التطبيق من الغد، شعبة المخابز تكشف عن التكلفة الجديدة لإنتاج الخبز    الأرجنتين تصعق بيرو بثنائية لاوتارو وكندا تبلغ ربع نهائي كوبا أمريكا لأول مرة    مقتل وإصابة 48 شخصا إثر هجمات انتحارية شرقي نيجيريا    "أبو الغيط": مبارك رفض التصدي للاتصالات الأمريكية مع الإخوان لهذا السبب    التصعيد مستمر.. الاحتلال يقصف مناطق جنوبي رفح الفلسطينية    لاوتارو مارتينيز يمنح الأرجنتين العلامة الكاملة بهدفين في بيرو بكوبا أمريكا 2024    سالم: تم اختزال مطالب الزمالك في مطلب واحد.. ونريد مشاركة الأهلي في الإصلاح ولكن    غرق شاب بترعة القاصد في طنطا أثناء غسيل سيارته    تفاصيل جديدة عن زواج نجوى كرم    هل يجوز التهنئة برأس السنة الهجرية.. الإفتاء توضح    الصحة: مرضى الاكتئاب أكثر عرضة للإصابة بالسرطان    «السيستم عطلان».. رابطة مصنعي السيارات تكشف أسباب تكدس العربيات في الموانئ    سعر جرام الذهب عيار 21.. لماذا يفضل المصريون التعامل به؟    ياسر حمد يعلن رحيله عن نادي الزمالك    عصام عبد الفتاح يكشف فضيحة تلاعب كلاتنبرج بالخطوط لصالح الأهلي    ملف يلا كورة.. مصير الشناوي.. انتصار الزمالك.. ونهاية مشوار موديست مع الأهلي    خبير تحكيمي يهاجم فيتور بيريرا بسبب أخطاء الحكام    أسعار ومواصفات بيجو 2008 موديل 2024    عبر الموقع الرسمي للوزارة.. رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2024 برقم الجلوس (استعلم الآن)    عاجل.. لطلاب الثانوية العامة.. الأسئلة المتوقعة في امتحان الإنجليزي    وزير خارجية اليمن: القضية الفلسطينية على رأس أولويات القاهرة وصنعاء    حظك اليوم برج القوس الأحد 30-6-2024 مهنيا وعاطفيا    بحضور جماهيري ضخم.. عمرو دياب يشعل حفله في الساحل الشمالي    محمد رمضان يقدم حفل ختام ناجحا لمهرجان موازين وسط حضور جماهيرى ضخم    7 معلومات عن الأميرة للا لطيفة.. حزن في المغرب بعد رحيل «أم الأمراء»    ما هي أول صلاة صلاها الرسول؟.. الظهر أم العصر    من هو أول من وضع التقويم الهجري؟ ولماذا ظهر بعد وفاة الرسول؟    سيناريوهات مصير جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية    عاجل.. فيروس "حمى النيل" يهدد جنود الاحتلال الإسرائيلي.. وحالة من الرعب    اعرف وزن وطول طفلك المثالي حسب السن أو العمر    حماس: ما ينقل عن الإدارة الأمريكية بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة يأتي في سياق ممارسة الضغوط    سفيرة الدنمارك بالقاهرة: أوروبا أكبر مستثمر وشريك تجاري في مصر    عمرو أديب: مستقبل وطن يمتلك كوادر تنظيمية تستطيع تخفيف الأزمة الاقتصادية| فيديو    حكم الشرع في الصلاة داخل المساجد التي بها أضرحة.. الإفتاء تجيب    ضبط مسجل خطر بحوزته مواد مخدرة وسلاح ناري في الأقصر    إصلاح خط مياه في الدقي وعودة المياه تدريجيًا ل5 مناطق    متحدث التعليم: شكلنا لجنة للوقوف على شكوى امتحان الفيزياء والتقرير في صالح الطلاب    حقيقة تأجيل الضمان الاجتماعي المطور لشهر يوليو 1445    «صرخة نملة وخوف من الأهلي».. تعليق مثير من مدحت شلبي على رجوع الزمالك عن انسحابه    عمرو أديب ساخراً: غالبية الدول تغلق المحلات في العاشرة مساءً.. احنا عايزين نظام غير العالم    الإجازات تلاحق الموظفين.. 