القوات المسلحة تنظم المعرض ال17 للثقافات العسكرية "ذاكرة أكتوبر 2024"    بطولات لا تُنسى.. "الأمير" يروي تفاصيل عملية التبة وإسقاط طائرات الفانتوم في أكتوبر 73 -صور    البابا فرانسيس يستقبل أسقف تورينو وروما للأقباط الأرثوذكس    مياه القناة تنتهي من أعمال ربط خط 500 مم بالإسماعيلية    حدث في 8 ساعات| السيسي يترأس اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وفتح المتاحف العسكرية مجانًا    بفارق 30 دقيقة، شاب يرتكب جريمتي قتل في إسطنبول وينتحر    بتوصية ألمانية، طبيب الزمالك يكشف موعد عودة الونش للتدريبات الجماعية    حشيش دليفري في الرمل.. السجن المؤبد لعامل بالإسكندرية    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة خلال الأسبوع الجاري    السقا ونرمين الفقي وسمية الخشاب الأبرز، نجوم الفن في حفل زفاف ابنة علاء مرسي (صور)    حقيقة تحديث فيسبوك الجديد.. هل يرسل إشعارات لمن يزور حسابك؟    مباراة شهدت إصابة حجازي.. نيوم يواصل نتائجه الرائعة بالفوز على نيوم    تحذير برلمانى من انتشار مواقع وتطبيقات المراهنات: تهدد السلم الاجتماعى    استشهاد 7 فلسطينيين في قصف للاحتلال على جباليا ومخيم النصيرات بوسط غزة    شهادة صلاحية ومستندات ترخيص.. تعديلات جديدة على لائحة قانون البناء الموحد    بالأسماء.. حركة تنقلات رؤساء الوحدات المحلية ب الدقهلية    سيموني إنزاجي يُعلن تشكيلة إنتر ميلان لمواجهة تورينو في الدوري الإيطالي    قبل إحيائه ب12 يومًا.. ريهام عبدالحكيم تشارك جمهورها اختيار أغاني حفل «الموسيقى العربية»    دعم غير مشروط لفلسطين ولبنان فى افتتاح مهرجان وهران للفيلم العربى ال 12    «أكتوبر» فى الذاكرة المصرية    المصل واللقاح: المضادات الحيوية لا تعالج البرد والإنفلونزا.. وهذه الحالات التي تستدعيها    الادّعاء الروسي يطالب بسجن "مرتزق" أمريكي 7 سنوات    النني يسجل في اكتساح الجزيرة ل دبا الحصن بسداسية في الدوري الإماراتي    تأجيل محاكمة المتهم في قضية الهجوم الإرهابي على فندق الأهرامات    11.7 تريليون جنيه ودائع مصريين وزيادة 181% في حساباتهم بالبنوك مقارنةً بعام 2016.. «البنك المركزي» يفحص 3210 شكاوى وطلبات    إصابة 13 شخصًا فى حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    قبرص: وصول أول رحلة تُقِل مواطنين أستراليين من لبنان    رواتب تبدأ من 6500 جنيه.. رابط التقديم على فرص عمل في القاهرة والتخصصات المطلوبة    «الإفتاء» تنظم البرنامج التدريبي «التأهيل الفقهي» لمجموعة من علماء ماليزيا    الجامعة الألمانية بالقاهرة تحتفل بتخريج دفعة جديدة    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    إسرائيل تشن 5 غارات على ضاحية بيروت الجنوبية خلال الساعة الأخيرة    محافظ الجيزة يواصل لقاءاته الدورية مع المواطنين لبحث الطلبات والشكاوى    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 103 ملايين خدمة مجانية خلال 65 يوما    صندوق مصر السيادي على طاولة "النواب" الأثنين المقبل    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    خبيرة: مشروع رأس الحكمة أحدث استقرارا نقديا انعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار    رئيس الضرائب توضح تفاصيل جديدة بشأن إصدار فواتير إلكترونية    النيران تلتهم