قبول جامعة سوهاج في الدفعة الثانية من برنامج رواد وعلماء مصر    التضامن: تسليم 801 وحدة سكنية في 12 محافظة للأبناء كريمي النسب    خبير تربوى: الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بالتعليم التكنولوجي الذي يؤهل إلى سوق عمل    رئيس الأسقفية مهنئًا المصريين بذكرى أكتوبر: روح النصر تقودنا في معركة التنمية    «لا يشترط الخبرة».. الشباب والرياضة تعلن وظائف خالية جديدة لجميع المؤهلات (تفاصيل)    نائب محافظ الفيوم يحدد شروط الاستثمار بساحل بحيرة قارون    قومى المرأة بسوهاج يواصل تدريب السيدات على ريادة الأعمال    خبيرة: مشروع رأس الحكمة أحدث استقرارا نقديا انعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار    معسكر تدريبي مشترك بين «حياة كريمة» و«صناع الحياة» لتطوير ملف إدارة الحالات الأولى بالرعاية    رئيس الضرائب توضح تفاصيل جديدة بشأن إصدار فواتير إلكترونية    مستوطنون يهاجمون مزارعي الزيتون غرب رام الله    اليابان تجلي 16 من رعاياها من لبنان بطائرة عسكرية    أخبار الأهلي : الأهلي يفاجىء كولر ب3 قرارات جديدة    محافظ الغربية ووزير الشباب يقودان ماراثون للدراجات بمشاركة 50 شاب    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    مدرب بايرن ميونيخ: من المؤسف غياب موسيالا.. وهذه نقطة قوة فرانكفورت    القبض على المتهم بقتل صديقة داخل منزلة فى مطروح    عقب تداول مقطع فيديو، ضبط دجال في الأقصر بتهمة الترويج لأعمال السحر    خلال 24 ساعة.. تحرير 534 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    2000 سائح يحلقون في سماء الأقصر على متن 70 رحلة بالون طائر    الصحف العالمية تختار مصر ضمن أفضل المقاصد السياحية للزيارة    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    المطرب محمد الطوخي يقدم «ليلة طرب» في مهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية    إيرادات الجمعة.. "عاشق" الأول و"اللعب مع العيال" في المركز الثالث    احتفالًا بانتصارات أكتوبر.. ورش وعروض فنية ضمن فاعليات قصور الثقافة    الأوقاف: افتتاح البرنامج التدريبي لمجموعة من علماء دور الإفتاء الماليزية    تقديم أكثر من 103 ملايين خدمة طبية متنوعة ضمن حملة «100 يوم صحة»    رئيس معهد التمريض بالتأمين الصحي في الشرقية: تكليف الطلبة بالعمل فور التخرج    باحث سياسي: إسرائيل تحاول إعادة صياغة شكل المنطقة بالتصعيد المستمر    الأرصاد: انخفاض في درجات الحرارة الأيام المقبلة.. "البسوا خريفي"    إطلاق حملة لصيانة وتركيب كشافات الإنارة ب«الطاحونة» في أسيوط    ابنة علاء مرسي تحتفل بحنتها على طريقة فيفي عبده في «حزمني يا» (صور)    موشيه ديان يروى شهادته على حرب 73: مواقعنا الحصينة تحولت إلى فخاخ لجنودنا.. خسرنا كثيرا من الرجال ومواقع غالية    «منظومة الشكاوى» تكشف عن الوزارات والمحافظات صاحبة النصيب الأكبر من الشكاوى    3 دعامات في القلب.. تفاصيل الأزمة الصحية المفاجئة لنشوى مصطفى    الولايات المتحدة تضرب 15 هدفًا للحوثيين في اليمن    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    فرد الأمن بواقعة أمام عاشور: ذهبت للأهلي لعقد الصلح.. واللاعب تكبر ولم يحضر (فيديو)    برلماني يحذر من مخاطر انتشار تطبيقات المراهنات: تسمح بقرصنة بيانات المستخدمين    تخفيضات 10%.. بشرى سارة من التموين بشأن أسعار السلع بمناسبة ذكرى أكتوبر    للتغلب على التحديات.. «الصحة» تبحث وضع حلول سريعة لتوافر الأدوية    إنتر ميلان يواجه تورينو اليوم في الدوري الإيطالي    شاهندة المغربي: استمتعت بأول قمة للسيدات.. وأتمنى قيادة مباراة الأهلي والزمالك للرجال    تقرير أمريكي: السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا.. وحماس لا ترغب في المفاوضات    حاول إنقاذه فغرقا معًا.. جهود مكثفة لانتشال جثماني طالبين بهاويس الخطاطبة بالمنوفية (أسماء)    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    طريقة عمل الكرواسون بالشيكولاتة، الوصفة الأصلية    تعديل تركيب قطارات الوجه البحري: تحسينات جديدة لخدمة الركاب    غارة إسرائيلية عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت    قوات الاحتلال تعتقل 4 فلسطينيين من الخليل بالضفة الغربية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    إسلام عيسى: انتقالى لسيراميكا إعارة موسم منفصل عن صفقة أوجولا    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    "حزب الله" يكشف قصة صور طلبها نتنياهو كلفت إسرائيل عشرات من نخبة جنودها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلا منازع: لماذا ستبقى أمريكا القوى العظمى الوحيدة فى العالم.. كتاب جديد يثير الجدل فى الولايات المتحدة(4)
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 06 - 2019

الولايات المتحدة ستتجاوز الصين قريبا لتصبح أكبر دولة مُصنِعة فى العالم.
