لعل أكثر ما قد تخشاه إيران الآن هو نموذج جورباتشوف ؛ بمعنى ظهور شخص من داخل النظام ينتهي به الحال إلى التخلي عن الثورة وتقويضها، باسم المصالحة مع الغرب. ومن ثم، ينبغي النظر إلى السجال الدائر قبيل انتخابات الرئاسة يوم 12 يونيو القادم، باعتباره الأهم عالميًا منذ انتخابات الرئاسة الأمريكية. والذي يدور حول: هل في استطاعة إيران تحقيق إصلاح على النمط الصيني، بدون أن يؤثر هذا التغيير على نظام تسلسل السلطة الإسلامي؟ و هل الانفتاح على أمريكا يتساوي مع ما وقع للاتحاد السوفيتي؟ يبدو أن شعار "الموت لأمريكا" الذي يطلق في المظاهرات مصحوبا بشعار "الموت لإسرائيل" يمثل إجابة كافية. فالنظام سوف يتشبث باللعبة التي يعرفها. غير أن إيران نادرا ما تبدو على ما هي عليه في الحقيقة. فهي تحيد عن طريقها لتغطي على تعقيدها. وقال لي جاهانجير أمير حسيني، وهو ناشط قانوني اعتقله نظام الملالي من قبل: "الخداع ضروري لخلق الثقة" وكان جادا فيما يقول . وهو يعني أن السياسة تلجأ لألاعيب ماكرة؛ بينما فضلت الولاياتالمتحدة سياسة المواجهة الحادة، التي أثبتت فشلها. أما بالنسبة لعهد أوباما، فينبغي تغيير بنية السياسة الأمريكية تجاه إيران ، بعيدًا عن التعنت الأمريكي المعتاد، و العمل على إقناع آية الله علي خامنئي، بأن الارتباط بالولاياتالمتحدة لن يعني النهاية للجمهورية الإسلامية. هذا هو مفتاح الحكم للنظام الإيراني الذي يعتلي خامنئي سدته. وبالرغم من أن حكمه ليس مطلقا تماما، فلديه أسهم أكبر أقلية في نظام يتنازعه الكبت من ناحية والحريات التي اكتسبت بمشقة من ناحية أخرى، كما يتصارع فيه التسلط والديمقراطية. وهذا ما ينقلنا إلى انتخابات يونيو الحاسمة، والرئيس السابق محمد خاتمي، الإصلاحي الذي تم اعتباره يوما جورباتشوف إيران المنتظر، بيد أنه لم يكن كذلك. فقد أصابت رئاسته من 1997- 2003 العديد من الإيرانيين بخيبة الأمل. إذ تراجع عندما حان وقت الجد. وماتت الاحتجاجات الطلابية في 1999 و2003 قبل أن يشتد عودها. بيد أن إضفاء الطابع الليبرالي على الإصلاح الاقتصادي والحوار الذي وصفه خاتمي بطنطنة إدارة فاشلة، كان سمة عهد خلفه محمود أحمدي نجاد. وأدى هبوط أسعار البترول إلى زيادة تكلفة "سخاء أحمدي نجاد مع الأصدقاء" وتساءل الإيرانيون: أين تذهب المليارات؟ ثم جاء إعلان ترشيح خاتمي ليزيد من الجدل الدائر. وأنهى خاتمي شائعات استمرت لعدة أيام، عندما صرَّح بأن حاجة إيران التاريخية للحرية والاستقلال والعدل "أجبرته" على الترشح. وكان ذكره للحرية أولا، ذي مغزى باعتبارها وعدا لم تحققه الثورة التي أطاحت بالشاه. غير أن خصمه الأساسي، الرئيس الحالي أحمدي نجاد، مازال يحظى بالدعم. فقد نجح بتصويره إيران على أنها صوت المحرومين في العالم، وإسراعه بخطى البرنامج النووي، فضلا عن لمسته الشعبية، في استمالة خامنئي. لكن الاندفاع الذي جعل من أحمدي نجاد هدفا لنيران السياسة العالمية، يدفع مرشد الثورة وملايين الناخبين للتروي في عملية الاختيار. ووفقا لأحد التوقعات، قد يفضل أحمدي نجاد الاستجابة لأوباما، لأنه يعتقد أن أمريكا هي التي ستنهار وليس الحكم الديني الإيراني، وأن أمريكا تترنح، وأن هناك دلائل على أن الرأسمالية سوف تلحق بالشيوعية إلى مزبلة التاريخ. غير أنني لست مقتنعا بأنه سيتخلى أبدا عن التشدد في مواقفه. وتكمن مصلحة الغرب القوية في الحيلولة دون فوز أحمدي نجاد بفترة رئاسة جديدة. ولكن نظرا لأن أحمدي نجاد يتألق عند المواجهة، فعلى أوباما أن يتنبه و ألا يمنحه هذه الفرصة. ولذلك، كان خطاب جو بايدن نائب الرئيس "إذا واصلت طريقك الحالي ستواجه الضغط والعزلة" خاطئا للغاية، لأنه ينمي لديه الإحساس بالمواجهة. وقال لي مصطفى تاج زاده، نائب وزير الداخلية السابق في عهد خاتمي: " لقد أضر بوش كثيرا بحركة الإصلاح. وسنرحب بأي تهدئة مباشرة يقدمها أوباما، مع صرف النظر عن الخيار العسكري". أما كاظم جلالي المتحدث باسم لجنة الأمن القومي بالبرلمان أكد على إن على أمريكا أن "تتوقف عن أن تنظر إلينا من مركز الهيمنة". فعلى أوباما أن يعلن قبل الانتخابات أن الولاياتالمتحدة لا تسعى لتغيير النظام في إيران. وعليه أيضا أن يوضح أن أمريكا تريد القيام بدور" الوسيط النزيه" في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بدلا من سياسات بوش القائلة بأن "إسرائيل لا يمكن أن تخطئ". ومن شأن مثل هذه الإجراءات أن تساعد خاتمي ، أو ربما براجماتيا محافظا مثل محافظ طهران محمد باقر غاليباف على إنهاء فترة حكم أحمدي نجاد. وقد لايحل رئيس معتدل المشكلة لنووية (يميل خامنئي نحو التصلب) ولكنه قد يفيد في الحل. وكنت أتمنى لو استطاع أوباما زيارة مقر إقامة السفير البريطاني هنا، ليشاهد صورة إعداد مائدة عشاء 30 نوفمبر 1943 (يوم ميلاد تشرشل التاسع والستون) للزعيم البريطاني وروزفلت وستالين. ولم يكن هناك أي إيراني بين المسئولين الذين كانوا يراجعون هناك مصير العالم الذي مزقته الحرب. لقد وصلت الثورة الإيرانية في عامها الثلاثين إلى صميم الاستقلال. وإطلاق القمر الصناعي، مثله مثل البرنامج النووي، مصدر فخر وطني. ويتطلب دفع النظام الإيراني للانفتاح من دون الإطاحة به وهو ما يجب أن يكون هدف الولاياتالمتحدة تسامحا ذكيا مع هذا كل الفخر، وليس توجيه الإنذارات. كما أن وقت "التغيير" الذي يمكن أن يؤمن به الشباب الإيراني، ينبغي أن يكون قبل 12 يونيو. • Copyright (2009). All rights reserved by New York Times Syndication Sales Corp.