على مدار سنوات المحن التى مرت على وطننا فى حربه ضد الاستعمار سواء عام 1956، وهو العدوان الثلاثى أو فى نكسة 67 أو خلال حرب الاستنزاف ومع المجاهدين خلال حرب تحرير سيناء عام 1973 كان للغناء دور عظيم ومؤثر فى شحن الجنود الموجودين على خط النار أو سكان مصر المحروسة فى الجبهة الداخلية حتى النصر. وخلال تلك الفترة أبدع كبار المبدعين المصريين أغانى «وأنا على الربابة»، و«يا حبيبتى يا مصر»، و«الله أكبر»، و«عاش اللى قال»، و«إذا الشعب يوما أراد الحياة»، و«وطنى حبيبى»، و«والله زمان يا سلاحى».. ثم «المصريين أهمه» كل هذه الأغانى، وغيرها الكثير لم نعد نسمعها إلا فى بعض المناسبات الوطنية مثل ذكرى انتصارات أكتوبر أو أعياد تحرير سيناء. رغم أنها كأعمال فنية مليئة بالفكر، والجمل الموسيقية التى يعجز عن إبداعها الآن أى ملحن، فنحن الآن فى عصر «ماشربتش من نيلها» لشيرين، و«أنا مصرى وأبويا مصرى» لنانسى عجرم، ورغم انتشارهما فإنهما لا يهزان المشاعر، لا تشعر وأنت تستمع إليهما أو غيرهما من الأعمال التى صاغها هذا الجيل «بقشعرة» الجسد كما كان يحدث مع الأعمال القديمة التى كانت، ومازالت تهز الوجدان، أما هذه الأغانى كما كانت تحفز الجنود على الجبهة، فقد جاءت مباراة مصر والجزائر الأخيرة التى انتهت بفوزنا 2/صفر لتؤكد أن هذه الأعمال مازالت قادرة على شحن الجماهير، ويكفى أن تكرار إذاعة أغنية «يا حبيبتى يا مصر» وكأنه أعاد اكتشاف الحس الوطنى، الذى ربما يكون قد تاه وسط مشكلاتنا، لكننا وجدناه يخرج بشكل تلقائى مع قرب لحظات المباراة، ومع أنغام هذه الأغنية التى أدتها الكبيرة شادية ولحنها القدير الراحل بليغ حمدى.. فهذه المباراة أعادت لنا شادية كصوت افتقدنا إذاعته وعرض أغانيها، وأعادت إلينا أيضا الأغنية الوطنية، وأعتقد أن السادة المسئولين فى الإذاعة والتليفزيون المصرى والقنوات الخاصة اكتشفوا أخيرا أن هناك أعمالا خالدة تحرك الحجر. وهو ما يدعونا إلى المطالبة بضرورة أن تعود الأغنية الوطنية كمنشطات للكسالى فى أعمالهم، وربما تعيد تهذيب الفاسدين، الذين انتشروا فى مجتمعنا بشكل كبير يدعونا للتشاؤم من مستقبل هذا الوطن، وكذلك لتوحيد الصفوف فمع هذه الأغانى توحد المسلم والمسيحى، وتوحد كل الطبقات تحت نداء «يا حبيبتى يا مصر». وأعتقد أن عرض هذه الأغنية بهذه الكثافة جاءت بقرار سياسى لأننا خلال الفترات الأخيرة لم نعد نسمع سوى أغانى «ماشربتش من نيلها جربت تغنيلها» أو «لو سألتك إنت مصرى». وهى الأغانى التى تذاع بناء على الرغبة من المسئولين الكاجوال الذين يتولون إدارة ماسبيرو، لذلك جاءت كثافة عرض أغنية «يا حبيبتى يا مصر» على جميع القنوات لتؤكد أن هناك قرارا «فوقيا» بإذاعتها، والإفراج عنها بعد أن ظلت سنوات طويلة حبيسة أرشيف ماسبيرو. وكل ما نرجوه أن يعاد البحث فى مكتبة التليفزيون والإذاعة لإعادة الروح للكثير من الأعمال الوطنية التى تؤرخ لوطننا العربى، ومصر قبل أن يقضى عليها التجاهل، والإهمال، وتتحول إلى رماد. فهناك أشرطة تحتاج إلى ترميم، وأخرى إلى نقل إلى أسطوانات فهذا التراث الذى جاهدنا به الاستعمار، وتغلبنا به على لحظات الظلام وأعاننا، وأعاد بداخلنا شحن بطاريات الوطنية خلال لقاء مصر والجزائر الحاسم يحتاج إلى نظرة تنقذه مما هو فيه. كما أن الذين أبدعوه لهم حق علينا، وهو الاهتمام به، لأنهم لم يصنعوه لكى نلقيه فى سلة المهملات. بليغ حمدى، والسنباطى، وعبدالوهاب، وكمال الطويل، ومحمد الموجى، ومحمد سلطان كانوا يتحركون من منازلهم فى اتجاه مبنى ماسبيرو من تلقاء أنفسهم لكى يساندوا الشعب بالنغم، وسيد درويش قبلهم كان يكافح الاحتلال بعوده وصوته. لذلك فهؤلاء يجب أن نرد لهم الجميل. بشىء بسيط هو خروج هذه الأعمال إلى النور على الدوام، وليس فى المناسبات. وأعتقد أن المباراة الأخيرة أكدت أن الشعور الوطنى موجود، ويحتاج فقط لمن يحركه. وأخيرا اكتشف الشباب المصرى أن هناك مطربة كبيرة اسمها شادية.