الصين تقود العالم فى بعض الصناعات كالأجهزة المنزلية والنسيج والصلب والألواح الشمسية والطائرات المسيرة
النمو الإنتاجى السريع للصين خلال ربع القرن الماضى، نشأ بفعل الجهد البشرى وليس بفعل العقل والإلهام.
الصين كثفت التجسس الصناعى والتكنولوجى على الشركات الغربية لكنها لم تتحول إلى قوة دولية فى مجال الاختراعات والابتكارات
3 تريليونات دولار حجم احتياطيات الصين لكن مديونياتها تجاوزت 30 تريليونا.
زيادة الإنتاجية وتكثيف الابتكار هما الحل الوحيد لإنهاء مشكلة ديون الصين.

فى الحلقات الماضية من عرض كتاب: «بلا منازع، لماذا ستبقى أمريكا القوة العظمى الوحيدة فى العالم» لمؤلفه «مايكل بيكلى»، تناولنا شرح الفكرة الأساسية للكتاب والذى يناهض فكرة أن أيام الولايات المتحدة على رأس الكوكب الأرضى صارت معدودة، ذلك أن «بيكلى» يرى أن الولايات المتحدة ستظل هى القوة المهيمنة فى العالم حتى نهاية القرن الحالى على الأقل استنادا إلى منهج مختلف يقيس القوة النسبية للأمم من خلال حساب «صافى» الثروة الاقتصادية والإمكانات العسكرية لكل دولة، وليس باحتساب إجمالى القدرات الاقتصادية والعسكرية، وأن عناصر القوة الأمريكية تشير إلى أنها ستظل تمتلك قدرات أفضل عسكريا واقتصاديا وتقنيا لعقود أخرى قادمة خاصة على الصين التى تعد أقرب منافسيها.
كما تناولنا تركيز المؤلف على الصين باعتبارها البلد الوحيد حول العالم الذى يمكن أن يضارع الولايات المتحدة من حيث صافى المصادر والقدرات، ولماذا يرى أن الولايات المتحدة ليست فقط أكثر ثراء من الصين بعدة مرات، ولكن الفجوة تتسع بينهما بتريليونات الدولارات كل عام بسبب مصادر الثروة الاقتصادية
ومنها رأس المال البشرى والمقصود به هنا المهارات المعرفية للعاملين.
وفى هذه الحلقة نناقش عنصرين آخرين من عناصر الثروة الاقتصادية وهما: رأس المال المُنتَج (بفتح التاء)، ورأس المال الطبيعى
الموضوع:
رأس المال المُنتَج
رأس المال المُنتَج (بفتح التاء)، هو إجمالى السلع والمنتجات والبنية التحتية التى ينتجها البشر، وهى تعادل فى أمريكا ما بين ضعفين وثلاثة أضعاف مثيلاتها فى الصين، وهذا يرجع إلى أن ثلث إجمالى الناتج المحلى للصين و90% من المنتجات فائقة التكنولوجيا تبتكرها شركات أجنبية أنشأت مصانع لها فى الصين، كما أن نصف محتوى المكونات التى صُنعت فى الصين، تعد أمريكية، حيث إن كل 55 سنتا من كل دولار ينفقه المستهلك الأمريكى على مُنتج مَنشأه الصين، يرجع إلى المكونات المنتجة أصلا فى الولايات المتحدة.
