وزير الآثار: تدريب العاملين يسهم في تطوير الخدمات المقدمة للسائحين    «القاهرة الإخبارية»: غارات قوية للاحتلال الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية    بوتين: نشعر بالقلق إزاء الأحداث في الشرق الأوسط ولا نريد للصراع أن يتفاقم    بوريل يعرب عن انزعاج الاتحاد الأوروبي الشديد إزاء تقارير عن وجود جنود كوريين شماليين في روسيا    بث مباشر لمباراة الأهلي والزمالك في نهائي السوبر | عاجل    كل ما تود معرفته عن محفظة التذاكر بمترو الخط الثالث.. «صالحة لك ولغيرك»    أروى جودة بعد ظهورها مع خطيبها لأول مرة في مهرجان الجونة: «لا يتحدث العربية»    توقعات الأبراج للاعبي الأهلي والزمالك قبل القمة: عواد مشتت وعاشور لديه طاقة هائلة    إقالة مانشيني من تدريب منتخب السعودية.. والإعلان عن البديل في هذا الموعد    حصار إسرائيلي خانق لمستشفى كمال عدوان في غزة وسط نداءات استغاثة طبية    محمود عنبر: الفترة المقبلة ستشهد تطورا في التبادل التجاري بين دول «بريكس»    ل«ضمان جودة التعليم».. «الإسكندرية الأزهرية» توفد لجان فنية لمتابعة المعاهد (صور)    وزير الثقافة يصل دار الأوبرا لحضور حفل ختام مهرجان الموسيقى العربية    إعلام فلسطينى: 820 شهيدا فى العدوان الإسرائيلى على شمال غزة منذ 20 يوما    أمينة خليل: أنا بنت مهرجان الجونة وفخورة بعضوية لجنة التحكيم    وقولوا للناس حسناً.. خالد الجندي يوضح أهمية الكلمة الطيبة في الحياة اليومية    شمال سيناء: الكشف على 377 مواطنًا فى قافلة طبية بقرية النثيلة    بروتوكول تعاون بين جامعة حلوان و"الصحفيين" لتقديم الخدمات الصحية لأعضاء النقابة    أول ظهور لمحمود شاهين وزوجته بعد زفافهما في افتتاح الجونة السينمائي    بندوة علمية.. دار الكتب تحتفل بذكرى نصر أكتوبر    السجن 6 سنوات لمتهم يتاجر في الترامادول    خالد الجندي: أنا أؤمن بحياة النبي في قبره.. فيديو    بنك مصر يرفع الفائدة على الودائع والحسابات الدولارية    شريف فتحي يؤكد عمق العلاقات الثنائية بين مصر وإيطاليا في مجال السياحة    غادة عبدالرحيم تشارك في الجلسة الختامية لمؤتمر السكان والصحة والتنمية    الجريدة الرسمية تنشر قرار إنشاء صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية    تذكرتي تعلن ضرورة توفر بطاقة المشجع fan id وتجديدها لحضور مباريات الموسم الجديد    رئيس جامعة الأزهر يتفقد الإسكان الطلابي بدمياط    البابا تواضروس يستقبل وزيري الثقافة والأوقاف.. تفاصيل التعاون المقبل    وزير الأوقاف: مصر تهتم بالمرأة في شتى مناحي الحياة    نهائي السوبر المصري.. محمد عبدالمنعم يوجه رسالة للاعبي الأهلي قبل مواجهة الزمالك    مدبولي يستقبل الشوربجي: نحرص على تذليل التحديات أمام المؤسسات الصحفية    عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل برغم القانون ل إيمان العاصى الليلة على on    "حياة كريمة" تحذر من إعلانات ترويجية لمسابقات وجوائز نقدية خاصة بها    القبض علي منتحل صفة ضابط شرطة للنصب علي المواطنين بأوسيم    تقدم 3670 مشاركا للمنافسات المؤهلة لمسابقة بورسعيد الدولية للقرآن الكريم    انقلاب سيارة نقل "تريلا" بطريق الإسماعيلية القاهرة الصحراوي    عارضة أزياء تتهم دونالد ترامب بالاعتداء عليها جنسيا    الاحتلال يشن غارة على موقع علمات جبيل جنوب لبنان    بث مباشر.. انطلاق الحفل الختامي للمؤتمر العالمي للسكان    رئيس هيئة الدواء: مصر تطوي صفحة النواقص ومخزون وطني لتأمين أدوية الضغط    انتهاء التوقيت الصيفي.. موعد وطريقة تغيير الساعة في مصر 2024    مولر عن خسارة البايرن برباعية ضد برشلونة: افتقدنا للثقة    هالاند يسجل أغرب هدف قد تشاهده فى تاريخ دوري أبطال أوروبا    بوتافوجو يقسو على بينارول بخماسية ... اتلتيكو مينيرو يضع قدما بنهائي كوبا ليبرتادوريس بفوزه على ريفر بليت بثلاثية نظيفة    "إيتيدا" و"القومى للاتصالات" يختتمان برنامج التدريب الصيفى 2024 لتأهيل الطلاب    الابن العاق بالشرقية.. حرق مخزن والده لطرده من المنزل    المشدد 5 سنوات لعاطلين شرعا في قتل سائق "توك توك" وسرقته بالمطرية    ضبط عامل بالفيوم لقيامه بإدارة ورشة لتصنيع الألعاب النارية والإتجار فيها    جامعة بني سويف تحتل المرتبة 11 محليًّا و1081 عالميًّا بتصنيف ليدن المفتوح    سيميوني: ركلة جزاء غير صحيحة منحت ليل الفوز على أتلتيكو    الطقس اليوم.. استمرار الرياح على البلاد وأمطار تضرب هذه المناطق بعد ساعات    عباس صابر يبحث مع رئيس بتروجت مطالب العاملين بالشركة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج دفعات جديدة في المعاهد الصحية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024 في المنيا    برامج تعليمية وتدريبية.. تعرف على أنشطة مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى"    بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج.. خيارات مشروعة لتيسير الزواج    أول إجراء من الزمالك ضد مؤسسات إعلامية بسبب أزمة الإمارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخروج عن التاريخ
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 04 - 2016

المصريون لا يخترعون التاريخ من جديد فى جزيرتى «تيران» و«صنافير».