10 أيام عطلة رسمية في شهر يوليو بعد ثورة 30 يونيو (تفاصيل)    مدحت صالح يطرب جمهور الأوبرا بأروع أغانيه على المسرح الكبير    "طعنة بالصدر".. ننشر صورة المتهم بقتل سباك الوراق بسبب المخدرات    5 علامات تدل على خلل الهرمونات بعد الحمل.. لاتتجاهليهم    نجم الزمالك السابق: هدف الاتحاد السكندري صحيح 100%    مصطفى بكري: إعلان تشكيل الحكومة الجديدة 3 يوليو    رئيس لجنة الصناعة ب«الشيوخ»: 30 يونيو ثورة شعب ضد قوى التطرف والتخلف استجاب لها قائد عظيم لتحقيق طموحات الشعب    أحمد موسى يكشف موعد الإعلان عن الحكومة الجديدة -(فيديو)    بالتزامن مع بداية امتحاناتها.. 14 معلومة عن برامج الماجستير والدكتوراة المهنية بجامعة الأقصر    بعد اشتعال الموبايل في بنطلونها.. 4 أسباب تؤدي إلى انفجار الهواتف الذكية (احذرها بشدة)    «الزنداني»: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر هدفها كسب تأييد شعبي    أستاذ علوم سياسية: الدول المنادية بحقوق الإنسان لم تقم بدور مهم حول غزة    حدث بالفن| موقف محرج لمحمد رمضان وميسرة تكشف كواليس مشهد جرئ مع عادل إمام    أبرز حالات إخلاء سبيل متهم وظهور أدلة تلغي القرار    إصابة 4 أشخاص بينهم طفل بلدغات سامة في الوادي الجديد    أخبار × 24 ساعة.. وزارة التموين: سداد فارق تصنيع الخبز المدعم للمخابز البلدية    رمضان عبد المعز: الصلاة على النبى تنصرك على آلام وأحزان ومصاعب الدنيا    الأوقاف تعلن افتتاح باب التقدم بمراكز إعداد محفظي ومحفظات القرآن الكريم - (التفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انكسار
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 09 - 2019

إذا أعلنت مَصلحةُ الأرصاد الجوِّية انكسارَ المَوجة الحارة، تنفَّس الناسُ أغلبِهم الصعداء، ومع كُلّ ارتفاع جديد يرهق الأنفاسَ، تقوم حربٌ كونيةٌ ما بين طائفتين؛ المُولَعين بالصيف، وعاشقي الشتاء، يعدّد الطرفان كُلٌّ مساوئ اختيار خصمِه، ويُسرِف في تصوير مَحاسنِ اختياره وعِشقِه، وتظلُّ المعركةُ الكلامية مُستعِرةً ما دام القيظ مُلِمًا بالأجواء، وما تأجل الانكسار.
***
تذُكر مَعاجمُ اللُّغةِ العربية أن انكسارَ الشيء هو تحطُّمه، ويُقال انكَسرَ العَظمُ وانكَسرَ الزُّجاجُ أي؛ تهشَّم وتفتَّت ولم يعد كُلًّا واحدًا. إذا فقدت أبياتُ الشعرِ وزنَها وُصِفَت بأنها مَكسورةٌ، وإذا انكَسرَت التجارةُ؛ فالمعنى أنها بارت وأوشك صاحبُها على الإفلاس. انكَسرَ العجينُ أي؛ طابَ واختمَرَ وصار صالحًا للخبز، وانكَسرَت شوكتُه أيّ ضاعت قوتُه وانهزم. الجمع من مفردة انكسار: انكسارات؛ وما أسوأ انكسارات الناس بعد هزيمة حرب، وما أعتى انكسار الأمل وسقوط الحلم، خاصة إذا سبقهما ما يُعمي الأعيُنَ عن الحقائق ويُزَيِّن لها العوار.
