ارتفاع أسعار النفط للجلسة الثالثة.. وبرنت يتجاوز 82 دولاراً    الموافقة على شراء فرقاطتين إضافيتين طراز إف 126 للبحرية الألمانية    حزب الله يعلن التصدي لطائرة حربية إسرائيلية بصاروخ أرض-جو    زعماء قمة مجموعة السبع يواجهون تحديات غير مسبوقة.. تفاصيل    ميسي ردا على مبابي: هل يشارك أبطال العالم في اليورو؟    إصابة مدافع منتخب إنجلترا قبل انطلاق يورو 2024    عاجل.. رد بيراميدز الناري على تصريحات رئيس مكافحة المنشطات عن رمضان صبحي    10 أرقام قياسية قابلة للتحطيم في كأس أمم أوروبا 2024.. رونالدو يبحث عن كتابة التاريخ    موعد صلاة العيد في السعودية..مكة والرياض وجدة    الحماية المدنية تخمد حريقا اندلع بشقة سكنية في أوسيم دون إصابات    بفيديو طريف.. ابطال عرض «مش روميو وجولييت» يروجون للعمل بطريقتهم الخاص (تفاصيل)    غدا.. شذى تطرح أغنيتها الجديدة ناجحة    صيغة تكبيرات العيد الاضحى المبارك وموعد بدء التكبيرات يوم العيد    شروط اختيار أضحية العيد وحكم التشارك فيها    تحضير العجة المصرية اللذيذة بخطوات بسيطة بالمنزل.. أعرفى الوصفة    النمسا.. 29 سبتمبر موعدا لإجراء انتخابات البرلمان    كين: منتخب إنجلترا يشارك فى يورو 2024 لصناعة التاريخ ولكن الطريق صعب    جهود مكثفة لكشف ملابسات العثور على جثتين فى المعادى    «رحلة عزيزة».. انطلاق احتفالية «حماة الوطن» بذكرى دخول العائلة المقدسة أرض مصر    موعد التقديم للالتحاق بمدرسة مياه الشرب بمسطرد في القليوبية 2024    «العناني»: مصر تتميز بمقومات أثرية وتاريخية تجعلها قبلة للسياح الأجانب    أحمد جمال سعيد يستعد لتصوير مسلسل «وتر حساس» (تفاصيل)    رئيس هيئة دعم فلسطين: تقرير الأمم المتحدة دليل إدانة موثق على جرائم الاحتلال    «التايمز 2024»: جامعة طنطا ال4 محليًا.. وبالمرتبة 66 عالميًا في «الطاقة النظيفة بأسعار معقولة»    مفوضية الأمم المتحدة تحتفل باليوم العالمي للاجئين.. وتؤكد أن مصر أوفت بإلتزاماتها    بديلا ل ناتشو.. نجم توتنهام على رادار ريال مدريد    وكيل «صحة الشرقية» يتابع التشغيل التجريبي لوحدة تفتيت الحصوات بمستشفى كفر صقر    5 فئات ممنوعة من تناول لحمة الرأس في عيد الأضحى.. تسبّب مخاطر صحية خطيرة    وزير الاقتصاد الألماني يعول على المفاوضات لتجنب فرض عقوبات جمركية على الصين    الأطفال يطوفون حول الكعبة في محاكاة لمناسك الحج بالبيت المحمدي - صور    الأعلى للإعلام: تقنين أوضاع المنصات الرقمية والفضائية المشفرة يتم وفقا للمعايير الدولية    الانفصال الأسرى زواج مع إيقاف التنفيذ    أكاديمية الشرطة تناقش الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمع    الهروب من الحر إلى شواطئ مطروح قبل زحام العيد وارتفاع نسب الإشغال.. فيديو    أسعار فائدة شهادات البنك الأهلي اليوم الاربعاء الموافق 12 يونيو 2024 في كافة الفروع    محافظ الغربية يستقبل الأنبا أغناطيوس أسقف المحلة للتهنئة بعيد الأضحى    استجابة ل«هويدا الجبالي».. إدراج صحة الطفل والإعاقات في نقابة الأطباء    راية أوتو تطلق سيارات إكس بينج الكهربائية لأول مرة في مصر    اتحاد الكرة يرد على رئيس إنبى: المستندات تُعرض أثناء التحقيق على اللجان