أسرة بالشرقية    تناول الطعام في الوقت المناسب يقلل من الإصابة بمرض السكري    شاهندة المغربي: أتمنى تحكيم مباراة الأهلي والزمالك في دوري الرجال    في حوار من القلب.. الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"    أوروبا تعتمد فرض رسوم جمركية إضافية على السيارات الكهربائية الصينية    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    فرد الأمن بواقعة أمام عاشور: ذهبت للأهلي لعقد الصلح.. واللاعب تكبر ولم يحضر (فيديو)    «ترامب» و«هاريس» يتنافسان لكسب أصوات العمال في الانتخابات الأمريكية    وزير البترول يناقش مع رئيس شركة توتال توسع أنشطتها الاستكشافية بمصر    السد يعلن تفاصيل إصابة يوسف عطال.. ومدة غيابه    نائب وزير الصحة يتابع منظومة سلاسل الإمدادات الدوائية والأجهزة الطبية    تقرير أمريكي: السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا.. وحماس لا ترغب في المفاوضات    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    إصابة 13 شخصا في انقلاب ميكروباص بطريق «كفر داوود السادات» بالمنوفية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للموسيقى وجه آخر
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 11 - 2009

تخيل يومك بلا موسيقى تضبط انفعالك وترقق مشاعرك وتختبئ بين نغماتها حتى من أقرب الناس إليك أحيانا، تخيل أن تواجه فوضى الشارع وضغط العمل وتمرد الأبناء وإحباطات السياسة وأنت مشدود كوتر مُشَرعَ كنصل مندفع كطلقة، تخيل ألا تُمتِع أذنك بفضيلة الإصغاء لما لا يحتاج منك ردا إلا الاستحسان، تخيل أن يبدأ يومك وينتهى وأنت فى كامل وعيك وتمام يقظتك فلا تَشرُد ولا تغفو.
أكثرنا لا يتخيل يومه بغير موسيقى، وهذا من فضل الله علينا.
لكن الموسيقى هى أكثر من مجرد غذاء للروح فدورها السياسى يتوسع مع تزايد الاعتماد على دبلوماسية القوة اللينة فى تنفيذ أهداف السياسات الخارجية للدول، وكان هذا هو المعنى الذى قفز إلى ذهنها وهى تتابع السجال المصرى حول الوجه الآخر للموسيقى فى غضون الشهور الستة الماضية.
فى شهر أبريل 2009 ثارت ضجة كبرى حول زيارة الموسيقار الإسرائيلى دانييل بارينبويم مصر بدعوة من وزير الثقافة لقيادة أوركسترا القاهرة السيمفونى فى دار الأوبرا. اعترض كثير من المثقفين على زيارة بارينبويم رغم إشادتهم بمواقف الرجل الداعمة لحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم، وهى المواقف التى جعلته يوصف بمعاداة السامية ويواجه الدعوة لسحب الجنسية الإسرائيلية منه.
وبنى المثقفون المصريون معارضتهم على أساس أن الزيارة تمثل تطبيعا من باب خلفى، وتأتى بعد شهرين اثنين من انتهاء العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة، وتفتح الباب لدعوة إسرائيليين متعصبين على غير شاكلة بارينبويم، وتبسط قضية الصراع العربى الإسرائيلى بأن تجعل الموسيقى هى الحل، وتخدم حملة الوزير فاروق حسنى للفوز برئاسة منظمة اليونسكو.
كانت أسانيد المعترضين قوية، ومع ذلك جاء الموسيقار الإسرائيلى إلى أرض الكنانة وقاد الأوركسترا، وانتصر منطق «الموضوعية» فى التمييز بين إسرائيلى مساند لحقوقنا وإسرائيليين صهاينة، واختزل النجم العالمى عمر الشريف الأمر برمته عندما وصف الجدل الثائر حول زيارة بارينبويم بأنه «جدل أحمق» وأن «بارينبويم صديق للعرب».
