منذ أيام قليلة، نشرت جريدة الشروق الجزائرية مقطعا من المجموعة القصصية الأخيرة للأديب المصرى الكبير علاء الأسوانى، «نيران صديقة»، والصادرة عن دار «الشروق»، والتى تصدرت قائمة الأفضل مبيعا لفترة طويلة. والكل يعرف أن جريدة الشروق الجزائرية، هى أحد أسوأ الصحف فى بلدها، وأقلها مصداقية، إذ كانت سببا رئيسيا فى حالة الصدام العنيف، الواقعة هذه الأيام بين شعبى مصر والجزائر، بعد نشرها خبرا كاذبا حول وجود مجموعة كبيرة من القتلى الجزائريين فى عراك دام بين مشجعى منتخبى البلدين بعد المباراة التى أقيمت فى مصر، ثم زادت الصحيفة المذكورة الطين بلة بعدم نشرها لتكذيب الخبر المشين، بعد أن نفاه السفير الجزائرى بمصر، ونفته أيضا صحيفة الهداف الجزائرية، بل واستمرت فى نشر الأخبار الكاذبة التى شحنت مشاعر الشعب الجزائرى. كما يجب التنويه إلى نقطة مهمة، وهى أن وزارة الثقافة الجزائرية، سطت مؤخرا على مجموعة كبيرة من كتب دار الشروق المصرية، وطبعتها لحسابها دون استئذان الناشر أو المؤلفين، وكان من بينها «نيران صديقة»، و«عمارة يعقوبيان» و«شيكاغو» و«عزازيل»، الأمر الذى يتعارض مع كل المعايير الأخلاقية من جهة، والقانونية، من جهة أخرى، حيث إن مصر إحدى الدول المشتركة فى الاتفاقية الدولية التى تحكم قضية حقوق الملكية الفكرية. والمقطع الذى نشرته الشروق الجزائرية جاء تحت عنوان «فى الوقت الذى أمعنوا فيه فى سب الجزائر.. على المصريين إعادة قراءة علاء الأسوانى». وهو مقطع جاء على لسان بطل الرواية القصيرة «أوراق عصام عبدالعاطى» التى تضمها المجموعة، ولم تنوه الجريدة إلى هذه النقطة، بل نشرته وكأنه على لسان الأسوانى، مما يعد تضليلا للقارئ. والمقطع يتحدث فيه البطل الذى يعرف من قرأ الرواية أنه «مختل عقليا»، عن استيائه من بلده مصر بشكل عام، وعن عدم تميز الشعب المصرى بأى فضيلة، وعدم انتماء هذا الشعب لقدماء المصريين، وأشياء أخرى كثيرة جاءت على لسان البطل. والمفترض أننا تخطينا منذ زمن مرحلة توضيح خطورة اقتطاع أجزاء من النص الأدبى وإخراجها عن سياقها فى أحداث العمل، لأن هذا بالطبع يغير تماما المعنى الحقيقى للموضوع، بل ويتسبب فى تشويهه على المستوى الفنى، بالإضافة إلى أنه يحدث تغييرا كبيرا فى مفهوم الفكرة المراد توصيلها. فالكاتب علاء الأسوانى، أو غيره من الكتاب، مسئولون مسئولية تامة عما يكتبوه فى صورة مقالات الرأى التى تنشر بالصحف، ولكن فى العمل الأدبى الأمر يختلف، لأنه عمل إبداعى يعتمد بالدرجة الأولى على الخيال، وليس بالضرورة أن يكون هناك اتفاق بين الآراء التى تأتى على لسان أبطال العمل وبين رأى الكاتب الشخصى. ومجموعة «نيران صديقة» بالتحديد لها قصة معروفة توضح هذه المسألة رواها الأسوانى فى مقدمة الطبعة التى نشرتها دار الشروق قال: «فرغت من كتابتها عام 1989، وتقدمت بها إلى هيئة الكتاب لكى تنشرها، وعندما عرضها المسئولون بالهيئة على لجنة القراءة.. رفضتها بإجماع الآراء! لماذا؟! لأن هذه المجموعة كما جاء فى التقرير، تحتوى على آراء هدامة وتسخر من قيم المجتمع، والدولة والوطن!!