لو أراد الرئيس حسنى مبارك إسكات كل التكهنات التى تدور حول تراجع صحته أو انخفاض تركيزه لما اختار طريقة أفضل من الخطاب الذى ألقاه أمس أمام مؤتمر الحزب الوطنى الديمقراطى لمدة تجاوزت الساعة الكاملة ظهر خلالها فى لياقة بدنية عالية مكنته من الوقوف لما يزيد على الساعة لإلقاء الخطاب والاستماع إلى التعليقات والرد عليها وأنه فى لياقة ذهنية بادية هيأت له أن يدلل على أقواله بأرقام استدعاها من الذاكرة وبوقائع يرويها بتلقائية وثبات ويتبادل سلسلة للتعليقات والضحكات مع بعض أعضاء الحزب الذين وجدوا فى القاعة الرئيسية لمركز المؤتمر فى تمام السابعة والنصف مساء أمس ليستمعوا لكلمة مبارك التى تناولت «قضايا مصر والمصريين» من تعليم وصحة وإسكان ونقل وغيرها من قضايا الحياة اليومية. ولو أن الرئيس أراد أن يوضح ما يشير إليه البعض من تراجع فى تأييد مبارك للدور السياسى لنجله جمال مبارك، الأمين العام المساعد، لا يعنى بحال أنه بصدد تنحية جمال مبارك عن دوره السياسى بالكامل لما اختار أيضا طريقة أكثر سلاسة من تلك الإشارات المتكررة التى حفل بها خطابه حول دور الشباب المتزايد فى صياغة «الفكر الجديد» وقيادة الشباب المستمرة لعملية تطوير الحزب منذ «2002»، وقوله إن «شباب الحزب قادر على التطوير المستمر» من أجل مصر والمصريين. مبارك أكد أن الاهتمام الرئيسى للحزب وله بوصفه رئيس الحزب الآن هو الانتخابات التشريعية المقبلة فى 2010 بعد انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى المقررة فى العام نفسه. وطالب مبارك حزبه «حزب الأغلبية» بالعمل على صياغة برنامج انتخابى «يبنى على ما حققناه من نمو اقتصادى وتنمية ومحاصرة للفقر»، كما طالب مبارك بأن ينحاز هذا البرنامج الانتخابى إلى الأغلبية من «المواطنين البسطاء»، مؤكدا أن الحزب الوطنى الديمقراطى قادر على «أن يؤكد جدارة الحزب كحزب للأغلبية». وفى رسالة تحذير لأعضاء حزبه من التراخى، قال مبارك «يخطئ من يظن أن الانتخابات المقبلة ستكون انتخابات سهلة»، معربا عن إيمان الحزب العميق بالتعددية وقدرته على التنافس الشريف فى ظل «انتخابات حرة ونزيهة». ولم يعلق الرئيس بالقليل أو الكثير على كل التكهنات حول احتمال ترشحه لانتخابات الرئاسة المقبلة أو احتمالات ترشيح نجله، كما أنه لم يعلق على أى مما يتردد عن ترشيحات أخرى بدأت التوقعات تتزايد بشأنها. فالرئيس لم يتحدث بكلمة عن الانتخابات الرئاسية وأكد، ربما فى رسالة غير مباشرة وبالتأكيد هادئة، لكل من يطالب بتعديلات دستورية أو من يطرح صياغات مختلفة لترتيبات نقل الحكم فيما بعد انتهاء ولايته المقرر فى 2011 أنه مستمر فى العمل من أجل تنفيذ برنامجه الانتخابى الذى خاض على أساسه انتخابات الرئاسة فى 2005، كما أكد أن لمصر «مجتمعا راسخا بدستوره.. وأن المؤسسات باقية والأشخاص زائلون.. وأن الدستور هو الضمان والحكم وهو فوق الجميع». وقال مبارك إن شعار «من أجلك أنت» الذى تنعقد تحته أعمال مؤتمر الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم هو رسالة لكل مواطن ومواطنة مصرية من مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية ولكل المجتمع بمسلميه وأقباطه ورجاله ونسائه أن الحزب الوطنى الديمقراطى حريص على مصالح الشعب المصرى. وشدد مبارك فى أكثر من موضع على اهتمامه بتحسين نوعية التعليم والانتصار لحقوق الفلاحين والعمال بالرغم من التحديات الاقتصادية التى تطرحها الأزمة المالية العالمية و«الزيادة السكانية التى تأكل ثمار التنمية أولا بأول». وأفرد مبارك على وجه التحديد فى تقديم وعود للفلاحين شملت تحسين أسعار بيع السلع الزراعية، بالرغم من تهاوى أسعارها دوليا، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحى وتطوير سياسة الأحوزة العمرانية. وقال الرئيس إن حكومة الحزب الوطنى قادرة على طرح برنامج إنعاش اقتصادى إضافى وعلى تدبير موارده بصورة ذاتية كما فعلت منذ بداية الأزمة. ووعد الرئيس مبارك برفع معاش الضمان الاجتماعى بنسبة 25 بالمائة اعتبارا من العام المقبل، كما وعد بإطلاق بطاقة الأسرة التى ستدرج عليها أنواع مختلفة من الدعم بما فى ذلك الدعم النقدى «فى المستقبل» لضمان أن يذهب الدعم لمستحقيه «بدلا من الوضع الحالى» الذى يتوزع فيه الدعم على من يستحق ومن لا يستحق. وفى رد على ما يثار حول تداعى الطبقة المتوسطة والتأثيرات السلبية لذلك على المجتمع شدد مبارك على أن الحزب وحكومته مستمران فى دعم الطبقة المتوسطة، واصفا إياها بأنها «النواة الصلبة للمجتمع». وفى إشارة ذات مغزى قال مبارك انه يعنى بشدة بتطوير قطاع النقل، ورغم انه اعترف بما تحقق من انجازات فى ذلك القطاع إلا أنه شدد، أمام تصفيق من جموع المشاركين، «لن أسمح بأى تهاون أو تقصير يستخف بأرواح المواطنين». ولم يفصح مبارك عن نواياه إزاء تعديل وزارى قادم محدود يتوقع البعض أن يشمل ما يزيد على ستة وزراء تنحصر بالأساس فى القطاع الخدمى، وإن ذهب البعض بتوقعاته لعدد أكبر من الحقائب ربما تمس بعض الحقائب السيادية. وجاءت كلمة مبارك بعد الجلسة الافتتاحية العامة للمؤتمر السنوى السادس للحزب الوطنى، وخلال تلك الجلسة شن أحمد عز أمين التنظيم بالحزب هجوما حادا على الصحافة المنتقدة للحزب وعلى جماعة الإخوان المسلمين.