خلال 48 ساعة.. الجيش الإسرائيلي يعترف بمقتل 13 جنديا في لبنان وغزة    جوتيريش يدعو عمدة مدينة قازان للمشاركة في اجتماع الأمم المتحدة    طائرة بنى سويف تفوز على سكر دشنا بثلاث أشواط نظيفة في الممتاز ب للرجال    محافظ الأقصر يوجه بتواجد فريق طبي داخل المدينة الجامعية الأزهرية    عبدالغفار: حملة «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 135 مليون خدمة مجانية خلال 85 يوما    محافظ الأقصر يفتتح مسجد حسب ربه بقرية الحبيل بالبياضية    القادسية يهزم ضمك بثنائية ... تاليسكا يقود النصر لتعادل في الوقت القاتل أمام الخلود للدوري روشن السعودي    وزير المالية في مائدة مستديرة بغرفة التجارة الأمريكية    متى نشهد سقوط أمطار؟.. الأرصاد توضح تفاصيل طقس الخريف    مأساة داخل أحد شوارع المطرية.. مقتل طالب على يد لاعب كمال أجسام    بالصور.. رانيا يوسف بفستان فوشيا على السجادة الحمراء للفيلم «ماء العين»    هند عبدالحليم تعلن تعرضها لأزمة صحية    فون دير لاين تعد بتخصيص 110 ملايين يورو لصربيا من أجل تنفيذ الإصلاحات    الصحة تنظم جلسة حوارية حول حماية أنظمة الرعاية الصحية ضد التهديدات السيبرانية    رئيس جامعة الأزهر يتفقد إنشاءات فرع دمياط الجديدة    المنوفية .. مصرع طالبة ثانوي صدمها القطار بقويسنا    غدا.. قصور الثقافة تطلق المرحلة الثالثة لورشة اعتماد المخرجين الجدد    استولوا على 10 ملايين جنيه.. غدا أولى جلسات محاكمة 17 متهما في قضية فساد «الجمارك الكبرى» الجديدة    رئيس جهاز الشروق: الانتهاء من رصف المرحلة الأولى للمحور الشرقي للمدينة    أبرز أحكام الأسبوع| تأجيل محاكمة أحمد فتوح والحبس 3 سنوات للمتهمين في واقعة سحر مؤمن زكريا    القاهرة الإخبارية: الجنائية الدولية تستبدل قاضيا رومانيا يدرس طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو    المؤتمر العالمي للسكان .. جلسة حوارية بعنوان «رأس المال البشري وصحة السكان»    مشكلة خفية تسبب الإصابة بالنوبة القلبية- احذر الأعراض    "سوهاج" على الخريطة السياحية المصرية.. كنوز أثرية تمثل مختلف العصور    وزير الأوقاف والمفتي ومحافظ السويس يشهدون احتفال المحافظة بالعيد القومي    المفتي ووزير الأوقاف يقدمان التهنئة لأبناء السويس في العيد القومي    في عيدها ال57.. قائد القوات البحرية: إغراق المدمرة إيلات أحد أعظم الانتصارات المصرية    أم إبراهيم.. 5 سنين بتأكل زوار إبراهيم الدسوقي بكفر الشيخ: كله لوجه الله    الكشف على 327 مواطنًا في قافلة طبية مجانية بعزبة الأقباط بمنوف    هيئة الدواء المصرية تصدر قرارا بضبط وتحريز كريم مشهور لعلاج الحروق    بعد الفوز بالسوبر المصري.. كاف يفاجئ ثنائي الأهلي بهذا القرار    مواقيت الصلاة .. اعرف موعد صلاة الجمعة والصلوات الخمس في جميع المحافظات    خطيب المسجد الحرام: شعائر الدين كلها موصوفة بالاعتدال والوسطية    هل يحاسب الرجل على تقصير أهل بيته في العبادة؟.. رأي الشرع    بدء المؤتمر العام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي.. صور    افتتاح مسجد الرحمن بمنطقة "ابن بيتك" شرق النيل ببني سويف    سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد مخر السيل وبحيرات التجميع استعدادا لموسم الأمطار    بعد انخفاضه.. ماذا حدث لسعر الذهب اليوم في مصر بمنتصف التعاملات؟    