بعدما أثار برنامج الصكوك الشعبية ضجة كبيرة عند الإعلان عنه فى مؤتمر الحزب العام الماضى، ما زال مصيره معلقا مع حلول موعد المؤتمر السنوى للحزب هذا العام. فما بين الإعلان عن إرجاء برنامج الصكوك الشعبية، وما تأكيدات وزير الاستثمار على عرضه معدلا خلال مؤتمر الحزب الوطنى لهذا العام، «يبدو أن الموضوع ليس محسوما بشكل واضح على مستوى الحزب الوطنى والحكومة»، كما يقول جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد فى جامعة القاهرة، وعضو حزب التجمع مشيرا إلى أنه كان هناك معلومات العام الماضى عن وجود مشروع قانون للصكوك فى أدراج المسئولين. حدث نوع من التراجع الحكومى عن البرنامج بعد التراجع عنه، ثم عادت الفكرة لتظهر مرة أخرى، ثم تسربت تصريحات أن الحكومة صرفت نظر، بحسب جودة، مشيرا إلى أن هذا التذبذب يعكس عدم وجود قرار نهائى بشأن البرنامج الجديد. ويقول مصدر مسئول فى الحزب الوطنى، رفض ذكر اسمه، فى تصريحات خاصة ل«الشروق» إنه منذ أسبوعين فقط لم تكن ورقة المشروع مطروحة على أجندة المؤتمر العام للحزب، ولم تتم مناقشته ضمن الإثنتى عشرة ورقة، التى تم طرحها فى الاجتماعات التحضيرية، إلا أنه يبدو أنه تم العدول عن ذلك، «فى محاولة لحفظ ماء وجه وزير الاستثمار»، على حد تعبيره. ويشير مسئول الحزب إلى أنه قد تقرر مناقشة محورين من المشروع، وهما إنشاء صندوق الأجيال، وجهاز لإدارة الأصول من أجل رفع كفاءة الشركات المملوكة للدولة، على أن يتم استبعاد فكرة توزيع الصكوك فى الفترة الحالية. وكانت الحكومة قد أعلنت فى نوفمبر الماضى عن برنامج الصكوك الشعبية الهادف لتوسيع قاعدة الملكية العامة، ليتم من خلاله خصخصة 153 شركة حكومية، عن طريق إعطاء كل مواطن مصرى مقيم فى البلد أو خارجها ويزيد عمره على 21 سنة حزمة من أسهم مختلف الشركات، التى ستتم خصخصتها. وكان من المتوقع، بحسب البرنامج، حصول نحو 41 مليون مواطن على نصيب من حصة الدولة فى 86 شركة، بتسليم كل شخص ورقة مالية تساوى قيمة أسهمه وتسمى «صك»، ويستطيع حامل صك الملكية أن يتعامل عليه من خلال البورصة بيعا وشراء. وبالإضافة إلى توزيع الصكوك الشعبية، طرح البرنامج فكرتين آخريين، وهما فكرة إنشاء صندوق الأجيال، وهو صندوق يحتجز جزءا من العوائد الناتجة عن المشروع من أجل حماية حقوق الأجيال المقبلة فى الشركات المبيعة، بالإضافة إلى إنشاء جهاز إدارة الأصول من أجل رفع كفاءة الشركات المملوكة للدول. الرؤية داخل وزارة الاستثمار نفسها تبدو غير واضحة، ففى الوقت الذى يؤكد فيه سمير رضوان، عضو فى هيئة الاستثمار، عكوف الوزير والطاقم الخاص به فى الفترة السابقة على تقديم تصور متكامل للنظام الجديد لإدارة الأصول، ينفى مصدر مسئول فى الوزارة علمه بأى جديد بشأن هذا الموضوع متعجبا من هذه التطورات «الغريبة والسريعة» فيما يتعلق بطرح ومناقشة ورقة الصكوك، بحسب تعبيره. وكان محيى الدين، وزير الاستثمار، قد نفى فكرة إرجاء البرنامج فى حوار تليفزيونى الأسبوع الماضى، «برنامج الملكية الشعبية كان من البداية مشروعا جديدا مطروحا للحوار، ومن ثم لم يكن هناك زمن محدد لتنفيذ البرنامج، وإنما الهدف كان المشورة من أجل التوصل إلى أفضل صيغة لصياغة مشروع قانون». فى الوقت نفسه، كان المصدر المسئول فى وزارة الاستثمار قد صرح ل«الشروق» بأنه «لا يوجد أى تفاصيل محددة بشأن هذا