وليس فى الواتساب    محافظ المنيا يشدد على تكثيف المرور ومتابعة الوحدات الصحية    القوات المسلحة توزع كميات كبيرة من الحصص الغذائية بنصف الثمن بمختلف محافظات    الجلسة الثالثة من منتدى البنك الأول للتنمية تناقش جهود مصر لتصبح مركزا لوجيستيا عالميا    هيئة الدواء تعلن تشكل غرفة عمليات لمتابعة وضبط سوق المستحضرات الطبية في عيد الأضحى    مواعيد تشغيل القطار الكهربائي الخفيف ART خلال إجازة عيد الأضحى 2024    رئيس الأركان يشهد مشروع مراكز القيادة الاستراتيجى التعبوي بالمنطقة الشمالية    أسماء جلال تتألق بفستان «سماوي قصير» في العرض الخاص ل«ولاد رزق 3»    "يورو 2024".. البرنامج الكامل من الافتتاح حتى النهائي    مساعد وزير الصحة لشئون الطب الوقائي يعقد اجتماعا موسعا بقيادات مطروح    مسؤول إسرائيلى: تلقينا رد حماس على مقترح بايدن والحركة غيرت معالمه الرئيسية    عفو رئاسي عن بعض المحكوم عليهم بمناسبة عيد الأضحى 2024    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح المسوّق بالكامل لشركة «أرامكو» بقيمة 11 مليار دولار في سوق الأسهم السعودية    «الأوقاف» تحدد ضوابط صلاة عيد الأضحى وتشكل غرفة عمليات ولجنة بكل مديرية    وزير الإسكان يوجه بدفع العمل في مشروعات تنمية المدن الجديدة    "مقام إبراهيم"... آية بينة ومصلى للطائفين والعاكفين والركع السجود    «الخدمات البيطرية» توضح الشروط الواجب توافرها في الأضحية    حبس شقيق كهربا في واقعة التعدي علي رضا البحراوي    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    نجم الأهلي السابق: مجموعة منتخب مصر في تصفيات كأس العالم سهلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«كافيه سوسايتى».. يتغيّر العالم ولا تتغيّر المشاعر!
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 11 - 2016

يقدم وودى ألن فى فيلمه «café society» تحية مليئة بالحنين لسنوات الثلاثينيات من القرن العشرين، يعيد إحياءها بكل تفاصيلها، ويعرضها فى صورتها البرّاقة فى هوليوود، وفى أحد ملاهى نيويورك، دون أن يتنازل عن نظرة انتقادية ساخرة، تكشف عن رفضه للحياة المزيفة، حتى لو كانت لامعة، وانحيازه للحب، بوصفه الشىء الوحيد الثابت فى عالم يتغيّر.
الفيلم، الذى افتتح به مهرجان كان 2016، والذى كتبه وأخرجه ألن، يصنع طوال الوقت جدلا بين أحلام بطليه، وبين واقعهم، يختارون الواقع، ويتكيفون مع الظروف، ولكن الحلم يظل دومًا فى الذاكرة. فى أحداث الحكاية التى يسردها ألن (وهو سارد عظيم) ما يذكرك بالقصص البسيطة، التى طالما كانت موضوعات لأفلام الثلاثينيات، تفاصيل علاقة الحب، وسوء التفاهم بين أطراف ثلاثة، تذكرك بسينما الأبيض والأسود الهوليوودية، وعالم الملاهى الليلية، وشخصية رجل العصابات الذى لا يفهم سوى إلغاء الآخرين بالقتل، كلها أمور يتم استحضارها ببراعة، ولكن الفارق الأهم مزدوج وذكى: سخرية آسرة تكسر بريق الصور ولمعانها، وثراء الملابس والديكورات، ونهاية غير سعيدة، حيث يصعد كل من البطلة والبطلة ماديا، ولكن بعد أن انفصلا بلا رجوع، يستقبلان عاما جديدا وسط بهجة وصيحات وأغنيات، ولكن من دون بريق العينين، الذى لا يظهر إلا فى عيون العاشقين السعداء.
