معاملات محافظ الهاتف المحمول تحقق 555 مليار جنيه خلال الربع الأول من 2024    «المعادى للتشييد» تعتزم إطلاق مشروع تجارى باستثمارات 10 مليارات جنيه بمدينة نصر    هل إسرائيل قدمت لأمريكا ضمانات بعدم ضرب منشآت إيران النووية؟    وزيرا الطاقة الأوكراني والمولدوفي يناقشان أمن الطاقة الإقليمي    العراق: قصف نفق بداخله عناصر من داعش بطائرات إف -16 غرب نينوى    الجزائر ترحب بقرارات محكمة العدل الأوروبية التي تؤكد عدم شرعية الاتفاقيات التجارية مع المغرب    جوميز يرفع الحمل البدني في تدريبات الزمالك    أودينيزي يفوز على ليتشي بصعوبة في الدوري الإيطالي    رئيس جامعة حلوان: نصر أكتوبر ساهم في استعادة مصر لمكانتها الإقليمية والدولية    الإمارات تجدد موقفها تجاه وحدة لبنان وسلامة أراضيه    خارجية الصين تعلن إجلاء 215 من رعاياها في لبنان    رواتب تبدأ من 6500 جنيه.. رابط التقديم على فرص عمل في القاهرة والتخصصات المطلوبة    مخالفات البناء وتحسين الخدمات.. محافظ الجيزة يبحث طلبات وشكاوى المواطنين    نادٍ إنجليزي جديد يزاحم ليفربول على ضم عمر مرموش    الزمالك يسابق الزمن لتفادي إيقاف القيد مجددا    إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة في قنا    في "خناقة المول".. تأجيل محاكمة إمام عاشور ل12 أكتوبر    طقس الأحد.. الأرصاد: سحب منخفضة ومتوسطة تساعد على تلطيف الأجواء    إشغالات فنادق تجاوزت ال60٪.. الأقصر تستعد لاستقبال 16 رحلة طيران من أوروبا أسبوعيًا    حسن العدل: انضممت للجيش قبل حرب أكتوبر بسنة وكانت المنظومة العسكرية منظمة    الثقافة تحتفي ب"شعراء ما بعد المقاومة" في أمسية بالإسماعيلية    حملة "100 يوم صحة" تقدم أكثر من 103 ملايين خدمة مجانية خلال 65 يومًا    تفاصيل غرق طالب بنهر النيل في الحوامدية    «الإفتاء» تنظم البرنامج التدريبي «التأهيل الفقهي» لمجموعة من علماء ماليزيا    "الكونفدرالية الإيطالية": انطلاقة جديدة لتمكين المرأة المصرية بقلب سوق العمل الأوروبي    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    إسرائيل تشن 5 غارات على ضاحية بيروت الجنوبية خلال الساعة الأخيرة    عاجل.. تأجيل إعادة محاكمة متهم بتفجير فندق الأهرامات الثلاثة لحضور المحامي الأصيل    نقابة المهن الموسيقية ترعى مؤتمر الموسيقى والمجتمع في جامعة حلوان    صندوق مصر السيادي على طاولة "النواب" الأثنين المقبل    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    خبيرة: مشروع رأس الحكمة أحدث استقرارا نقديا انعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار    خلال 24 ساعة.. تحرير 534 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    الكنيسة الأرثوذكسية تهنئ الرئيس والمصريين بذكرى نصر أكتوبر    التضامن: تسليم 801 وحدة سكنية في 12 محافظة للأبناء كريمي النسب    رئيس معهد التمريض بالتأمين الصحي في الشرقية: تكليف الطلبة بالعمل فور التخرج    في حوار من القلب.. الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"    «منظومة الشكاوى» تكشف عن الوزارات والمحافظات صاحبة النصيب الأكبر من الشكاوى    وزير التعليم العالي: لدينا 20 جامعة أهلية تتضمن 200 كلية و410 من البرامج البينية    إطلاق حملة لصيانة وتركيب كشافات الإنارة ب«الطاحونة» في أسيوط    ترشيدًا لاستهلاك الكهرباء.. تحرير 159 مخالفة للمحال التجارية خلال 24 ساعة    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    برلماني يحذر من مخاطر انتشار تطبيقات المراهنات: تسمح بقرصنة بيانات المستخدمين    فرد الأمن ضحية إمام عاشور: «روحت الأهلي عشان نتصالح ومحدش سأل فيا»    تخفيضات 10%.. بشرى سارة من التموين بشأن أسعار السلع بمناسبة ذكرى أكتوبر    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    شاهندة المغربي: استمتعت بأول قمة للسيدات.. وأتمنى قيادة مباراة الأهلي والزمالك للرجال    حاول إنقاذه فغرقا معًا.. جهود مكثفة لانتشال جثماني طالبين بهاويس الخطاطبة بالمنوفية (أسماء)    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    طريقة عمل الكرواسون بالشيكولاتة، الوصفة الأصلية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    إسلام عيسى: انتقالى لسيراميكا إعارة موسم منفصل عن صفقة أوجولا    بلومبيرغ: البنتاجون سينفق 1.2 مليار دولار على الأسلحة بعد هجمات إيران والحوثيين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو قياس أكثر عدلًا للفقر