وحتى بدون خصم نسبة المكون الأجنبى من الناتج الاقتصادى الصينى، فإن الولايات المتحدة لا تزال تتفوق على الصين بمقدار الضعف من حيث إجمالى رأس المال المُنتَج وهو أمر قد يدهش الكثيرين، فكيف تمتلك الصين احتياطيا نقديا يصل إلى 3 تريليونات دولار، وتستثمر رءوس أموال أكثر مما تستثمره الولايات المتحدة بنحو 600 مليار دولار سنويا، وتُدين الولايات المتحدة بتريليون ومائتى مليار دولار، ومع ذلك لديها نصيب أقل من رأس المال المُنتَج. السبب كما يفسره «مايكل بيكلى» هو أن الصين لديها تكلفة إنتاجية أعلى من الولايات المتحدة، فالنمو الإنتاجى السريع للصين خلال ربع القرن الماضى، لم ينشأ نتيجة الابتكارات والاختراعات ولكن من خلال المدخلات الرأسمالية ومدخلات العمالة، بمقولة أخرى نشأ بفعل الجهد البشرى وليس بفعل العقل البشرى والإلهام.
ويقول بيكلى، إن نمو الناتج المحلى الإجمالى، ليس بالضرورة علامة على تمدد الثروة، ذلك أن ما بين 90 إلى 97% من نمو الاقتصاد الصينى منذ عام 1990 نشأ عن النمو فى المدخلات، أى عبر التوسع فى التوظيف والتشغيل وبضخ رءوس أموال، بينما ظل ما يسمى لدى الاقتصاديين ب«إجمالى عامل الإنتاجية» الذى يقيس زيادة الإنتاج المتولدة عن كل وحدة مدخلات، لا يمثل سوى 3 إلى 10% من النمو الصينى، فى حين أن تحسين الانتاجية فى الولايات المتحدة شكّل ما يتراوح بين 20 إلى 25% من نسبة النمو الاقتصادى الأمريكى خلال القرن الماضى. وهذا يعنى – حسب المؤلف – أن كثيرا من الإنفاق الاستثمارى الصينى يضيع فى الهواء، حيث تقول الحكومة الصينية نفسها إنها أنفقت 6 تريليونات من الدولارات فى استثمارات غير فعالة من 2009 وحتى 2014 وذلك نتيجة أمرين أساسيين، مشاريع البنية التحتية المفرطة، والمشاريع الصناعية ذات الطاقة الإنتاجية العالية، فمشاريع البنية التحتية الهائلة تبدو مبهرة، ولكن 60% منها تتكلف أكثر مما تولد عائدا اقتصاديا، فالصين أنشأت أكثر من 50 مدينة مما يسمى بمدن الأشباح، لأنها تضم مبانى إدارية ومجمعات سكنية خالية ومراكز تسوق ومطارات، ومع ذلك يضع المنتدى الاقتصادى العالمى البنية التحتية الأمريكية فى المركز ال11 عالميا بينما تحل الصين فى المركز 42 عالميا.
أما المشاريع الاقتصادية الصينية كثيفة الإنتاج، فهى شائعة فى الصين وتشكل تقريبا ثلث الإنتاج الصناعى الصينى الذى ينتهى إلى فائض، ينطبق هذا على قطاعات صناعية عديدة من التكرير إلى بناء السفن، ومن صناعات الألومنيوم إلى الأسمنت، حيث يفوق العرض دائما الطلب، وأكبر دليل على ذلك أن قدرة الصين على إنتاج الصلب تفوق قدرة الولايات المتحدة واليابان وألمانيا على إنتاج الصلب مجتمعين.
ويراهن المسئولون الصينيون على إمكانية استيعاب الفائض الانتاجى الصينى عبر مبادرة «الحزام والطريق» التى ستكون بديلا عن طريق الحرير القديم من خلال ضخ استثمارات تقدر بتريليون دولار فى مشاريع البنية التحتية ل69 بلدا تمتد على الطريق بين الصين وأوروبا مرورا بأجزاء من الشرق الأوسط، ومن ثم تجد المنتجات الصينية تصريفا لها وفى نفس الوقت تقوى المبادرة وتنشر النفوذ والتأثير الصينى فى المنطقة الأوروآسيوية.