إيد واحدة.. حملات للتحالف الوطني لطرق أبواب الأسر الأولى بالرعاية بالبحيرة.. وجبات ساخنة للفئات الأكثر احتياجا ودفع مصاريف المدارس للأيتام    صحة غزة تعلن مقتل 38 شخصا في قصف إسرائيلي على خان يونس    وزير الري: إعداد خطة عاجلة لضمان مرور الموسم الشتوي بدون أزمات    اليونيفيل تتهم جيش الاحتلال بإطلاق النار وتخريب معداتها في مواقع المراقبة بلبنان    أسعار البيض المستورد في منافذ وزارة التموين.. ضخ 10 آلاف طبق أسبوعيا    «غادرت دون أن أودعها».. راغب علامة ينعى شقيقته برسالة مؤثرة: «صديقتي وابنتي وأمي»    المشاط توقع مذكرة تفاهم لتجديد البرنامج القطري لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD    جمال رائف: مصر حققت إنجازا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا بالانضمام ل«بريكس»    خبير: المواطن الأمريكي يشتكي لأول مرة من ارتفاع تكاليف المعيشة    الدورة ال32 لمهرجان الموسيقى العربية بوابة رسائل ودعم النجوم لفلسطين ولبنان    هنري: مبابي لا يقدم الأداء المطلوب مع ريال مدريد    بلان يكشف حقيقة خلافه مع نجم اتحاد جدة    جثة قتيل بالرصاص تثير لغزًا في أطفيح    إعادة محاكمة متهم بأحداث عنف الزيتون| غدا    تين هاج يفسر قراره المفاجئ بشأن مزراوي    مريم الخشت تعلق على أول ظهور لها مع زوجها بمهرجان الجونة بعد زفافهما    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: مد فترة التصالح في مخالفات البناء.. مفاجأة بشأن إهدار شيكابالا ركلة الترجيح أمام الأهلي    سوليفان: واشنطن لا تسعى لتغيير النظام في طهران    عادل عقل: الVAR والمساعدان ينقذون حكم برونزية السوبر المصرى    إمام عاشور وسط أفراح السوبر: أنا نيجيري مش مصري!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح الاقتصادى بعين واحدة أيضا!!
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 12 - 2016

بعد أن انضم الرأسماليون إلى صف الصارخين فى البرية من تداعيات قرار تعويم الجنيه المصرى، لا يستطيع أحد فى الفريق الاقتصادى الحاكم أن يدعى – فضلا عن أن يتباهى بشجاعة فى غير موضعها – بأن هذا القرار كان مدروسا من حيث المقدمات، ولا محسوبا من حيث النتائج.
الرأسماليون – أو المستثمرون بلغة هذه الأيام – الذين لم يجدوا حيلة سوى الاستغاثة بالإعلانات الصحفية برئيس الجمهورية، هم بالبداهة أكثر الفئات إيمانا وانتفاعا بسياسات السوق الحرة، وفى مقدمتها بالطبع تحرير سعر صرف العملة، ومع ذلك فقد انضموا إلى المستوردين، وصناع الدواء فى القطاعين العام والخاص، والصيادلة، والتجار وعموم المستهلكين فى بر مصر بل والمرضى، فى الصراخ من الآثار المدمرة لقرار التعويم على مصانعهم، وأسرهم، وعمالهم، لأن البنوك المملوكة للدولة فى أغلبها تتشبث بمحاسبتهم على «الاعتمادات المستندية الدولارية القديمة» بأسعار الصرف الجديدة أو العائمة، وهو ما سيؤدى بالقطع إلى إفلاسهم، وربما إلى سجنهم، إذا طبق القانون حرفيا.
أغلب الظن أن مشكلة المستثمرين سوف تحل عاجلا بإلزام البنوك بقرار «سيادى» بمحاسبتهم على المديونية القديمة بالأسعار التى كانت سائدة وقت فتح الاعتماد أو قريبا منها، فذلك حقهم، وهو أيضا يحقق مصلحة عامة اقتصاديا واجتماعيا، أما بقية الصارخين فى البرية فلا ندرى متى يستجاب لهم، ولكن يبقى ظهور هذه المشكلة، بهذه الحدة، ودون أن تتوافر للجهاز المصرفى القدرة الذاتية على حلها، انتظارا لقرار سيادى دليلا على وجود قدر كبير من الارتجالية فى سياسات الإصلاح الاقتصادى المدعاة.
وهو أيضا دليل إضافى على صحة القول بأن السياسة النقدية يجب أن لا يضعها المصرفيون، وإنما يجب أن يضعها ويقودها الاقتصاديون، فالمصرفى تكون أولويته هى إنجاح مصرفه، أما الاقتصادى فتتكون أولويته هى إنجاح الاقتصاد القومى ككل، أى أن المصرفى هو رجل فنى بالأساس، أما الاقتصادى فهو رجل سياسى فى المقام الأول، ولذا ظل علم الاقتصاد حتى وقت قريب يطلق عليه اسم الاقتصاد السياسى، ولم تنزع عنه صفة السياسى إلا من باب الاختصار أولا، ولانبثاق تخصصات منه تركز على الفرعيات ثانيا.