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 05 - 2019

تناول عدد من المقالات الأيام الماضية موضوع انتشار الفقر فى مصر وذلك على خلفية بعض الأخبار الصحفية التى أشارت إلى ارتفاع معدل الفقر بشكل كبير خلال العام الحالى وتأخر صدور نتائج بحث الدخل والإنفاق الذى يصدر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. وبغض النظر عن صحة تلك الأخبار ودقة ما ورد بها من أرقام فإن ما يشغلنا فى هذا المقال هو توضيح كيفية وفلسفة قياس الفقر والتى أراها أمرا من الضرورى الحديث عنه من باب توعية المواطنين بقضية تمس قطاعا كبيرا ومتزايدا من المصريين. بداية تعتبر مسألة معدل الفقر من القضايا التى تحتل أولوية لدى صانع القرار باعتبار أن الانسان هو ركيزة المجتمع والمكون الرئيسى له ومن زاوية اقتصادية فإن برامج الحماية الاجتماعية والدعم بمختلف صوره (التى تستحوذ على نسبة كبيرة من الانفاق الحكومى) تستهدف من يستوفى شروط ومعايير مختلفة على رأسها مستوى دخل الفرد، وبالتالى فإن حد الفقر وعدد الفقراء وسماتهم الديمغرافية والنطاق الجغرافى لتركزهم من الأمور التى تشغل بال المهتمين بالشأن العام عموما. ويبقى السؤال المهم هو على أى أساس يتم اعتبار الفرد فقيرا؟ بشكل عام هناك أسلوبان رئيسيان يتم الاعتماد على أحدهما لتحديد معدل الفقر وبالتالى أحقية الفرد فى الحصول على الدعم والتمتع ببرامج الحماية الاجتماعية التى تقدمها الدولة.
***
1 الأسلوب الأول هو القياس المطلق للفقر absolute poverty measure والذى يعتمد على تحديد حد أدنى يحتاج إليه الفرد للوفاء باحتياجاته الأساسية ومن يقل دخله عن هذا الحد يعد فقيرا. ويتم احتساب الحد الأدنى وفقا لأسعار السلع والخدمات الأساسية التى يحتاج إليها الفرد بصورة شهرية وغالبا ما يتم حسابها كمضاعف لسلة الغذاء الأساسية (أى قيمة الغذاء الذى يحتاج إليه الفرد شهريا). على سبيل المثال إذا كانت تكلفة الحد الأدنى للغذاء الذى يحتاج إليه الفرد شهريا 300 جنيه يتم احتساب حد الفقر بثلاثة أضعاف هذا المبلغ أى 900 جنيه شهريا باعتبار أن الفرد ينفق ثلاثة أضعاف دخله على الغذاء. فلسفة هذا الأسلوب هى أن الفقر هو عدم القدرة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية وبالتالى فإن الفقير هو من لا يملك ما يعينه على البقاء بغض النظر عن مستويات المعيشة السائدة فى المجتمع. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية هى المثال الأبرز فى اتباع هذا الأسلوب لقياس الفقر كما تعتمد المنظمات الدولية على تحديد حد أدنى يومى بالدولار الأمريكى لدخل الفرد كما تتبعه مصر أيضا. ويعيب هذا النظام أنه يتجاهل تجدد متطلبات الإنسان واحتياجاته الاجتماعية وتغير الأسعار بصفة مستمرة وارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات مقارنة بأسعار الغذاء، على سبيل المثال ترتفع أسعار السكن والطاقة والرعاية الصحية بحيث أصبحت تستحوذ على جزء غير هين من إنفاق الفرد وبالتالى فإن قياس الحد الأدنى للفقر وفقا لأسعار الغذاء قد يكون فى غالب الأحيان غير منصف وعادل. فعلى سبيل المثال، وفقا لآخر تقديرات بحث الدخل والإنفاق الذى يجريه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن حد الفقر فى مصر كان من المتوقع أن يصل إلى حوالى 800 جنيه للفرد شهريا (لم تصدر نتائج أحدث بحث حتى الآن) ومن الواضح أن هذا الرقم متدنٍّ للغاية وأى رأى موضوعى ومحايد يعلم أن هذا المبلغ بكل تأكيد لا يكفى حتى الوفاء بالاحتياجات الأساسية لأى شخص.