لكن «بيكلى» يعتبر أن هذه المبادرة تثير القلق لدى عدد من القطاعات داخل الصين نفسها، لأن الحكومة ستمول مئات من المشاريع الاقتصادية المشكوك فيها داخل بلدان غير مستقرة، نصفها لديه تصنيفات ائتمانية أقل من المستوى الآمن استثماريا، بينما تقدر الحكومة الصينية أنها سوف تخسر 80% من قيمة استثماراتها فى جنوب آسيا، و50% من استثماراتها فى جنوب شرقى آسيا، و30% فى آسيا الوسطى. أكثر من ذلك أن خبراء اقتصاديين ورجال بنوك صينيين يتذمرون من أن الحكومة المركزية فى بكين تضغط عليهم لتنفيذ مشاريع غير مربحة مثل تشييد خطوط سكك حديدية فى آسيا الوسطى لشحن البضائع فى النهاية بتكلفة تماثل ضعف تكلفة الشحن البحرى المتاح حاليا.
والنتيجة غير المفاجئة للاستثمارات الصينية الضائعة – على حد وصف المؤلف – هو التزايد الضخم فى حجم الديون التى قفزت من 100% من إجمالى الناتج المحلى للصين فى التسعينيات إلى أكثر من 225% عام 2017، فالدين الصينى الذى بلغ 30 تريليون دولار ويتزايد باستمرار، ليس فقط الأكبر الذى يُسجل بين الدول النامية، وإنما أيضا يتضخم بوتيرة أسرع من أى بلد آخر كونه تضاعف أربع مرات خلال عشر سنوات ما بين 2007
و2017.
وفى حين أن الدين الأمريكى ضخم أيضا، إلا أنه استقر عند مستوى أقل من الصين وهو أقل عبئا، وكما تقول القاعدة الشائعة بين الدائنين والمقترضين، كلما كنت أكثر ثراء كلما تمكنت من الحصول على ديون أكبر، وبمقارنة نصيب الفرد من الدخل، نجد أن دخل المواطن الأمريكى يبلغ ستة أضعاف دخل المواطن الصينى، ولهذا لن تكون أمريكا فقط قادرة على تسديد ديونها، ولكنها سوف تتمتع بفوائد أقل استنادا إلى أن الدولار كعملة احتياط دولية يقلل من أعباء الدين الأمريكية، وبدون هذه الميزة، تعانى المؤسسات والشركات الصينية من نسب فوائد مرتفعة تشكل الآن نحو 20% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى للصين.
وليس من المستغرب أن نجد حاليا أن نحو ربع أكبر ألف شركة صينية تدين – باحتساب الفائدة – بأموال أكثر من إجمالى أرباحها، كما أن 45% من جميع القروض الجديدة فى الصين تستخدم فى دفع الفوائد المستحقة على القروض القديمة.
أيضا فإن نسبة الديون المتعثرة فى بعض التقديرات لدى البنوك الصينية تصل إلى 7% وهى نسبة تفوق تلك التى وصلت إليها البنوك الأمريكية وقت الأزمة المالية عام 2008 والتى كانت أقل من 6%.
يضاف إلى ذلك، أن كثيرا من الشركات الصينية تحصل على قروض من بنوك لا تدرج عملياتها فى الإحصاءات الرسمية الصينية، وقد ضاعفت هذه البنوك من حجم قروضها بين عامى 2010 و2012 لتبلغ نحو 6 تريليونات دولار أى ما يعادل 69% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى للصين فى هذه الفترة وهو ما يعادل أيضا سبعة أضعاف حجم الباقة التحفيزية التى خصصتها الولايات المتحدة كى تتعافى مؤسساتها من الأزمة المالية التى أصابتها عام 2008.
قد تستطيع الصين تجنب أزمة مالية عاصفة، ذلك أن الدولة تمتلك البنوك وأكبر الشركات المدينة، إلا أن شطب هذه الديون المعدومة والتى لا تسدد أبدا، سيكلف الصين ما بين واحد ونصف تريليون دولار إلى عشرة تريليونات على أقصى تقدير. صحيح أن الصين لديها احتياطى نقدى من العملات الأجنبية يصل إلى 3 تريليونات دولار، غير أنها لا تستطيع أن تستخدمها فى تسديد الديون لأن الحكومة الصينية اشترت هذه الاحتياطيات النقدية من البنوك المملوكة للدولة، ومعظم هذه الأموال أودعها مواطنون صينيون فى البنوك، فإذا شرعت الدولة فى تسديد الديون بالاحتياطيات فإنها تكون قد سرقت 3 تريليونات دولار من الشعب الصينى وهو ما قد يؤدى إلى انهيار النظام المصرفى الصينى لأن الناس لن تودع مجددا فى البنوك التى أهدرت مدخرات عمرهم.
