أعلنت بعض البنوك المصرية عن رغبتها فى التوسع فى السوق الأفريقية، إما عن طريق تنشيط الفروع الموجودة لها بالفعل،أو من خلال إنشاء صناديق استثمار تسعى خلف الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ظهر فى الفترة الأخيرة اهتمام البنوك المصرية بأفريقيا. فقد اتفق كل من بنوك الأهلى ومصر والقاهرة وتنمية الصادرات على تأسيس صندوق استثمار مباشر برأسمال ومدفوع 150مليون دولار للدخول فى مشروعات استثمار مباشر فى دول حوض النيل. كما أعلن البنك الأهلى عن عزمه استصلاح 250 ألف فدان فى إثيوبيا، يتم زراعتها بعدد من المحاصيل الزراعية وذلك فى نفس الوقت الذى أعلن فيه طلبه فتح مكتب تمثيل له فى نفس الدولة. كما لم يخفِ البنك رغبته فى الاستحواذ على أحد البنوك فى أفريقيا بعد حدوث الأزمة المالية العالمية، وعرض بالفعل على باركليز الإنجليزى وسيتى بنك شراء أحد فروع الموجودة فى أفريقيا لأى من البنكين وهو ما تم رفضه. البنك الأهلى لم يكن وحده الذى يرغب فى اقتحام السوق الأفريقية، فالبنوك المشاركة له فى الصندوق مثل بنك القاهرة، بدت تنشط من خلال بنك القاهرة أوغندا الموجود منذ عدة سنوات فى العاصمة الأوغندية، مع الانتشار من خلال مكاتب التمثيل فى عدد من الدول التى تربطها بمصر علاقات سياسية قوية، وتتماشى رغبة البنوك مع ما أعلنته وزارة الخارجية منذ عدة أيام عن قرب تأسيس أول شركة مساهمة مصرية للاستثمار فى القارة السمراء. «البحث عن فرص استثمارية جديدة، وعدم الانحصار داخل السوق المصرية الذى لا يفرز فرصا استثمارية كبيرة تتناسب مع السيولة الكبيرة فى القطاع المصرفى التى تزيد على 800 مليار جنيه، ربما تكون الدافع الأول وراء رغبة البنوك المصرية فى التواجد فى السوق الأفريقية، بعد مرحلة من الانكفاء على السوق المصرية»، حسب الخبير المصرفى طارق حلمى المتخصص فى مجال الائتمان والاستثمار. وطالب حلمى الذى شغل منصب نائب رئيس المصرف المتحد فى وقت سابق بضرورة تغيير فكر البنوك المصرية حتى يتسنى لها تحقيق أرباح كبيرة مثل التى تحققها البنوك المتواجدة فى المنطقة، سواء البنوك العربية والدولية، التى خرجت من نطاقها الجغرافى للبحث عن فرص تزيد من أرباحها، وتحملت عدة مخاطر فى نظير ذلك. واستنكر حلمى من فكرة ضرورة توطين الأموال فى الداخل رغم عدم وجود فرص استثمارية تستوعب تلك السيولة، فهناك جزء كبير من أموال البنوك غير موظف، وتتحمل البنوك دفع فائدتها دون توظيف (لا يتجاوز معدل توظيف الودائع للإقراض سوى 54%). أما حلمى السعيد، مدير إدارة الاستثمار ببنك مصر، فيرى أن التوسع أفريقيا يمثل «فرصا استثمارية واعدة فى مجال البنية التحتية والزراعة والتعدين، تغرى أصحاب الأموال من البنوك والشركات الكبرى على دخول الأسواق الأفريقية التى أصبحت أكثر استقرار الآن مقارنة بفترات سابقة، بالإضافة إلى عدم وجود بنوك مصرية تلبى رغبات المستثمرين المصريين». واعترف السعيد بعدم قدرة البنوك المصرية على تغطية طلبات المستثمرين المصريين فى أفريقيا فى الفترة السابقة، ضاربا مثلا بأحد المستثمرين الذى لم يجد من يعطيه اعتمادا مستنديا، يقدم فى إحدى دول غرب أفريقيا، وهو ما يعنى حرمان المصريين من الاستفادة من الموقع الجغرافى والفرص الاستثمارية فى الدول الأفريقية. ولا يجد مدير الاستثمار ببنك مصر خلاف بين كون البنوك تستخدم أموالها أو أموال المودعين فى الاستثمار بأفريقيا، مشيرا إلى أن إدارة المخاطر ترصد أبعاد الاستثمار المختلفة، كما أن البنوك تضمن