، وحاولت أن أشرح للمسئول فى الهيئة أن الآراء التى فى المجموعة، هى آراء أبطال القصص وليست آرائى الشخصية، وقلت لهم إن الكاتب لا يحاسب فى كل العالم، إلا على آرائه فى المقالات، أما القصص فهى خيال من خيال، ولكل شخصية روائية منطقها الفنى»، هذا ما كتبه الأسوانى فى مقدمته للعمل، ورغم ذلك هاتفناه، لكى نتعرف على رأيه فيما فعلته الشروق الجزائرية، فأبدى غضبا شديدا، وقال: مبدئيا يجب التوضيح أن بطل الرواية «عصام عبدالعاطى» شخص مجنون، والقارئ يعرف مع تطور الأحداث أنه يكتب هذه الأوراق وهو داخل مصحة للعلاج النفسى، كما أنه لا يجوز نسب الآراء الواردة على لسان شخصيات أدبية إلى المؤلف، وعادة عندما يحدث هذا الخلط عند بعض الصحف، نعتبره نوعا من الجهل، ولكن فى حالة الشروق الجزائرية، فهو يعبر عن جهل كبير، وسوء نية أكبر، لأن هذه الصحيفة تحديدا سبق أن أجرت معى حوارا صحفيا حول هذه المسألة، وأوضحت رأيى فيه بشكل محدد. وأكد الأسوانى أن ما نشرته هذه الصحيفة، ما هو إلا محاولة للرد على المقالة التى نشرها فى صحيفتنا هذه وتناول فيها المعارك التى خاضها الجزائريون ضد جماهير الكرة المصرية، عقب المباراة التى جمعت بين البلدين فى السودان. وأضاف الأسوانى: هذا الرد ليس بمستغرب من هذه الصحيفة الصفراء، والتى اختلقت قصة قتل 23 مواطنا جزائريا، وهتك عرض وإجهاض نسائهم فى مصر، كما أوضح أن هذا سقوط كبير منهم على المستويين المهنى والأخلاقى، بل إنهم حسب الأسوانى وصلوا إلى حضيض الأخلاق المهنية. كما أكد أكثر من مرة أنه ليس من المنطقى ربط آراء شخوص الأعمال الأدبية برأى كاتبها، ودلل على ذلك بأن كاتبنا الأشهر نجيب محفوظ على سبيل المثال، قدم شخصيات لها آراء شديدة السلبية فى المجتمع المصرى، والدين الإسلامى، فى كتابه «المرايا»، ولكن هذا لم ينعكس أبدا على نجيب نفسه، بل إن الأسوانى نفسه قدم نماذج سلبية كثيرة فى أعماله، من قبل، مثل شخصيات الشاذ، والمتطرف فى روايته «عمارة يعقوبيان»، وشخصية الجاسوس فى «شيكاغو»، ولكن ليس معنى هذا إنه جاسوس أو متطرف، ولذلك فإن ما فعلته الصحيفة المذكورة يعبر عن سوء النية، بل إنه استبعد أن يكون هذا نوعا من الجهل، نظرا لأن الجريدة كانت قد أجرت معه حوارا، وشرح فيه هذه النقطة بالتحديد، وهى خطورة الخلط بين آراء الكاتب، وبين آراء أبطاله. وفى النهاية رأى الأسوانى أن المشكلة الأساسية، تقع بيننا وبين الحكومة المصرية، التى تتهاون فى حق مواطنيها بالخارج، وأوضح أنه ليس ضد أفكار القومية العربية، بل يتفق معها تماما، شرط أن تأتى بالاحترام المتبادل.