تبدو النهاية حزينة، ولكنها لا تعنى موت الرومانسية، بل تؤكد بقاءها، لأن بطلنا بوبى (جيسى إيزنبرج فى أداء ممتاز) لم ينس أبدا حبيبته القديمة فيرونيكا (كريستين ستيوارت)، بل إنه تزوج من امرأة تحمل نفس الاسم، أما هى، فرغم زواجها من صاحب وكالة شهيرة هوليوودية، فإنها تعترف لبوبى بأنها ما زالت تحلم به، يتبادلان القبلات أمام سنترال بارك فى نيويورك، ويقدمان تعبيرا يحمل الأسف فى ليلة رأس السنة، الواقع يربح ظاهريا، ولكن الحب أكثر بقاء واستمرارا وتأثيرا.
من خلال سيناريو محكم كالمعتاد، نتعرف على بوبى ابن العائلة اليهودية، الذى أرسلته أخته الكبرى إلى أخيها فيل (ستيف كاريل) الذى يعيش فى هوليوود، ويمتلك وكالة تتعامل مع أشهر النجمات والنجوم. بوبى لم يصمد فى مجال عمل ورثه هو بيع المجوهرات، أراد أن يغيّر حياته، ولعله فكّر فى نموذج خاله الذى نجح فى غزو هوليوود. بعد ثلاثة أسابيع من انتظار مقابلة خاله، يحظى بوبى بوظيفة هامشية، مجرد شاب يوصل الخطابات، مع فرصة حضور لقاءات خاله بالنجوم والمنتجين، لعله يحظى بوظيفة أفضل.
فيرونيكا، التى تعمل كسكرتيرة لفيل، والتى يدفعها الخال لكى تعرّف ابن أخته على هوليوود، فتاة مثقفة، حصلت على ماجستير فى الأدب الإنجليزى والدراما، ولكنها اختارت أن تعمل فى هوليوود، جاءت وراء بريق الأفلام، ولكنها سرعان ما اكتشفت عالما مزيفا، تسوده المنافسة، ويحكمه الصراع، تغيّرت نظرتها، ولم تعد تتمنى أن يكون لها قصر من قصور النجوم والنجمات، أرادت فقط أن تستعيد حياتها البسيطة، وأن تعيش بالقرب من المحيط.
لن يخيب توقعك عندما يقع بوبى الساذج فى غرام فيرونيكا البسيطة، ولكن وودى ألن يجهز مفاجأة تعقد الحكاية قليلا، إذ نكتشف أن فيرونيكا تحب فيل (خال بوبى)، وهو يعدها بالزواج، بعد أن يطلق زوجته التى ارتبط بها منذ ربع القرن، وأنجب منها عدة أولاد.
يتلاعب ألن بهذه العلاقة الثلاثية ليطلق الضحكات، هى علاقة يمكن أن تحدث فى الواقع، ولكنها مقدمة هنا على طريقة أفلام السينما: فيرونيكا لا تبوح باسم حبيبها لبوبى، وفيل يشكو مأزق حبه لبوبى دون أن يذكر اسمها، يتراجع فيل عن وعده لفيرونيكا بطلاق زوجته، فتتجاوب مع حب بوبى، ولكن فيل يقرر أن يطلق زوجته، فتقع فيرونيكا فى حيرة كاملة، ثم تختار فيل.
