«على كل رئيس دولة أن يخبر شعبه بتفاصيل حالته الصحية بصفة مستمرة». هذه العبارة قالها مساء الأربعاء الماضى اللورد ديفيد أوين خلال محاضرته فى القاعة الشرقية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بدعوة من مؤسسة هيكل للصحافة العربية. عندما سمعت عبارة أوين قلت فى نفسى إما أنه شخص مثالى وحالم أو أنه لا يعرف ماذا يحدث فى العالم الثالث، وبالطبع فالاحتمال الأول هو الصحيح، لأن المحاضر شغل منصب وزير خارجية بريطانيا طويلا، وظل عضوا فى مجلس العموم 26 عاما، وكان زعيما للحزب الاشتراكى الديمقراطى، وعضو مجلس لوردات، ورئيسا لجامعة ليفربول.. وكلها سيرة مهنية تعنى أنه مطلع ومثقف وخبير بما يحدث فى العالم. المحاضرة كانت ممتعة وعنوانها «الاعتلال فى السلطة.. الصحة البدنية والنفسية للزعماء وتأثيراتها على الحكم وصنع القرار». وأحد أسباب متعتها أنها ذكرتنا نحن ساكنى العالم الثالث بأشياء غريبة تحدث فى العالم الأول. قد يكون مفهوما أن يلجأ غالبية الرؤساء والقادة والبشر عموما إلى إخفاء حقيقة أمراضهم. لكن فى العالم الأول فإن دخول ديك تشينى نائب الرئيس الأمريكى السابق إلى المستشفى أكثر من مرة لإجراء عمليات خطيرة فى القلب كان أمرا اعتياديا، وكان العالم بأكمله يعرف بالخبر قبل العملية وخلالها وبعدها، أما أن يصاب أى رئيس فى العالم الثالث بنزلة برد عادية وليست «خنازيرية أو طيورية» فذلك أمر جلل لا نعرف به إلا بعد قرون حينما يتم نشر مذكرات الحفيد. فى العالم الأول خرج بيان ذات يوم من البيت الأبيض ليقول إن بوش الابن كان يأكل «المقرمشات» وهو يشاهد التليفزيون، وأن جزءا منها انحشر فى حلقه فتعرض لوعكة طارئة، وتحول الأمر هناك إلى ما يشبه النكتة وكيف أن بوش كان فاشلا فى كل شىء حتى فى القدرة على الأكل بطريقة صحيحة! أما فى العالم الثالث والرابع والخامس، فلا يمكنك أن تعرف ما يحدث للزعيم أو المسئول إلا لو أتاه القضاء والقدر أثناء حدث يذاع على الهواء مباشرة. اللورد أوين حكى فى محاضرته عن تفاصيل كثيرة لأمراض الزعماء والرؤساء، وكيف كانت تؤثر أحيانا على كيفية اتخاذ القرار، لكنه لسوء الحظ لم يخبرنا عما نريد أن نعرفه. فى دساتير وقوانين وأعراف بلدان كثيرة تحترم شعوبها فإن الحالة الصحية لكبار مسئوليها أمر عادى وينبغى للجميع أن يعرفوه، سواء قبل انتخابهم أو خلال فترات عملهم، ولدى بلدان العالم الثالث ونحمد الله أننا لسنا منهم فإن «عطسة» الرئيس أو الوزير، سر حربى لا ينبغى لأحد أن يعلمه خصوصا أبناء شعبه. معظمنا لا يعلم الحالة الصحية لعدد كبير من القادة العرب إلا عن طريق تسريبات أجهزة خارجية، ولم نعرف الحالة الصحية الحقيقية للرئيس السورى الراحل حافظ الأسد إلا عبر جهاز «الموساد» الذى حصل على عينة من بوله خلال مشاركته فى عزاء عاهل الأردن الراحل الملك حسين، كما أن قادة الخليج الراحلين لم نعرف أنهم مرضوا إلا فى اليوم الذى ماتوا فيه. أجن مجنون فى أخطر مستشفى أمراض عقلية يبدو حكيما لو قارناه ببعض القادة فى أفريقيا مثلا، وبما أن رأى المواطنين فى حكامهم لا قيمة له، فربما كان كل ما يطلبونه أن يعرفوا حالتهم الصحية، حتى إذا مرضوا قالوا لهم «سلامتكم». الحاكم فى الغرب بشر، يأكل ويمرض ويموت والحاكم فى الشرق نصف إله وأحيانا ثلاثة أرباع، لا يأكل، لا يمرض.. ويموت فجأة.