البرنامج، ولكن كل ما نعلمه أنه تم تأجيله بصفة مرحلية نتيجة لعدة أسباب من ضمنها الأزمة العالمية». جاء حديث الوزير لبرنامج «البيت بيتك» بعد أيام قليلة من تصريحات له على هامش إجتماعات صندوق النقد فى تركيا عن استئناف برنامج الخصخصة، مشيرا إلى أنه سيتم الإعلان خلال الأشهر القليلة المقبلة، وقبل نهاية العام المالى الحالى، عن طرح حصص من بعض الشركات الحكومية للاكتتاب العام. ولم يتطرق الوزير حينها إلى برنامج الصكوك. توزيع الصكوك المجانية نقطة الخلاف مشروع الملكية الشعبية يقوم على ثلاثة محاور أساسية، تمت الموافقة على محورين منه (صندوق الأجيال وجهازإدارة الأصول من أجل رفع كفاءة الشركات المملوكة للدول) على أن يتم بعض التعديلات الخاصة فى المحور الثالث، والذى يتعلق بالملكية الشعبية، وفقا لتصريحات محيى الدين. والمحور الذى لم تتم الموافقة عليه يتمثل فى كيفية توزيع الصكوك، أى «وسيلة الوصول إلى 40 مليون مواطن لتعطيهم الصكوك الخاصة بهم»، كما يوضح محيى الدين كاشفا أنه قد تم تحديد بعض آليات التطبيق، وسيتم عرضها فى اجتماع الحزب الوطنى السنوى، وفى حالة التوصل إلى موافقة على التعديلات المقدمة ستتم صياغة مشروع قانون على الفور». ويوضح مسئول فى البنك الدولى، رفض ذكر اسمه، «أن وزير الاستثمار يعتبر هذا المشروع تحديا شخصيا»، وهذا يفسر تصميمه على تقديم البدائل للنقاط التى لم يتم الاتفاق عليها»، كما جاء على لسانه مشيرا إلى أن هذا غير كاف، حيث إن الوزير يجب أن يأخذ فى الاعتبار صعوبة نجاح المشروع، خاصة فيما يتعلق بكيفية الوصول إلى مختلف طبقات الشعب. ويوضح المصدر أن هذه مهمة صعبة خاصة مع عدم وجود قاعدة بيانات قوية لدى الحكم المحلى تمكن البرنامج من الوصول إلى مختلف طبقات الشعب لتوزيع الصكوك عليهم، وحتى مع بدء تطبيق نظام اللامركزية «قد يستلزم تحقيق الهدف وقتا طويلا»، يقول المصدر مشيرا إلى أهمية الكشف عن كيفية الوصول إلى ال40 مليون شخص المستهدفين، «فهناك أميون لا يهتمون ولا يجيدون القراءة والكتابة، ومن ثم لن يتقدموا إلى المشروع»، تبعا لمسئول البنك الدولى. هذه النقاط، وفقا للمسئول، تؤكد أن فكرة تطبيق البرنامج، حتى لو ظلت مطروحة، لن تكون على الأمد القريب لأن هناك عددا من التعقيدات والأنظمة الداخلية، التى لابد من تعديلها أولا»، بحسب قوله. وكان الوزير قد أوضح أنه فيما يتعلق بصندوق الأجيال، وجهاز إدارة الأصول من أجل رفع كفاءة الشركات المملوكة للدول، أنه «بينما لم يكن هناك إجماع على هذين المحورين، كان هناك نوع من التوافق، ومن ثم فقد تمت الموافقة عليهما بعد المناقشة»، بحسب محيى الدين. الأمر الذى وفقا لعبد الخالق به نوع من التضليل حيث إن «فكرة ضمان حقوق الأجيال القادمة مبنى على افتراضية تحقيق عوائد من البيع وهذا أيضا ليس مضمونا علما بأن ما سيتبقى من أصول ليس من المتوقع أن يدر أرباحا كافية لاحتجاز جزء منهم ليضمن مستقبل من هم أقل من 21 عاما حاليا»، بحسب قوله متسائلا عن التعديلات التى قام بها من أجل تفادى سلبيات هذين المحورين. «إذا أصرت الحكومة على تنفيذ البرنامج برغم عدم وجود تفسيرات بشأن نوعية التعديلات المنفذة فإن ذلك لا يدل إلا على غياب سياسة تهدف إلى تنمية البلد، ويكشف الحجاب عن حكومة شغلها الشاغل تصفية القواعد الإنتاجية الموجودة فى الدولة»، كما جاء على لسان عبدالخالق.