الأسئلة حساسة بقدر خطورة ملفات السيادة والاحتجاجات مشروعة بقدر أية تنازلات محتملة.
رغم اختلاف العصور والدواعى والملابسات لم يكن بوسع أحد مصادرة السؤال العام فى كل الاتفاقيات التى وقعتها الحكومات المصرية خلال الثمانين عاما الماضية ولا منع الانتقادات أيا كانت درجة حدتها.
باسم الشعب وقع زعيم الوفد «مصطفى النحاس» اتفاقية (1936) قبل أن يلغيها هو نفسه باسم الشعب فى (1951).
على مدى خمسة عشر عاما هيمنت الاتفاقية ونصوصها والتنازلات التى احتوتها على المجال العام المصرى الذى طلب الجلاء كاملا دون أن يحصل عليه.
بموجبها ألزمت مصر تقديم كل التسهيلات والمساعدات للقوات البريطانية فى استخدام موانئها ومطاراتها وطرق المواصلات فيها بحالة الحرب.
ورغم أن قوات الاحتلال انسحبت إلى معسكرات وقواعد بقناة السويس إلا أنها احتفظت بحقوق السيادة كما تجلى ذلك فى حصار دباباتها عام (1942) لقصر عابدين وإجبار الملك «فاروق» على إسناد رئاسة الحكومة ل«النحاس» عندما اقتربت القوات الألمانية من العلمين خشية أى انهيار فى الوضع الداخلى يؤثر على أوضاعها العسكرية.
فى تلك الأيام كتب أحد الصحفيين الكبار: «ألعن المعاهدة وأقبلها».
رد عليه صحفى كبير آخر: «إذا كنت تلعنها فلماذا تقبلها؟».
لم يكن بوسع أحد تأميم السجال العام ولا ممكنا لمجمل الحركة الوطنية التى أطلت على المسرح السياسى المصرى ما بين الحربين العالميتين أن تتعايش طويلا مع اتفاقية أتاحت خفض كلفة الاحتلال باسم التحالف مع بريطانيا.
النصوص نشرت بكاملها، وهو ما لم يحدث فى مشروع اتفاقية «ترسيم الحدود البحرية».
كما أن الفريق الذى أدار المفاوضات فى لندن مع الحكومة البريطانية كان معلوما بأسمائه وخلفياته وتوجهاته، وهو ما بدا غامضا تماما فى التخلى عن الجزيرتين.
التعتيم الكامل خروج عن الأصول المستقرة فى إدارة ملفات السيادة وأزماتها.
لم يحدث مثل ذلك التعتيم عند توقيع اتفاقيتين آخرتين بين عامى (1953) و(1954).
الأولى، اتفاقية تقرير مصير السودان التى وقعها اللواء «محمد نجيب» مع السفير البريطانى فى القاهرة السير «رالف ستيفنسون»، ولم يكن رجل يوليو القوى «جمال عبدالناصر» من ضمن فريقها المفاوض.
بموجب الاتفاقية تقرر انسحاب القوات المصرية والبريطانية فور صدور قرار من البرلمان السودانى برغبته فى الشروع باتخاذ تدابير تقرير المصير.
كان أمام الجمعية التأسيسية السودانية الاختيار بين الارتباط بمصر على أية صورة أو الاستقلال التام.
والثانية، اتفاقية الجلاء التى جرى وفقها انسحاب آخر جندى بريطانى من مصر قبل تأميم قناة السويس بشهر واحد.
كان كل شىء معلنا مقدماته معروفة ونهاياته مفهومة.
رغم أية أخطاء سياسية أفضت إلى تغليب خيار الاستقلال فى الاستفتاء على تقرير مصير السودان، إلا أن الاستفتاء نفسه حق أصيل لا يمكن المنازعة فيه وتقبل نتائجه قيمة سياسية لا يصح التشكيك فيها.
