعة من الأدباء المؤسسين للثقافة المصرية، كما قدم بعض الأعمال التى تعد من روائع الأدب العالمى مثل قصة سنوحى. وتميز عصر الدولة الوسطى كذلك بنهضة زراعية كبيرة، تم خلالها إضافة مساحات واسعة إلى الرقعة الزراعية بعد استصلاح منطقة الفيوم، التى كانت حتى ذلك العصر مغطاة بالأحراش. وفى هذا العصر انفتح المصريون على العالم المحيط بهم ودخلوا فى علاقات مع جيرانهم خصوصا سوريا وفلسطين وجزر البحر الأبيض المتوسط، كما ضمت النوبة السفلى إلى الأراضى المصرية فى تلك الحقبة، واستقبلت مصر فى ذلك العصر موجات متوالية من الوافدين.
والنص الذى نقدمه اليوم نص لمرسوم ملكى من عصر الدولة الوسطى، يبين كيف كانت مصر تتعامل مع الوافدين إليها من أبناء الشعوب المحيطة بها، إذا طلبوا حق اللجوء، وكيف كان هذا البلد واحة للأمان عبر العصور.
لقد شهدت منطقة الشرق الأدنى حركات هجرة واسعة فى الألف الثانية قبل الميلاد، إذ دفعت موجات القحط والجفاف المتتابعة، والصراعات بين القبائل والشعوب فى المنطقة، من البدو والرعاة إلى القيام بهجرات جماعية وفردية متوالية. فقد تحركت مجموعات من سكان غرب آسيا بعيدا عن البوادى والمناطق شبه الصحراوية متوجهين إلى أودية الأنهار الكبيرة فى مصر والعراق. وفى كثير من الحالات كانت هذه الهجرات مصحوبة بموجات من العنف والعنف المضاد الذى وصل إلى حد الحروب الدموية فى بعض الأحيان.
ورغم السياسة المنفتحة تجاه العالم الآسيوى التى اتبعتها مصر فى عصر الدولة الوسطى، فإنها كانت تتعامل عادة بحرص وحذر مع الوافدين من الشرق خصوصا البدو الآسيويين، فقد عانت مصر من غزواتهم على الدلتا فى أواخر عصر الدولة القديمة، فموقع مصر وثرواتها الزراعية كانت تغرى دائما سكان الصحراوات والبوادى المحيطة بالهجوم عليها خصوصا فترات المجاعات.
إلا أنه فى عديد من الحالات سمح للمهاجرين بالدخول إلى البلاد للعيش فيها بأمان بعد تقديم المبررات اللازمة لهذه الإقامة، كما جاء فى مرسوم ملكى صادر فى عهد سنوسرت الثانى.
ويعد سنوسرت الثانى من أبرز ملوك الأسرة الثانية عشرة فى الدولة الوسطى، حكم مصر بين سنتى 1897 و1878 قبل الميلاد وفقا لأرجح التقديرات والتى وردت فى موسوعة الفراعنة لباسكال فيرنوس وجان يويوت، وهو ابن الملك أمنمحات الثانى وخليفته الذى شاركه الحكم لمدة ثلاث سنوات. وتعد فترة حكم سنوسرت الثانى بمثابة عصر الانتقال من النظم والتقاليد التى سادت منذ عصر الدولة القديمة، إلى نظم الدولة الوسطى وتقاليدها. وكذلك بدأت فى عهده أهم المشروعات الكبرى التى تميز بها عصر الدولة الوسطى، مثل: بناء التحصينات العسكرية فى جنوب الوادى، ومشروع استصلاح منطقة مستنقعات الفيوم، ومن أهم آثار سونسرت الثانى مجموعته الهرمية فى اللاهون.
لكن ماذا يقول نص المرسوم: «فى السنة السادسة فى عهد جلالة الملك حور سيد الأرضين، ملك مصر العليا والسفلى خبر رع سنوسرت الثانى، دخل جماعة من الأسيويين عددهم سبعة وثلاثون شخصا إلى البلاد، وسمح لهم بالإقامة بمساعدة الأمير خنوم حتب، وذلك لما حملوه من أسباب ومبررات تسمح بلجوئهم».
لقد تم الكشف عن هذا النص المدون على جدران مقبرة من مقابر منطقة بنى حسن بمحافظة المنيا فى أواخر القرن الماضى، وهى مقبرة أحد كبار رجال الدولة، ويدعى خنوم حتب وكان يشغل وظيفة مدير خزانة الإله، وخنوم حتب هو نفسه الذى توسط من أجل السماح لهذه المجموعة من الأسيويين بالدخول إلى البلاد والعيش فيها، وقد أطلق على أولئك الوافدين اسم العامو. وتصور الجدارية الموجودة بمقبرة خنوم حتب مشهد استقبال «العامو»، حيث يتقدمهم كبيرهم وأمامه الكاتب الملكى نفر حتب يحمل لوحا عليه المرسوم الذى يسمح لهم بدخول البلاد. وهذه الجدارية مهمة للغاية ليست فقط بسبب نص المرسوم الذى حفظته لنا، بل كذلك لأنها صورت أشكال هؤلاء الأجانب، وأزياءهم بألوانها الزاهية والتى نتعرف من خلالها على بعض جوانب حياة الشعوب التى عاشت متنقلة ما بين منطقة بلاد الرافدين ووادى النيل.
لكن ما هى دلالة هذا النص القديم؟ يؤكد هذا النص أن مصر كانت ملجأ لكثير من أبناء الشعوب المجاورة، تستقبلهم برحابة ماداموا فى حاجة إلى الملاذ الآمن، وما داموا يحترمون نظم البلاد وتقاليدها، فتحقق فى مصر بذلك ومنذ أكثر من 3500 سنة مفاهيم إنسانية يحرص عليها اليوم القانون الدولى الإنسانى الذى يدعو لتوفير الحماية لمن يصبحوا لاجئين بسبب الظروف القاهرة التى تؤدى بهم إلى ترك بلادهم، ومن الأمور الطريفة التى تحيط بهذه الجدارية والتى أوردها سليم حسن فى الجزء الثالث من كتابه مصر القديمة: «إن هذه الجدارية عندما كشفت ظن بعض العلماء أنها تمثل رحلة نبى الله إبراهيم إلى مصر، أو تسجل دخول النبى يعقوب وأولاده إلى البلاد». وإن كان سليم حسن يرى أن هذه الجدارية لا علاقة لها إطلاقا بقصص العهد القديم من الكتاب المقدس، ولكنها تمثل حقيقة واقعة وهى أن الزيارات التى كان يقوم بها الأسيويون فى ذلك العصر طلبا للملجأ والأمان كانت متكررة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.