بسبب غلبة الفنيين على السياسيين فى الفريق الاقتصادى الحاكم فى مصر، ولأسباب أخرى لا يتسع المقام لذكرها، فإن سياسات الإصلاح الاقتصادى المطبقة حاليا لا تنظر إلا بعين واحدة، هى العين التى ترى ما تعتقد أنه واجبات المواطن، أما العين التى يجب النظر بها إلى مسؤليات الحكومة فهى مغمضة، وربما تكون عمياء من الأصل.
نعم إن بديهيات الإصلاح تحتم أن لا يكون هناك سعران أو أكثر لأية سلعة بما فى ذلك العملة الوطنية، كما تحتم هذه البديهيات أن يدفع كل مستهلك الثمن الحقيقى لكل سلعة، دون أن تتحمل الموازنة العامة الفرق بين ذلك الثمن الحقيقى، وبين الثمن الأرخص أو «المدعوم» الذى يدفعه المستهلك، إلا فى حالات نادرة، ولوقت محدد، ولكن البديهيات تحتم أيضا أن لا يتحمل هذا المستهلك أعباء ثقيلة أخرى هى من صميم مسئولية الدولة نحو دافع الضرائب، فالمواطن المصرى (الذى هو المستهلك فى حالتنا) يتحمل أعباء اقتصادية تنهد منها الجبال هدا، وهى كلها من صنع الحكومات، فالأجور يفرضها صاحب العمل فى الحكومة نفسها، وفى القطاعين العام والخاص، ولا يوجد عندنا ما يسمى فى دول الاقتصاد الحر باتفاقيات الأجر الجماعى المتفاوض عليها، وهذه من إملاءات الحكومة على العاملين، أما سوء الإدارة والفساد فيفرضان كلفة عالية على كثير من الخدمات والسلع، فنحن مثلا لا نعرف عناصر التكلفة لأية سلعة، أو خدمة تقدمها الحكومة، كالكهرباء والمياه، ولا نعرف هل تتسم إدارة هذه المرافق بالرشادة الاقتصادية، أم لا، لكن ذلك ليس كل شىء، رغم فداحته، إذ تبقى خدمات التعليم والعلاج والنقل هى أخطر ما ألقت به الدولة من أعباء على كواهل المواطنين دافعى الضرائب، وأكثرها التهاما لدخولهم، ولا نضيف إليها الإسكان.
فى التعليم أصبحت المدارس العامة، وبعض المدارس الخاصة مجرد «محل لقيد التلميذ»، وعلى ولى الأمر أن يتكبد إما مصروفات المدارس الخاصة، وإما تكاليف الدروس الخصوصية، أو الاثنين معا، رغم أن ولى الأمر هذا يدفع ضرائب تخصص منها اعتمادات للتربية والتعليم.
وفى الصحة، ورغم الاعتمادات المخصصة فى الميزانية العامة من الضرائب، ورغم ما يستقطع من دخول العاملين فى شتى الجهات تحت مسمى التأمين الصحى، فإن الغالبية تضطر إلى اللجوء للعيادات والمستشفيات الخاصة لسوء مستوى الخدمة العلاجية، أو لزيادة الطلب على العرض، كل ذلك فى ظل عدم وجود أية ضوابط حكومية، ولو استرشادية لأسعار الخدمات الصحية الخاصة، فالمواطن هنا ليس أمامه الا الإذعان للطبيب، أو لإدارة المستشفى.
وفى النقل أصبحت كل أسرة فى الطبقة المتوسطة مطالبة بامتلاك أكثر من سيارة لأداء مهام الحياة اليومية من عمل ودراسة وتسوق، لأن الحكومة لا تستطيع مد خدمة النقل الجماعى العام، ولا تريد أن ترخص لشركات خاصة كبيرة بأداء هذه الخدمة على أسس اقتصادية سليمة، داخل المدن، وبين الأقاليم.
هذه الأعباء مجتمعة تلتهم نصف دخل المواطن المصرى العادى من الطبقة المتوسطة، أو أكثر من النصف، ولو أنه لم يكن مضطرا لتكبدها بسبب تقصير الدولة وتخاذلها، وفساد البعض فى مؤسساتها، لكان بوسعه أن يتحمل بسهولة إلغاء دعم معظم السلع، ولكان منطقيا أن نطالبه بالصبر على ارتفاع الأسعار الجنونى الذى ترتب على تحرير سعر صرف الجنيه، وغير ذلك من تبعات الإصلاح الاقتصادى، أما أن تبقى كل المنظومة مختلة، ثم نحاول التصحيح فى جانب واحد فقط، فإن ذلك يشبه تدخلا جراحيا فى جسد يترنح من الالتهابات، وهذا ما لا يفعله أى طبيب مبتدئ فى أى مكان فى العالم، ولكن كان يفعله «الدكتور بوشى «فى زقاق المدق»!!