الحل الوحيد أمام الصين لحل مشكلة ديونها يتمثل فى زيادة الانتاجية، وهو ما يتطلب تكثيف التحديث والابتكار، وهو ما تدركه الحكومة الصينية كما يقول المؤلف، حيث زادت الحكومة الانفاق على البحوث والتنمية بمعدل ثلاثة أضعاف ووظفت مهندسين وعلماء أكثر من أى بلد آخر، وكثفت من عمليات التجسس الصناعى والتكنولوجى على الشركات كما لم تفعل من قبل فى التاريخ.
وبرغم ذلك، لم تنجح الصين فى التحول إلى قوة دولية فى مجال الاختراعات والابتكارات، وما زالت بعيدة عن المستوى الذى تحققه الولايات المتحدة بكل المعايير، من حيث براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية فى الصناعات الفائقة التكنولوجيا، بل أيضا ومن حيث عدد المقالات العلمية.
يعترف «بيكلى» بأن الصين طورت من إمكاناتها للتميز اقتصاديا، فهى تقود العالم فى بعض الصناعات مثل الأجهزة المنزلية، وصناعات النسيج والملابس والصلب والألواح الشمسية والطائرات المسيرة «درونز»، وذلك كله بسبب عدد السكان الضخم والعمال الفقراء وبسبب الاعانات الحكومية السخية التى مكنت الصين من أن تكون «ورشة عمل العالم».
الصين أيضا لديها أكبر سوق تجارة إلكترونية فى العالم، وتستحوذ على نصيب كبير من السوق العالمية لبرمجيات الإنترنت ومعدات الاتصال، ومع ذلك فإن الصناعات التكنولوجية المتقدمة التى تشمل التطبيقات التجارية للبحوث العلمية مثل الصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية وأشباه الموصلات، والصناعات الهندسية كالطيران والأجهزة الطبية، فإن الصين تستحوذ على نصيب ضئيل من الأسواق مقارنة بالولايات المتحدة.
وبينما تعد الصين منتجا رئيسيا لأجهزة الكمبيوتر والتكنولوجيا الكهربية، إلا أن الشركات العاملة فى هذا المجال تركز على صناعة المكونات، فى حين تميل الشركات الأمريكية إلى التركيز على التصميم والتطوير والتسويق وهى الأنشطة التى تحقق الأرباح.
الآن، وبعدما أصبح التصنيع مرتكزا بشكل أكبر على الميكنة خاصة بعد تطوير الطابعات ثلاثية الأبعاد، وبفعل تطور الذكاء الصناعى، وبسبب الارتفاع النسبى فى تكلفة العامل فى الصين، بدأت الشركات الأمريكية فى إعادة مصانعها من الخارج إلى أراضى الولايات المتحدة، وللاستفادة أيضا من تراجع أسعار الطاقة والأيدى العاملة الماهرة والقرب من المستهلكين.
ولهذا، توقعت مجموعتا ديلويتو بوسطن للاستشارات أن تتجاوز الولايات المتحدة الصين بحلول عام 2020 كأكبر دولة مُصنعة فى العالم.
ويحذر بيكلى من تجاهل التطوير والتحديث فى الولايات المتحدة خاصة وأن إدارة الرئيس ترامب اقترحت خفض النفقات الفيدرالية الحكومية على البحث والتطوير فى المجالات غير الدفاعية بنسبة 20% وهو ما يهدد بخنق البحوث العلمية الأساسية والتراجع عن تحقيق إنجازات واختراقات رئيسية علمية نتيجة لذلك.
ولتبيان تأثير النفقات والتكاليف على رأس المال المُنتَج، يشير «بيكلى» إلى دراسات تقول إن الصين تنفق على الغذاء نحو تريليون دولار سنويا وهو ما يزيد عما تنفقه الولايات المتحدة بمعدل 30%، وترجع الزيادة إلى ثلاثة عوامل هى الاستهلاك المرتفع للغذاء وندرة الأراضى الزراعية وضعف الانتاجية الزراعية، فالصين تستهلك ضعف كميات اللحوم وتسعة أضعاف الحبوب التى تستهلكها الولايات المتحدة، فيما يتوافر للصين نصف الأراضى الصالحة للزراعة مقارنة بأمريكا، وتنتج غذاء أقل بنسبة 70% عن الولايات المتحدة لكل هكتار، كما أن الصين مرشحة لأن تفقد 20% من الأراضى الصالحة للزراعة بسبب الجفاف والتلوث خلال الأعوام المقبلة.
