انتقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان فى تقريره «واحة الإفلات من العقاب والمحاسبة»، حالة حقوق الإنسان فى مصر مؤكدا أنها تشهد مزيدا من التراجع. وعلى الرغم من إشارة التقرير لما سماه تسامح الدولة مع الحركات المطلبية، فى إشارة إلى احتجاجات العمال والمهنيين مثل موظفى البريد والصيادلة، إلا أنه أكد استمرار قمع كل أشكال الحراك السياسى. وقال التقرير «ما زالت السلطات تتشبث بأدوات القمع الأمنى والتشريعى عند اللزوم فى مواجهة حريات التجمع السلمى والإضراب»، مشيرا إلى قمع الاحتجاجات والمظاهرات التى أعلنت تضامنها مع الشعب الفلسطينى عقب عملية الرصاص المصبوب فى غزة. وأشار التقرير الذى يرصد حالة حقوق الإنسان فى العالم العربى خلال 2009، والذى أعلن عنه المركز أمس فى مؤتمر صحفى بمقره بالقاهرة، ومؤتمر صحفى آخر فى نفس التوقيت بجنيف، إلى عدم التوسع فى تطبيق العقوبات السالبة للحريات ولكنه انتقد استبدالها بالغرامات التى تثقل كاهل المؤسسات الصحفية على حد تعبيره، وقال إن هذا يحدث وسط حرب شرسة على نشطاء الإنترنت، مشيرا إلى استخدام قانون الطوارئ ضد عدد منهم واختطافهم وإخفائهم. وأشار التقرير إلى استمرار استخدام قانون الطوارئ المطبق منذ 28 عاما ضد مئات المواطنين والمدونين الذين لم توجه لهم تهم، متوقعا أن يصدر قانون مكافحة الإرهاب ويستخدم أيضا ضد النشطاء والمعارضين السياسيين غير المتهمين باستخدام العنف. واتهم التقرير الدولة بتكثيف استخدام الدين فى إدارة شئون الدولة لدرجة أنه اعتبر ذلك تناميا لمعالم الدولة الدينية، فى ظل ما وصفه بالضغوط الهائلة على الحريات الدينية، متهما وزارة الداخلية باضطهاد الأقباط الذين يصلون فى منازلهم فى ظل عدم السماح لهم ببناء الكنائس، كما أشار إلى ما حدث فى شهر رمضان الماضى من ملاحقة المفطرين علنا فى نهار رمضان، واستخدام قانون الطوارئ فى ملاحقة الشيعة. وأوضح التقرير استمرار اتساع النطاق الجغرافى الذى يشهد توترات طائفية والذى بلغ عشر محافظات خلال عام 2000. واعتبر التقرير أن التعديل التشريعى الذى خصص 64 مقعدا تتنافس عليها النساء فى انتخابات مجلس الشعب خطوة ديكتاتورية لحصد مزيد من المقاعد لصالح الحزب الوطنى، خاصة أن اللاعب الوحيد فى الانتخابات يظل هو المال والبلطجة والعنف والدعم الحكومى لمرشحى الحزب الحاكم، على حد تعبير التقرير. ورصد التقرير 13 حالة وفاة نتيجة التعذيب على مدار التسعة أشهر الأولى فى عام 2009. وقال إن مصر على رأس قائمة الدول العربية التى تمارس التعذيب. كما انتقد استمرار المحاكمات الاستثنائية. وتوقع التقرير أن تؤدى تعديلات قانون الجمعيات الأهلية لمزيد من التضييق على عملها خاصة مع التوقعات بتوسيع صلاحيات الاتحاد العام للجمعيات الأهلية وتحكمه فى القرارات المصيرية المتعلقة بالجمعيات مثل الترخيص والمراقبة. وانتقد التقرير محاولات التضييق على النقابة المستقلة للضرائب العقارية وملاحقة رئيسها المنتخب كمال أبوعيطة عقب الشكوى التى قدمها الاتحاد العام للعمال للنائب العام. كما أشار إلى استمرار رفض لجنة شئون الأحزاب لحزب الوسط. وأوضح أن قيادات الإخوان المسلمين كانوا هدفا للملاحقات الأمنية طوال عام 2009 وأشار إلى القضية التى عرفت باسم التنظيم الدولى وطالت قيادات إخوانية منها الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح. تقرير «واحة الإفلات من المحاسبة والعقاب يعد الأول الذى يرصد حالة حقوق الإنسان فى العالم العربى خلال عام 2009، وقسم التقرير الدول العربية ال12 التى يرصدها إلى نوعين، الأول دول تعانى من الاحتلال والصراعات الداخلية مثل فلسطين والعراق والسودان ولبنان واليمن، والدول الأخرى التى ترتبط الانتهاكات فيها بحالة حقوق الإنسان والديمقراطية بشكل عام. وقال التقرير فى الفصل المتعلق بفلسطين إن محنة الشعب الفلسطينى تتفاقم بسبب وطأة الاحتلال وبطشه من جانب، والانقسام والصراع السياسى من جانب آخر،. وأكد التقرير أن الانقسام الذى ظهر فى السلطة التنفيذية ألقى بظلاله على السلطتين التشريعية والقضائية. واتهم التقرير الدول العربية بالتشبث بالقوانين القمعية وحالات الطوارئ مشيرا إلى استمرار حالة الطوارئ الاستثنائية فى سوريا منذ أكثر من 36 عاما واستمرار حالة الطوارئ فى الجزائر منذ عام 1992. وانتقد التعديلات الدستورية التى شهدتها الجزائر والتى تسمح للرئيس بالبقاء فى منصبه لأكثر من فترتين وهو ما اعتبره التقرير تمهيدا لفترة ثالثة للرئيس بوتفليقة. واتهم تونس بممارسة السياسات التى وصفها بالهمجية مشيرا إلى محاصرتها لمقرات المنظمات الحقوقية التونسية ومراقبة أعضائها ومحاصرة منازلهم. وأكد أن المغرب شهد تدهورا فى مجال حرية الرأى والتعبير مقارنة بالسنوات السابقة موضحا زيادة مساحة القمع خاصة فيما يتعلق بالمساس بالأسرة الملكية. واتهم التقرير الحكومات العربية بالسعى للاستفادة من الحصانة والحماية الاستثنائية التى تمنحها الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا لإسرائيل لحمايتها من المساءلة، وقال إن الحكومات العربية تحالفت مع عدد من الدول الاستبدادية فى آسيا وإفريقيا ومنظمة المؤتمر الإسلامى لفرض حصانة عليها كما أنها تسعى لتعديل تفسيرات الأممالمتحدة حول مبادئ حقوق الإنسان وهو ما قد يعطى شرعية لممارستها. هذا ومن المقرر أن تتم مناقشة التقرير اليوم فى المفوضية السامية لحقوق الإنسان فى جنيف.