ومع ذلك، فليس ما سبق هو كل ما لا تراه العين الواحدة التى ينظر بها الفريق الاقتصادى الحاكم فى مصر لقضايا الإصلاح، لأن ما تناولناه اقتصر فقط على جانب الاستهلاك، ولم يتطرق إلى جانب الإنتاج، الذى آن الآوان للحديث عنه.
فحين يكون لديك ما يقرب من 1600 مصنع متوقفة عن الإنتاج، وحين تؤدى «إصلاحاتك» النقدية والمالية إلى دفع مئات إن لم يكن آلاف جديدة من المصانع إلى التوقف عن الإنتاج، أو الخروج من السوق جزئيا، فإنك فى واقع الأمر تدمر إصلاحاتك النقدية والمالية ذاتها، مع ما تدمره فى الجانب الإنتاجى للاقتصاد القومى، لأنك ببساطة تزيد من حاجتك للاستيراد من الخارج، الذى هو الأساس فى أزمة العملة الأجنبية لديك، لذا يجب على الحكومة أن تبادر لوضع برنامج لحل مشكلة المستثمرين (الذين استغاثوا برئيس الجمهورية)، وكل المستثمرين مع الجهاز المصرفى وعلى وجه السرعة، ثم تشرع فى وضع برامج لتشغيل المصانع المتوقفة، وتأهيلها إداريا، حتى إذا تطلب الأمر رعاية قروض لهذه المصانع، من البنوك، أومن عرق الجيش، وفى هذه الحالة الأخيرة يجب أن تكون القروض بسعر فائدة معتدل، وبفترة سماح كافية، فالجيش من الدولة كما قال الرئيس أخيرا، وإذا كانت الحكومات والمؤسسات الأجنبية تقرض مصر بأسعار معتدلة، وبفترات سماح طويلة مراعاة لظروفنا الصعبة، فإن مؤسساتنا الوطنية أولى بذلك تجاه بعضها البعض، وبالطبع فإن ذلك شىء، وامتلاك حصص فى الشركات المقترضة أو فى إداراتها مقابل القروض شىء آخر غير صحى، وغير مرغوب فيه.
هل يجب أن نذكر بأن ما أنقذ االاقتصاد الأمريكى من الانهيار فى أزمة 2008/2009 هو تدخل الحكومة الفيدرالية بإقراض كبريات الشركات الصناعية هناك، أو بالمساهمة بحصص فيدرالية فى رأس مال بعض هذه الشركات، على أن تباع هذه الحصص لمساهمين غير حكوميين فور تعافى الشركات المعنية، وهو ما حدث بالفعل، كما التزمت الحكومة بضمان القروض المصرفية التى احتاجتها شركات أخرى؟
بالطبع لسنا مرضى بأحلام اليقظة حتى نتوهم أن حكومتنا الحالية قادرة على أن تفعل كل هذا، فهى تضع كل آمالها، وكل مستقبل البلاد فى قرض صندوق النقد الدولى، ولكن أضعف الإيمان يدفعنا إلى مطالبتها بإعلان خطتها للكيفية التى ستستخدم بها هذا القرض، حتى نعرف هل ستولى أهمية لتشغيل المصانع المعطلة، ولضمان عدم تعطل مصانع جديدة؟ أم سيبقى الحال على ما هو عليه، انتظارا لما فى الغيب من عائدات الغاز، وعودة السياحة، وتحسن العلاقات مع السعودية على معوناتها تعود هى أيضا، أما صديقنا الحميم دونالد ترامب الذى سيسكن البيت الأبيض الأمريكى بعد أيام فربما يكون سخيا معنا فى كل شىء، إلا أن يعيد المعونة المالية الأمريكية إلى سابق عهدها فى القرن الماضى.
وأما إذا كانت الحكومة تعول على المحطة الثانية فى اتفاقها مع الصندوق، وهى بيع شركات وبنوك ومرافق عامة، فإن المؤشرات لا توحى بكثير من الأمل، لأن الاتجاه هو بيعها من خلال البورصة، بما ينطوى عليه ذلك من احتمالات التلاعب، وبحيث لا يكون لحملة الأسهم أى دور رقابى على هذه الشركات، فى حين أن الواجب هو تحويلها إلى شركات مساهمة، يكون لحملة الأسهم فيها حق اختيار الإدارة ومحاسبتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.