من ناحية أخرى، سيتعين على الصين تدبير أموال التقاعد لأصحاب المعاشات بقيمة 10 تريليونات دولار غير ممولة حتى عام 2040 وهو ما يزيد عن الولايات المتحدة بمقدار تريليونين ونصف تريليون دولار.
ووفقا لتقديرات الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، فإن العجز الصينى فى أموال التقاعد سيقترب من 11 تريليون دولار عام 2033 وأن الفجوة سوف تصل إلى 128 تريليون بحلول عام 2050.
من الناحية النظرية، قد تلجأ الصين لخفض فجوة المعاشات عبر خفض ما تدفعه للمتقاعدين، ولكن عمليا يعد ذلك مستحيلا لأن المتقاعدين الصينيين يحصلون على مبالغ زهيدة فى بعض المقاطعات لتصل إلى أقل من 9 دولارات فقط شهريا، الأمر الذى يمثل عبئا فى الوقت الراهن على الصين وقد يُصعب على الصين الاستمرار على هذا النحو، ذلك أن نسبة العاملين إلى المتقاعدين سوف تقل من 8 إلى 1 حاليا لتصل 2 إلى 1 عام 2040 فى حين أن هذه النسبة فى الولايات المتحدة تصل حاليا إلى 3 إلى 1 وستزيد بعد 2040.
وبالنسبة للتعليم، تنفق كل من الصين والولايات المتحدة 800 مليار دولار سنويا لكن الصين تسعى لزيادة الإنفاق خلال الأعوام القادمة لتتجاوز نفقاتها ما تنفقه الولايات المتحدة.
أما الرعاية الصحية، فتنفق الولايات المتحدة 3 تريليونات دولار سنويا عليها مقابل تريليون واحد تنفقه الصين، حيث ينفق المواطن الأمريكى 10 آلاف دولار للحصول على الرعاية الصحية وهو ما يمثل 18% من إجمالى الناتج القومى، لكن الولايات المتحدة تقطف ثمار هذا الإنفاق حيث إن معدلات الإصابة بالمرض فى أمريكا تقل بكثير عن الصين التى يتوقع أن تزيد نفقاتها على الرعاية الصحية بسبب ارتفاع معدل الشيخوخة بين الصينيين بمعدل أسرع.
لكن التكاليف الأمنية تشكل نقطة مهمة هنا حيث تنفق أمريكا 800 مليار دولار أكثر من الصين سنويا على الأمن، وهى تقديرات ارتكزت على النفقات الخاصة بالدفاع عن أمن الولايات المتحدة والجيش ونفقات السياسة الخارجية والأمن الداخلى والمحاربين القدماء وقوات إنفاذ القانون المحلية، فى حين أن النفقات الصينية ترتكز على نفقات الدفاع الوطنى والأمن العام وفقا للإحصاءات الرسمية الصينية.
ويرى بيكلى أن الصورة تتغير بشكل كبير إذا استثنينا النفقات الدفاعية التى تعد مصدرا من مصادر القوة من كونها تكلفة صافية، فالتكلفة الخاصة بالأمن الداخلى فى الصين أكبر منها فى الولايات المتحدة وسوف ترتفع فى العقود القادمة لأن الصين تعانى من معدل أعلى فى عدم الاستقرار الداخلى بالمقارنة مع الولايات المتحدة حيث احتلت الصين المركز 157 من بين 212 دولة على مؤشر البنك الدولى للاستقرار السياسى.
وتشير إحصاءات رسمية للحكومة الصينية إلى أن الاحتجاجات العامة وأعمال الشغب التى تضم أكثر من مائة شخص تزايدت من 9000 احتجاج عام 1993 إلى 280 ألف احتجاج عام 2010، كما أن انتهاكات النظام الاجتماعى التى تشير إلى منع مجموعات من المواطنين قوات الشرطة من تأدية عملها، ارتفعت من 3 ملايين ومائتى ألف حالة عام 1995 إلى 13 مليونا وتسعمائة ألف حالة عام 2012.