***
في انكسار الشمسِ إشارةٌ لاقتراب ساعة الغروب، وإيذانٌ بنسائم تلطّف الحالَ وتُرَطّب ما انفصد مِن حبات العرق، وإذا غنت أم كلثوم لشمس الأصيل؛ فضوء رائق انكسرت حدته، وهدأ سطوعه، ولانت عريكته. غياب الأشعة المباشرة الحارقة لا يرتبط دومًا بساعة من ساعات اليوم، إنما قد يكون السبب في تكاثف الغيوم الحاجبة، أو تراكم ذرات العوادم والغبار؛ تلك التي تجتمع في فضائنا، وتصنع غلالة حول القاهرة، وتجعلها على رأس العواصم الملوثة.
***
يترك انكسار الموج على الرمال أثرًا مهدئًا للنفس؛ فعنفوان وصخب يؤولان إلى رقَّةٍ وسلام. في استكانة الأمواجِ بنهاية رحلتها الطويلة الشاقة ما يمنح الرائيَ ارتياحًا، وفي الزَبَد المُتلاشي ما يُشفي القلقَ، ويجعل عظيمَ البأس والأثر؛ ضئيلًا مُستصغَرًا.
***
"اللي انكسر يتصلح"؛ عبارة تُقال لتهدئةِ الخَواطر وتخفيفِ الغَضَب، والمُراد أن لكُلّ سقطةٍ ما يَجْبُرها، ولكُلّ جُرح ما يُداويه، لكن الحالَ لا تجري دومًا على هذا المِنوال ولو في المَأثورات؛ فالنقيضُ حاضر وله بعض الأحيان وجاهته، والمثل المُعاكس يقول في ثقة: "اللي انكسر عمره ما يتصلح". نستخدم أحدَ القَوْلَين بحسب ما نريد توجيه دفّة الحديث، ووفقًا لمُجريات الأمور، فالإصلاح قد يكون واردًا أو مُستحيلًا، والسياق يُحدد ما ننتقي مِنهما.
***
ينكسر الضوْءُ وينحرف عن مساره الطبيعيّ حينما ينتقل مِن وَسَط شفَّاف إلى آخر، وبسبب اختلاف زوايا الانكسار هذه، يتحلل الشعاع الواحد في ظروف فيزيائية مُحدَّدة وظواهرٍ مَعروفة؛ لتنتُج عنه ألوانُ الطيف السبعة التي تبدأ بالأحمر وتنتهي بالبنفسجيّ. بعضُ الأشخاص في انكساراتِهم يتحلَّلون، وتتبدَّى مُكوّناتهم الأوليَّة للآخرين وتصبح مكشوفة؛ فمنها ما يستجلبُ الشفقةَ، ومنها ما يستثير النفورَ، وكذلك ما يدعو للإكبار والتقدير.
***
كَسر إشارات المُرور عادةٌ أصيلة؛ حَدَّت منها وهذَّبتها آلاتُ التصوير التي انتشرت في الآونة الأخيرة هنا وهناك، وانتصبت فوقَ المارة والعابرين؛ تراقِب وترصُد وتُنذِر بالعِقاب، فما إن أُصيبَت هي الأخرى بالانكسارِ، وأحنَت رؤوسَها، وانطفأت إلى جانبِها الأضواءُ الحمراء والخضراء والصفراء، حتى عاد السائقون إلى عشوائيةِ المَسير، وإلى كسرِ القواعد وتخطّي الأعراف.