أى رهان على مصادرة حق الإحاطة بالتفاصيل والسعى لتصحيح أية أخطاء خروج عن التاريخ وحقائقه ودروسه.
بصورة أو أخرى ارتبطت اتفاقيات السيادة ببعضها الآخر كأنها حلقة واحدة رغم تناقض الرجال والعصور.
من مفارقات التاريخ أن «جمال عبدالناصر» الذى أدار مفاوضات الجلاء لم يكن ممكنا له أو لرفاقه فى الضباط الأحرار أن يلتحقوا بالكلية الحربية لولا اتفاقية (1936).
ككل الاتفاقيات التى تتعلق بالسيادة استخدمت الوثائق المصرية المتوافرة أو التى جرى البحث عنها فى الأرشيفات الدولية لإثبات الحق، على عكس ما جرى تماما فى ملف «تيران» و«صنافير» حيث كرست مؤسسات الدولة لفكرة «التخلى» دون أن تنهض الدولة الأخرى بتقديم مستند واحد يثبت أحقيتها فى الملكية أو طلب السيادة.
لم تكن اتفاقية الجلاء مثالية.
وفق نصها: «تجلو حكومة المملكة المتحدة جلاء تاما عن الأراضى المصرية».. غير أنها اشترطت فى حالة وقوع هجوم مسلح على أى بلد يكون عند توقيع هذا الاتفاق طرفا فى معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو على تركيا أن تقدم مصر من التسهيلات ما يقد يكون لازما لتهيئة قاعدة قناة السويس للحرب وإدارتها إدارة فعالة.
النص بذاته استثار غضب قطاع لا يستهان به من النخب السياسية على الاتفاقية.
رغم رفع العلم المصرى على قاعدة قناة السويس ونداء «ارفع رأس يا أخى» ظلت التساؤلات تطرح نفسها بإلحاح حتى أمم «عبدالناصر» القناة ودخل فى مواجهة عسكرية مفتوحة ضد العدوان الثلاثى.
المعنى التاريخى أن مصر اكتسبت سيادتها الحقيقية بقوة الإرادة الوطنية فى حرب السويس.
المثير أن الرجل الآخر فى اتفاقية الجلاء السير «انتونى ناتنج» وزير الدولة للشئون الخارجية البريطانية بدا ممزقا بين مثله الأخلاقية والتزاماته الحكومية إثر حرب السويس فاستقال من منصبه احتجاجا.
ورغم أن مصر خرجت بعد حرب السويس قوة كبيرة لا يمكن تجاهلها فى المعادلات الدولية، إلا أن بعض نتائجها بقيت غصة فى الحلق فيما يتعلق بالملاحة الإسرائيلية حيث خليج «العقبة» و«تيران» و«صنافير».
فى أتون النار لم تتحدث الخارجية السعودية لمرة واحدة عن احقيتها فى الجزيرتين، ولا تحملت أية مسئولية سياسية أو عسكرية للدفاع عنهما.
بمعنى آخر هناك نوعان من التخلى عن الجزيرتين لا يمكن نفيهما.
الأول، سعودى طوال سنوات المواجهة.. والثانى، مصرى بعد أن انقضت كل مواجهة.
فكرة «التخلي» لا سابق لها فى كل الاتفاقيات والمعاهدات التى وقعتها مصر بغض النظر عن طبيعتها وظروفها وبيئتها الدولية.
فى اتفاقيتى (1936) و(1953) إجراءات تنال من السيادة، لكنها مفهومة بالنظر إلى حقائق القوة فى عصرها.
«كامب ديفيد» نفسها لم تنطو على تخلٍ عن الأرض.
الانتقادات الحادة انصبت على «السيادة الناقصة» فى سيناء وفق الملاحق العسكرية لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
بالتحكيم الدولى حول طابا استعادت مصر كامل أراضيها فى سيناء دون أن تبسط كامل سيادتها.
من ألغاز اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية أن كل البدائل استبعدت.
أولها، التحكيم الدولى بحجة أنه ليس هناك تنازع بين البلدين.
وثانيها، الاستفتاء الشعبى على الحق فى السيادة وفق نص دستورى ملزم.
المثير أن الاستفتاء استخدم مرتين لأهداف مماثلة.
الأولى، فى تقرير مصير السودان الذى أفضى إلى استقلاله.
الثانية، فى إقرار الوحدة مع سوريا وتوسيع نطاق السيادة وفق مفهوم عروبى.
ورغم أنه لا توجد وثائق، خارج المكاتبات الرسمية، تؤكد الملكية السعودية للجزيرتين إلا أنه جرى القفز إلى استنتاجات مثيرة للتساؤلات دون نظرة جدية فى أى حق مصرى.
استبعاد البدائل التى تسمح بالتصحيح الذاتى لأية أخطاء ارتكبت أحد وجوه التعتيم الذى يضر بأى قضية وكل مستقبل.
ملفات السيادة لا يملك إغلاقها بقرار ولا حسمها بقبضة أمن.
أرجو قراءة التاريخ فالخروج عنه يصعب تدارك نتائجه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.