أموال عملائها، من هنا فلا توجد مخاوف من ذلك الجانب، كما أن المخاطرة الاستثمارية جزء من النجاح. وتعد مجموعة القلعة من أبرز المستثمرين المصريين فى أفريقيا من خلال الاستثمار فى عدة أنشطة منها التعدين والزراعة والأسمنت، وكذلك البنوك من خلال البنك السودانى المصرى الذى استحوذت عليه المجموعة فى 2006، كما تتواجد شركة المقاولين العرب فى أفريقيا من خلال مشروعات بنية أساسية وعقارية، وكذلك شركة السويدى من خلال مشروعات لها فى زامبيا وإثيوبيا. البعد السياسى موجود «قد يكون السبب من هذا التواجد اعتبارات سياسية ولكن ذلك لا ينفى وجود أسباب اقتصادية تعزز من رغبة البنوك فى دخول أفريقيا، خاصة أن مؤسسات اقتصادية كبرى من الصين وألمانيا، تتواجد هناك بحثا عن فرص استثمارية واعدة، فى قطاعات اقتصادية مهمة مثل المعادن والزراعة «تبعا لما ذكره أحمد سليم المدير بالبنك العربى الأفريقى». الاعتبارات السياسية، تبعا لسليم هى عدم ترك الفرصة أمام إسرائيل للتوسع فى السوق الأفريقية، وهو ما قد يؤثر على الدور المصرى،الذى بدأ متراجعا بعض الشىء فى بعض المواقف، منها أزمة مياه حوض النيل. «عودة التواجد المصرى إلى مكانه الحقيقى فى أفريقيا خاصة فى دول حوض النيل، التى تتحكم فى مصب نهر النيل ضرورى، وربط تلك الدول بمصر لن يكون إلا من خلال مصالح اقتصادية حقيقية لمصر من خلال استثمار مباشر، يشعر به سكان تلك الدول، التى بدأت تطالب بوضع شروط جديدة فى الاتفاقية الدولية المنظمة لمياه نهر النيل» تبعا للمدير الإقليمى للبنك العربى فى السودان محمد عبد العال. الدول الكبرى ربطت السياسة بالاقتصاد فى أفريقيا، تبعا لعبد العال، وحققت مكاسب كبيرة من خلال الحصول على وفرة من المواد الخام والعمالة رخيصة الأجر، ولذلك اتجهت الصين وأمريكا وأوروبا للاستثمار فى القارة السمراء كملاذ لمن يبحث عن فرصة استثمار بكر. عقبات على الطريق غير أن الطريق ليس ممهدا بالكامل. «التقلبات السياسية، مع مشاكل فى النقل والاتصالات من أبرز العقبات التى قد تقابل استثمار البنوك المصرية فى أفريقيا، لكن السفارات المصرية والخبرة التراكمية من خلال التاريخ المشترك، يسهل من الوصول إلى أقصى درجات الاستفادة من التواجد داخل الأسواق الأفريقية» أضاف سليم، الذى يطالب بتركيز فى النشاط الزراعى فى المرحلة الأولى لتحقيق استفادة سريعة من خصوبة الأراضى وسهولة الحصول على المياه. وينصح طارق حلمى بالتركيز فى المرحلة الحالية على الدول الأفريقية التى تطبق قواعد تحفظ حقوق المستثمرين، وتحمى أموالهم فى حالة حدوث أية أضرار بسب النزاعات السياسية، وأضاف أن التحالف مع الدول التى دخلت أفريقيا بقوة مثل الصين قد يكون مفيدا، خاصة أن تلك الدول بإمكاناتها التكنولوجية والصناعية وقدراتها الاقتصادية الهائلة يمكنها أن تحدث طفرة كبيرة فى التنمية الاقتصادية فى دول القارة الأفريقية، مع تطلع الدول الأفريقية فى المرحلة المقبلة إلى إعادة هيكلة اقتصادياتها لتسريع معدلات النمو والاندماج فى الاقتصاد العالمى والاستغلال الأمثل لثرواتها وإمكاناتها لتحسين مستوى معيشة مواطنيها والارتقاء لمستوى الخدمات والبنية الأساسية يذكر أن الصين من أكبر الدول التى تستثمر فى أفريقيا، فوفقا لأرقام وزارة الصناعة والتجارة المصرية، بلغ حجم التجارة بين الصين وأفريقيا فى العام الماضى نحو 106 مليارات دولار مقابل 73.5 مليار دولار عام 2007 وحقق الميزان التجارى بين البلدين فائضا لصالح أفريقيا بلغ 5 مليارات دولار فى 2008.