***
لا حصر لعدد المرات التي قيل فيها: "دي مكسورة الجناح" للإيحاء بالضَعفِ وقلَّةِ الحِيلة. غالبًا ما تُقصَد بهذا التعبير امرأةٌ في لقطة من فيلم عربيّ قديم، وكثيرًا ما يحمِل الوَصفَ بعضَ المبالغة؛ فمظاهر الانكسار قد تخفي وراءها عواملَ قوة وقدرة، والجناح المَكسور سرعان ما يلتئم، وربما يصبح أفضل مما كان، بل ويغدو الانتقام ممن كسره هدفًا مُبيتًا، وغاية لا تفريط فيها.
***
في "كسر الرأس" رمزٌ للإثناءِ عن فكرة تملَّكت على صاحبِها كيانه باستخدام القوة، وإذا أنذر واحدٌ آخر: "كَسر رقبتك"؛ فتهديد ووعيد بما ليس في الإمكان جَبْرُه، وإذا قيل إن فلانًا قد كَسَرَ عَينَ علّان؛ فقد جعله مدينًا وحرمه التعامل بندّية ومُساواة، ومنها أن مَكسورَ العينِ ذليلٌ، أما إذا فقد المرء سنَدَه في الحياة، قيل انكسر ظهرُه، وإذا قيل لا تكسِر خاطِره؛ فالمقصود ألا تردّ السائلَ خائبًا دون تحقيقِ مُناه، وإذا وَصِفَ شخصٌ بأنه مُنكَسِر؛ كان القصدُ أنه طيبٌ هادئ لا يفتعل المُشكلات، ولا يعلو له حسٌّ. الكاسر فاعلٌ قويٌّ والمَكسور مَفعولٌ به؛ لا حول له ولا قوة.
***
في جُعبَة الأطباء ما يُعرف باسم مُتلازمة القلب المَكسور؛ مَجموعة مِن الأعراض التي يشعر معها الفردُ بأنه على وشك الإصابة بنوبة قلبية عنيفة، في حين يكون قلبُه سليمًا مُعافى. تنشأ هذه الأعراض نتيجة ضغط جسدي أو نفسي شديد؛ تدريبات بدنية قاسية أو خبر مؤسف أليم، علاقة حب انتهت أو صدمة موت مفاجئ، وأحيانًا نبأ سعيد لا يصدق؛ كالفوز باليانصيب. يفرز الجسم الأدرينالين ويؤثر على أداء القلب دون إصابة مرضية محققة، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن النساء يعانين من القلوب المكسورة بأكثر مما يفعل الرجال.
***
كتب سيد حجاب المقدمة الرائعة لمسلسل "ليالي الحلمية"، ووضع ميشيل المصري اللحنَ، وتألقَ صوتُ محمد الحلو في الأداء، فكان اجتماع العظماءِ الثلاثة علامة مِن العلامات الفارقة في السمع والوجدان؛ إذ الوجيعةُ حيَّة لا تزال: "مِن انكسار الروح في دوح الوطن.. يجي احتضار الشوق في سجن البدن". كلما أُذيِعَت الأغنية ردَّدتها الألسنةُ في تلقائية؛ فالكلمات التي تمَسُّ شغافَ القلب مَحفوظةٌ، والمَعاني تترك فيه رجفة وشجنًا، وحنينًا لا ينتهي.
***
تتجدد الأوجاع وتتعمَّق وتبقى جروحًا مَفتوحة؛ فرجاءٌ مُهدَر، وطموحٌ يعقبه انكسار تلو انكسار؛ لكن الانكسارات تضيف إلى المرء عمرًا فوق العمر، وتمنحه من خبرات الحياة ما لا يجد في سعادة صافية لا تشوبها مُنغّصَات، والشاعر العراقيّ محمد مهدي الجواهري يقول: كم في انكسار القلب من حِكَمٍ … لا عاش قَلْبٌ غَيرُ مُنْكَسِر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.