2 القياس النسبى للفقر relative poverty measure ترتكز فلسفته على أن الفرد يعيش وسط مجتمع ويتفاعل مع غيره وبالتالى فإن الفقير ليس من لا يستطيع توفية احتياجاته الرئيسية التى تبقيه على قيد الحياة فحسب بل هو من لا يتمتع بالحد الأدنى من أنماط الاستهلاك السائدة فى المجتمع. وعليه فإن قياس الفقر بهذا الأسلوب يتم عن طريق تحديد نسبة مئوية من متوسط دخول الفرد بالدولة ومن يقل دخله الشهرى عن هذه النسبة يعتبر فقيرا على سبيل المثال قد يتم تحديد نسبة 50٪ من متوسط الدخل كحد للفقر وبالتالى فإذا كان متوسط الدخل الشهرى بالدولة 3000 جنيه فإن كل من يقل دخله عن 1500 جنيه شهريا يعتبر فقيرا. وكما هو واضح فإن هذا الأسلوب لقياس الفقر يراعى الجوانب الاجتماعية والنفسية للفرد ويهدف إلى تقليل اللامساواة وتدعيم مبدأ الدمج الاجتماعى social inclusion حيث من الممكن أن يتم تصنيف الفرد ضمن الفقراء حتى ولو كان قادرا على الوفاء باحتياجاته الأساسية لكنه غير قادر على التمتع ببعض السلع والخدمات التى يحصل عليها غالبية أفراد المجتمع والتى تختلف بطبيعة الحال من دولة لأخرى وتعتبر دول الاتحاد الأوروبى هى الأبرز فى الاعتماد على هذا الأسلوب لقياس الفقر.
***
بشكل شخصى أميل إلى الاعتماد على القياس النسبى للفقر ذلك أن الغرض الرئيسى منه هو الحد من اللامساواة التى يراها الكثيرون من الاقتصاديين وعلماء السياسة والاجتماع أبرز ما يهدد استقرار المجتمع وسلامته كما أنه يراعى الجوانب النفسية للفرد وينظر إليه باعتباره جزءا من المجتمع وليس كيانا بيولوجيا غايته الوحيدة هو البقاء على قيد الحياة. ولكن أعى جيدا التكلفة السياسية والاقتصادية التى تحول دون اتخاذ الحكومات قرارا بالتحول من القياس المطلق للقياس النسبى للفقر والذى قد يقفز معه عدد الفقراء إلى الضعف وما يتبع ذلك من مزيد من مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية. وقد يرى الكثيرون أن التوقيت والظروف الحالية فى مصر لا تسمح بالاعتماد على القياس النسبى للفقر، ولكن بغض النظر عن التوقيت يبقى الاقتناع بفلسفة هذا الأسلوب وضرورة الحد من التفاوت الرهيب فى الدخول والثروات والتباين الصارخ فى مستويات المعيشة هو المهم وقد سبق أن تناولت فى مقال سابق هذا الأمر مؤكدا على أن دعم الفقراء ومحدودى الدخل ليس من باب الشفقة والرحمة والتكافل فحسب بل لتحقيق مصلحة المجتمع ككل بمن فيه رجال الأعمال وأصحاب الثروات الذين يحتاجون إلى أيدٍ عاملة ماهرة ومدربة ومتعلمة وصحيحة بدنيا ونفسيا قادرة على التعلم والعمل واكتساب المهارات تساهم فى تعظيم الانتاجية والتنمية الاقتصادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.