وقبل أيام قليلة انشغلنا فى مصر مجددا بتداعيات دعوة السيد فاروق حسنى أوركسترا دريسدن الألمانية لتقديم عرضين لها فى القاهرة والإسكندرية يومى31 أكتوبر و2 نوفمبر. ارتفعت على الفور الأصوات المعارضة لإقامة عرضى أوركسترا دريسدن. أولا لأن دريسدن كما بات الكل يعرف هى المدينة التى أقدم أحد أبنائها العنصريين على قتل الأم المصرية مروة الشربينى، وثانيا لأن توقيت الزيارة يتزامن مع انعقاد جلسات محاكمة قاتل مروة.
ومع أنه لا يمكن مقارنة قوة رد الفعل المصرى على دعوة بارينبويم بضعف رد الفعل المماثل على دعوة فرقة دريسدن، إلا أن وزير الثقافة أعطى أذنه للمعترضين وأجل تقديم العرضين الموسيقيين إلى أجل غير مسمى. وقيل فى تفسير موقفه إنه انتقام من تصويت ألمانيا ضده فى معركة اليونسكو.
فى الحالة الأولى كما فى الحالة الثانية جرى تسييس الموسيقى، ولأن الموسيقى قد زج بها فى أتون السياسة كان لابد أن يخضع الموقف منها للأهواء ويفتح الباب أمام ازدواجية المعايير.
ففى حالة الموسيقار الإسرائيلى رفضنا أن نأخذ الرجل بذنب دولته وجرائمها البشعة فى حق أهلنا فى فلسطين، وفى حالة فرقة دريسدن وافقنا على أن نعتبر جريمة الجانى موجبة لعقاب مدينة بأكملها. ورغم أن إسرائيل بالنسبة لنا كعرب ليست يقينا هى ألمانيا إلا أننا أبدينا استعدادا أكبر للتسامح مع إسرائيل منا مع ألمانيا.
وفى حالة بارينبويم تمسكنا بأننا غير مستعدين نفسيا لاستقبال الرجل بعد شهرين اثنين من مذابح غزة، فلماذا امتنعنا نفسيا عن استقبال أوركسترا دريسدن فى وقت كانت تجرى فيه محاكمة عادلة لقاتل مروة رفض قضاتها كل محاولات دفاعه لتصويره فى هيئة المريض النفسى وقالوا للرجل بملء الفم: بل قتلت مروة بكامل لياقتك الذهنية؟
فى الحالة الأولى كنا نشترى رضا إسرائيل عن رئاسة مصر لليونسكو وفى الحالة الثانية كنا نتقاضى مقابل خذلان مصر فى الفوز بالمنصب الدولى، فمتى يا ترى نكف عن جعل قضية اليونسكو محركا لسياستنا فى الداخل والخارج ولا نترك لمسئول الثقافة المصرى الأول أن يتصرف منحا ومنعا انطلاقا من حسابات ضيقة؟
إن المعنى غير المباشر لاختلاف رد الفعل إزاء زيارة بارينبويم عنه إزاء عرض فرقة دريسدن، أن الدولة قادرة على لجم معارضة التطبيع وتسريب إسرائيل إلى خلايانا وعقولنا كما سبق أن سربتها إلى أسواقنا ومنتجعاتنا. لكنها غير قادرة على ترشيد المد الدينى الذى يؤاخذ مدينة أو حتى دولة بأسرها بجريمة أحد أبنائها ويبرر بالتالى مؤاخذة كل أمصارنا لمجرد أن خرج بن لادن من شبه جزيرتها العربية.
عندما كان جمهور الأوبرا يحبس أنفاسه احتراما للنغم الشجى المنبعث من فرقة الموسيقى العربية، كانت صاحبتنا تجد صعوبة شديدة فى التوحد مع العازفين كعادتها، فلقد أعاد المكان تذكيرها بأن الموسيقى صارت لها أجنداتها الخفية، ونبهها إلى أن التطريب وحده لم يعد معيار الحكم على اللحن كما لم يعد الخيال حرا فى أن يسبح فى عالم الفن المسحور إلى غير مدى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.