وإضافة إلى عدم الاستقرار الداخلى، ينبغى على الصين تأمين حدودها التى تمتد على مسافة 14 ألف ميل وتشمل حدودا مع 14 دولة مختلفة، معظم هذه الحدود كانت مناطق صراع تاريخية وبعضها ما زال قائما حتى اليوم منها الصراع مع الهند وفيتنام وعدد من دول آسيا الوسطى حيث يتوزع الانفصاليون «الإيغور».
كل هذا سيدفع الصين لإنفاق مليارات الدولارات كل عام لضبط الأمن، فى حين أن الولايات المتحدة تتمتع بمستوى أقل بكثير بالنسبة لعدم الاستقرار الداخلى، كما لا يوجد على حدودها سوى جارين حليفين هما كندا والمكسيك.
رأس المال الطبيعى
تتمثل عناصر رأس المال الطبيعى فى المياه ومصادر الطاقة والأراضى الصالحة للزراعة، وجميعها ضرورية لاستمرار الحياة ولمد الزراعة والصناعة باحتياجاتها.
وتتباين التقديرات حول من لديه نسبة أكبر من رأس المال الطبيعى، فوفقا للأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة تتوفر على 30% أكثر من الصين فى رأس المال الطبيعى، لكن كليهما يستنزفان هذه المصادر بمرور الوقت، فى حين أن تقديرات البنك الدولى تقول إن الصين لديها ثلاثة أمثال ما لدى الولايات المتحدة من رأس المال الطبيعى.
وبينما تُحسن الولايات المتحدة من استغلال مواردها من المياه والطاقة والأراضى الزراعية، تستهلك الصين بعدد سكانها الذى يزيد عن عدد سكان أمريكا أربع مرات المياه والطاقة والأراضى الزراعية، كما يعانى ثلث الأقاليم الصينية وثلثا المدن الصينية من ندرة فى المياه، فالعاصمة بكين على سبيل المثال يبلغ نصيب الفرد من المياه فيها 145 مترا مكعبا سنويا وهو أقل بكثير عن الألف لتر مكعب الذى حدده البنك الدولى فى تعريفه لندرة المياه.
كما تستهلك الصين طاقة أكثر بنسبة 10% عن الولايات المتحدة ومن المتوقع أن تستهلك ضعف الطاقة التى تستهلكها أمريكا عام 2040 حيث تستهلك الصين حاليا ما قيمته 400 مليار دولار من مصادر الطاقة الداخلية كما تشترى طاقة من الخارج بقيمة 500 مليار دولار، فى حين أن الولايات المتحدة تستنزف طاقة داخلية
ب140 مليار دولار وتستورد طاقة بقيمة 120 مليار دولار من الخارج.
أما الاستهلاك الزراعى، فقد أصبحت الصين مستوردا صافيا للحبوب وأكبر مستورد للحاصلات الزراعية منذ عام 2011، كثير منها يأتى من الولايات المتحدة التى تبيع للصين نحو 25 مليار دولار من الطعام سنويا.
ووفقا للبيانات السابقة، يخلص «بيكلى» إلى القول بأن النمو الاقتصادى الصينى كان مذهلا خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أن هذه المعجزة لن تتمكن من ملء الفجوة مع الولايات المتحدة، ذلك أن النمو السريع تولد من زيادة هائلة فى المدخلات المتمثلة فى استئجار العمال وإنفاق الأموال، وحققت الصين هذه الزيادة المفرطة وفى النمو بتكلفة مرتفعة بل آخذة فى الارتفاع بينما يتباطأ النمو الاقتصادى، وهو ما يعنى أن الفجوة الحالية مع الاقتصاد الأمريكى سوف تتزايد بتريليونات الدولارات.
ومع ذلك فإن مقياس الثروة الاقتصادية ليس إلا أحد أعمدة قياس القوة، بينما القدرات والإمكانات العسكرية تمثل العمود الثانى.
ويشير التاريخ إلى أن الصين يمكن أن تهدد الولايات المتحدة عسكريا حتى ولو كانت متأخرة عنها اقتصاديا، فالاتحاد السوفييتى لم يماثل فى يوم من الأيام الولايات المتحدة من حيث الثروة والقوة الاقتصادية، إلا أن روسيا ما زالت حتى الآن قادرة على تهديد التفوق الأمريكى عبر زيادة حشودها العسكرية ونشر صواريخها لتهدد وسط أوروبا، وهو ما سيتم استعراضه فى الحلقة المقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.