ينتهى الفصل الأول من الحكاية، فيعود بوبى إلى نيويورك، ويقبل أن يعمل فى الملهى الليلى الذى امتلكه شقيقه بن، والشقيق رجل عصابات نيويوركى صريح، ولكن الملهى الضخم يصبح فرصة للقاء مجتمع الأثرياء، مضاربون فى البورصة ووارثون ورجال عصابات، نساء جميلات فى كل مكان، وكأننا أمام تنويعة جديدة على بريق هوليوود، ولكن على أنغام موسيقى الجاز، ومن هذا العالم، سيتزوج بوبى من فيرونيكا هايز (بليك لايفلى)، وهى امرأة مطلقة، تركها زوجها السابق، من أجل فتاة أخرى، تماما مثل زوجة فيل.
يحقق بوبى النجاح المادى، وينجب طفلة جميلة، ولكنه يعترف، عندما تزور فيرونيكا القديمة وزوجها فيل نيويورك، بأنه ظل يفكر فى الحبيبة الهوليوودية كل يوم، لن يعود إليها، لأن الواقع يتغير فى اتجاه لا يسمح بالرجوع إلى الخلف: بوبى ورث الملهى بعد إعدام شقيقه بن إثر جريمة قتل رعناء ارتكبها، وفيرونيكا صارت جزءا من هوليوود، التى كانت تنتقد أضواءها وحياتها المزيفة.
يستحضر ألن الثلاثينيات ليقول أشياء مهمة عن الحياة التى يرى بوبى أنها «كوميديا من تأليف مؤلف سادى»، ولعله يقصد بذلك تلك اللعبة التى جعلته هو وخاله يقعان فى حب امرأة واحدة، وإذ يختار ألن هوليوود ونيويورك فإنه يضع عاصمة الفن، وعاصمة المال، تحت الميكروسكوب، وينتهى إلى أن الحب وحده هو الذى يجعل للحياة معنى، وليس الشهرة، ولا المال، ولا حتى السطوة التى دفع بن ثمنها، وكلها قيم تقليدية دافعت عنها سينما هوليوود دائما، ولذلك يتداخل عالم الأفلام وعالم الواقع فى «كافية سوسايتى»، وتبدو قصة بوبى وفيرونيكا وفيل ابنة زمنها الواقعى، بنفس الدرجة التى تبدو وكأنها مجرد فيلم قديم، يثير التأمل والاعتبار.
ولكن ألن يترجم أيضا عالمه وأفكاره من خلال بطله اليهودى، تتكرر مسألة الديانة اليهودية للبطل، وتقدم ملامح العائلة اليهودية بصورة ساخرة، بل إن بوبى يكتشف أن العاهرة التى طلبها فى هوليوود قتلا للفراغ والملل، هى أيضا يهودية، وتكتشف فيروينكا هايز أن بوبى يهودى، فيسبقها إلى السخرية بأنه لا يمتلك قرنين فوق رأسه، والأخ بن يتحول قبل إعدامه إلى المسيحية، لأن اليهودية لا تفترض وجود عالم آخر بعد الموت.
يظهر واضحا أن أسئلة وودى ألن الشخصية عن الهوية الدينية، وعن الصراع بين الحلم والواقع، و عن عالم ما بعد الموت، قد ترجمتها الحكاية، وفى كل الأحوال لا تتوقف السخرية فى كل الاتجاهات، ومن أفضل مشاهد الفيلم فى هذا المجال لقاء بوبى بالعاهرة الشابة، التى تصادف أنها يهودية، والتى هى اصلا ممثلة فاشلة فى هوليوود، ولكنها قررت أن تكون عاهرة، وكان بوبى زبونها الأول!
«كافيه سوسايتى» يجمع بين تحليل المجتمع والفرد والعواطف والطائفة الدينية معا، صورة العظيم فيتوريو ستورارو جعلت عالمى هوليوود والملهى مثل الكارت بوستال، وأسماء نجوم السينما ومنازلهم الفاخرة مدهشة، ولكن ما يبقى فى الذاكرة هو وجه بوبى، ووجه حبيبته القديمة فيرونيكا فى حفلين متباعدين فى نهاية الفيلم، ذلك أنها النهاية الصادمة، التى تجعلنا نفتقد نهايات أفلام هوليوود السعيدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.