هل لاحظت مثلى أن فيروس التحضر أصابنا منذ بداية شهر رمضان فسارت حالة المرور فى الشوارع على نحو نموذجى من حيث الانضباطية واحترام القانون؟ لابد أنك قارنت بين هذا «الرمضان» وغيره من «رمضانات» سابقة، كان التفكير فى نزول الشارع فى نهارها أقرب للجنون أو محاولة انتحار مع سبق الإصرار، ولابد أيضا أنك تصورت للحظة أنك تقضى رمضان هذا العام خارج مصر، وليس فى قاهرتها التى تصرخ تحت سياط الزحام والتلوث التى تنهال على جلدها منذ طلوع الشمس وحتى غروبها. تسعة أيام مرت من الشهر الكريم حتى الآن ولا تزال شوارع القاهرة تحتفظ باحترامها وإنسانيتها، الأمر الذى حارت فى أسبابه العقول والأفئدة، حيث لا تمضى حركة السير بسلاسة غير معهودة فحسب، بل الأهم من ذلك امتلاء الشوارع بذوى الزى الرسمى الأبيض الناصع من الرتب الكبيرة فى الشرطة، يؤدون عملهم ببساطة شديدة وبابتسامة غريبة تعلو الوجوه. ومادام ذلك كذلك فإننى لا أفهم لماذا يكون التعامل على هذا المستوى من الرقى ظاهرة موسمية نشاهدها فى رمضان فقط؟ ولماذا لا يكون هذا الانضباط قاعدة ثابتة لا تتغير مع الأحوال المناخية، بحيث نبقى متحضرين وإنسانيين ومحترمين طوال العام وليس فى شهر رمضان فقط؟ و إذا كنا نستطيع أن نكون مثل باقى شعوب العالم، شماله وجنوبه، وإذا كان الاحترام سهلا بهذا الشكل فلماذا لا نثبت التجربة طوال العام؟ وما الذى تغير فى رمضان، هل هو أداء ضباط وأفراد المرور، أم سلوكيات المواطن العادى الذى قرر أن يجرب أن يكون متحضرا؟ أم الاثنان معا؟ أغلب الظن أن المواطن المصرى كما أظهرت تجربة رمضان على استعداد للعودة إلى الحالة الإنسانية إذا ما لمس أن القانون والنظام يطبق بعدالة على الجميع، وأزعم أن هذا المواطن يستطيع أن يكون فى صدارة قائمة التحضر إذا أيقن أنه سيحصل على حقوقه البسيطة لو احترم القانون. غير أن كارثتنا الحقيقية أن الأبواب الخلفية لا تزال أسرع الطرق للوصول إلى الأهداف المشروعة منها وغير المشروعة، ينطبق هذا على كل مجالات حياتنا بدءا من المرور والتعليم والعلاج. ولأن رمضان هذا العام مختلف حقا فإن الشكر واجب لرجال المرور، كبيرهم وصغيرهم، على هذه الحالة الحضارية التى اكتست به شوارع القاهرة، وندعو الله أن تكون كل أيامنا «رمضان».. آمين.