«من هم البعثيون؟ إنهم ببساطة العراقيون من الموظفين والأكاديميين ورجال الجيش والشرطة وأصحاب الكفاءات من مختلف المجالات.. أطباء ومهندسين وغيرهم»، بهذه الكلمات الموجزة وصف علاء باحث اجتماعى عراقى فى العقد الخامس من عمره أعضاء حزب البعث العراقى الذى حكم العراق فى عهد الرئيس الراحل صدام حسين. وبحسب علاء، وكما يقول غيره من العراقيات والعراقيون من سكان بغداد الذين تجاوزت أعمارهم الثلاثين: هناك فرق كبير بين البعث كحزب وقيادات متنفذة وبين أعضاء البعث، سواء من السنة أو الشيعة، الذين انضموا للحزب طواعية أو كرها وذلك فى إطار البحث عن المصالح أو تفادى الاتهام من أجهزة الأمن بمعاداة الدولة. يقول علاء: «كان رجال الدولة فى عهد الرئيس العراقى المخلوع صدام حسين» يذهبون إلى أستاذ فى الجامعة ويخبرونه أنه شرف بعضوية حزب البعث. ولم يكن بيد هذا أو ذاك أن يرفض أو يتوانى لأن ذلك كان يعنى ببساطة أنه رافض للبعث وعواقب ذلك ليست بالهينة». ويضيف: إنه بعد سقوط نظام صدام حسين فى أبريل من عام 2003 لم يختلف شعور هؤلاء البعثيين عن غيرهم فى الارتياح لزوال القهر، أو فى كراهية الاحتلال والخوف من المستقبل. «واليوم بعد هذه السنوات الستة، أين أصبح العراق بكامله، بعثيين وغيرهم؟ الحقيقة أن العراق كله تحت الاحتلال». فى بغداد اليوم شعور بارتياح نسبى لدعوة رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى للحوار مع الشخصيات البعثية التى لم تكن متورطة فى أى أعمال قتل جماعى ضد أبناء الشعب العراقى والتى يمكن أن تقبل بحوار على أساس المبادئ التى تحكم «العراق الجديد». وحسب العراقيين الذين تحدثوا إلى «الشروق» فإن الأمر المهم هو تحقيق الاستقرار والأمان حتى يستطيع المواطنون ممارسة حياتهم اليومية بعيدا عن الخوف من التفجيرات والتهديدات بالقتل على الهوية وغير ذلك من مظاهر العنف الدموى التى سادت العراق خلال السنوات الأولى لما بعد الحرب الأمريكية على العراق والتى بدأت هذا العام فى التراجع. رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى تحدث عن انفتاح على أساس الدستور، ونائب رئيس الجمهورية عادل عبدالمهدى أكد أن الدستور يحظر حزب البعث ولكنه لا يحظر انخراط البعثيين السابقين فى العراق الجديد، بل إن عمار الحكيم أحد أبرز الوجوه فى المجلس الأعلى الإسلامى العراقى وأحد أبرز الكيانات الشيعية التى تعرضت قيادته لاضطهاد كبير من قبل نظام البعث تحدث عن الحاجة للتفرقة بين «الصداميين الذين تورطوا فى ارتكاب جرائم سفكت الدم العراقى والبعثيين الذين يمثلون المساحة الاوسع من الحزب الذى كان ينتمى إليه الكثير من كوادر الشعب العراقى». وفى إطار التواصل العربى مع العراق المنفتح على البعثيين، قال عبدالصمد سلطان وزير الهجرة والمهجريين فى العراق عقب لقاء مع الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى : إنه زار عددا من الدول العربية، بما فيها مصر، الأسبوع الماضى للقاء ممثلى الجاليات العراقية، بما فيهم البعثيين، وحثهم على العودة إلى العراق فى إطار حزمة من الضمانات والمحفزات السياسية والاقتصادية. سلطان أضاف: إنه يعتزم الاستمرار فى هذه المهمة، وأكد الدور المنوط بالجامعة العربية والدول العربية فى مساعدة العراق فى هذا المجال. وفى العراق تختلف التحليلات التى تساق لشرح أسباب انفتاح المالكى وحكومته الموالية صراحة لإيران على البعثيين. البعض يشير إلى ضغوط أمريكية على المالكى لاستعادة بعض العناصر البعثية القوية بهدف تقليل سيطرة إيران على الحكومة العراقية، البعض الآخر يتحدث عن «اتفاقات وصفقات» أجرتها حكومة المالكى مع عناصر قيادية فى البعث، خاصة تلك المقيمة فى سوريا، للسيطرة على العناصر المسلحة التابعة لها، لتقليل حدة العنف مقابل المسامحة السياسية والاندماج التدريجى فى الحكم، والبعض يشير إلى اشتراطات قدمت من عواصم عربية فاعلة ربطت بين التواصل العربى مع العراق بعودة بعض الكوادر البعثية «المحايدة» إلى دوائر اتخاذ القرار فى العراق. بالنسبة للمواطن العراقى فإن الأسباب لا تهم كثيرا طالما أدت المقدمات إلى نتائج تتعلق بالاستقرار. علاء يقول: «ما يهمنى هو أن يعود الاستقرار للعراق وأن أستطيع الخروج فى الصباح إلى عملى وأنا أشعر بالأمن، وأن أترك ابنتى تذهب إلى المدرسة فى سلام وأن يندحر الأمريكيين الذين يضعون جنودهم وحواجزهم فى كل مكان والذين استباحوا العراق».